خصخصة الخدمات الأمنية

مشاهدات



أكرم عبد الرزاق المشهداني


أضحت عملية الخصخصة Privatization في المجال الأمني أو الشُرطي، إحدى أبرز التطورات المُستجدة في الساحة الأمنية العالمية، وفي مختلف دول العالم بمختلف نظمها السياسية، ودرجة تقدمها. كما برزت الحالة كذلك في الدول النامية تأثراً بسياسات أو توجهات الخصخصة في المجال الاقتصادي والإداري. بالإضافة إلى زيادة حجم الأعباء الأمنية وتشابكها على الجهاز الأمني، وبروز أنشطة حديثة منها ما يرتبط بالتقنية الحديثة في ظل ثورة المعلومات وثورة الاتصالات. كما باتت الشركات الامنية الخاصة Private Security Companies اليوم ظاهرة متصاعدة على الساحة الدولية، منذ عقد التسعينات إثر النزاعات المسلحة التي اندلعت في الكثير من بقاع العالم، حيث تقوم الدول بتبني سياسة توكيل شركات تقوم بأعمال متعددة بدلا من تكليف القوات الحكومية بها، تلك الأعمال التي ترافق القطاعات العسكرية، بدءاً بتجهيز القوات العسكرية بالطعام والأجهزة ونقل المؤن والذخيرة والمحروقات، كما أصبحت الشركات الأمنية الخاصة تلعب دوراً مهما في تحقيق أهداف السياسة الخارجية للدول الكبرى، بسبب أن الشركات الأمنية الخاصة تستطيع تحقيق أهداف هذه الدول وأهداف شركاتها العملاقة.

ماهي الخصخصة في الامن؟

الخصخصة هي عملية إدارة المنشأة على أساس تجاري من خلال نقل مهمتها كلياً أو جزئياً إلى القطاع الخاص، أو تأجير خدمات إدارة محترفة تضطلع بها بمهمة تسيير المنشأة على هذا الطريق. وتهدف الخصخصة الأمنية إلى إيجاد محور أمني تعاوني بين السلطات الأمنية للدولة وبين القطاع الخاص بما يضمن اضطلاع الأخير في مسؤولية تطبيق الإجراءات والنظم الأمنية على المرافق الخدمية والتجارية والصناعية والتعليمية بما يوفر الخدمة الجيدة التي يستفيد منها المواطن وتخفف من كاهل العبء عن الأجهزة الحكومية.

يرى الخبراء الأمنيون، أن عملية “الخصخصة” في الخدمات الأمنية تتيح الفرصة للقطاع الخاص للمشاركة في تسيير وإدارة بعض الأعمال أو المرافق المنوطة أساسا بأجهزة الشرطة والأمن الداخلي: مثل حراسة وتأمين بعض المؤسسات أو الأماكن العامة، أو حماية الأشخاص ذوي الأهمية، أو إسناد بعض الأعمال الخدمية لشركات الأمن الخاصة، مثل مدارس تعليم السياقة، والفحص الآلي السنوي للسيارات، وحراسة المحلات الكبرى والأسواق، والمدارس والجامعات والمصارف.. وغيرها، مما يؤدي الى المساهمة في تعزيز وتحقيق الأمن في المجتمع، وخلق بيئة مستقرة لتحقيق التنمية فضلا عما يوفره لخزينة الدولة في مصروفات قوة الشرطة والحراسات الرسمية.

الامم المتحدة تضع معايير خاصة بالشركات الامنية الخاصة:

نظرا لما رافق انشاء الشركات الأمنية الخاصة في العديد من دول العالم من اساءات وانحرافات، فقد تدخلت الأمم المتحدة فوضعت عام 2010 مدونة الامم المتحدة بشأن قواعد السلوك الدولية لخدمات الشركات الامنية الخاصة، حيث عرفت المدونة هذه الشركات بأنها “أي نوع من الأعمال أو الكيانات بأي صيغة كانت (سواء كانت ملكية خاصة أو عامة أو مؤسسة)، التي تقوم بحراسة وحماية الأشخاص والممتلكات، كمرافقة المواكب الرسمية وحماية المؤسسات ومواقع محددة وحماية الممتلكات أو أية أماكن أخرى، أو أي نشاط آخر لأجله تقوم الشركات أو الأشخاص بحمل أو استخدام السلاح لإنجاز واجباتهم“.

كما أن الاتفاقية الدولية حول الشركات العسكرية والأمنية الخاصة التي قدمت إلى فريق الأمم المتحدة العامل المعني بدراسة مسألة استخدام المرتزقة كوسيلة لإعاقة ممارسة الشعوب لحقها في تقرير المصير عَرَّفَ كُلاًّ من الشركات العسكرية والأمنية الخاصة في مادته الثانية كما يأتي: “الشركات العسكرية والأمنية الخاصة هي منظمة تنشأ استناداً إلى تشريع دولة طرف لتقدم على أساس مأجور خدمات عسكرية أو أمنية من خلال أشخاص طبيعيين أو كيانات قانونية تعمل وفق ترخيص خاص وتشمل الخدمات العسكرية إلى الخدمات المتعلقة بالأعمال العسكرية بما فيها العمليات القتالية والتخطيط الاستراتيجي والاستخبارات والدعم اللوجستي والتدريب والدعم التقني وغيرها، أما الخدمات الأمنية فتشمل الحراسة المسلحة للممتلكات والأشخاص وتفعيل تطبيق إجراءات الأمن والمعلوماتية والنشاطات الأخرى المتضمنة استخدام وسائل تقنية ليست ضارة بالأشخاص والبيئة بغرض حماية المصالح والحقوق المشروعة لعملائهم”.

ويشكل تأسيس الشركات الأمنية الخاصة في العديد من البلدان اليوم وما تقدمه من خدمات امنية، أحد القضايا المعاصرة التي برزت على الساحة الأمنية، وبرزت لها الحاجة الماسة، لتقوم هذه الشركات بمساعدة جهاز الشرطة في بعض الاعمال التي تستهدف تحقيق الأمن. ومنها خدمات حفظ الامن في الأماكن الحساسة كالمطارات والسفارات. ولا شك أن التوسع في هذه الشركات وما تحتاجه من خبرات رجال الشرطة والامن سيوفر فرصا جيدة لتعيين المتقاعدين من رجال الشرطة من مختلف الرتب.

الخصخصة استثمار في الأمن:

وتعد الخصخصة إحدى مجالات الاستثمار وتنمية الموارد الحكومية، وتوفير المجال للقطاع الخاص كي يمارس دوره في الحياة الاقتصادية والاجتماعية من خلال استخدام الإجراءات الرشيدة والأساليب الحديثة.

لقد اتخذت دول عديدة خطوات متقدمة نحو إعادة هيكلة الاقتصاد بطريقة تدعم دور القطاع الخاص وافساح المجال له للمشاركة في أداء العديد من المهام التي تقوم بها الحكومات عبر التوسع في سياسة الخصخصة باعتبارها جزءا وعنصرا حاسما في عملية تحرير الاقتصاد ورفع كفاءته وتقليل البيروقراطية الحكومية والقضاء على الروتين.

متطلبات نجاح الخصخصة في الأمن:

ومن أجل التوسع في عملية خصخصة الخدمات الأمنية فانه يجب البدء بالآتي:

أولا: توفير القناعة التامة بضرورة الخصخصة بما يواكب الاتساع في المدن، والكثافة السكانية التي تحتاج لتوفير خدمات أمنية دقيقة.

ثانيا: اقتناع القيادات الإدارية والقائمين على إدارة الدولة بأن الخدمات الأمنية مسؤولية مجتمعية يجب اشراك القطاع الخاص بها، مع توفر القدرة الوطنية للمساهمة في تطوير هذا القطاع من خلال خصخصة بعض الخدمات الأمنية وتجسيدها في إطار تعاوني يهدف لتطوير الجودة والنوعية وتطوير العنصر البشري والآلي للمهام والخدمات الأمنية المراد خصخصتها.

ثالثا: ان يتم تأطير عمل هذه الشركات بتشريعات ونظم تحدد مجالاتها وشروطها وضبطها.

مجالات الخصخصة الأمنية:

بدأت الدول بالتوسع في مجالات الخصخصة التي تخفف من العبء عن إدارات الشرطة والمرور وغيرها من خلال على سبيل المثال:

1- اسناد بعض الأعمال المرورية مثل فحص المركبات الفحص الآلي والميكانيكي وتوفر شروط المتانة والأمان، وتنسيق عملية تأمين السيارات بأنواع التامين، وكذلك إدارة وتسيير مدارس تعليم السياقة.

2- حراسة وتأمين بعض المؤسسات أو الأماكن العامة والأماكن الحساسة كالمطارات والسفارات والمصارف والمستشفيات ومكاتب السفر والطيران وحماية المتاحف والأماكن الأثرية.

3- حماية الأشخاص ذوي الأهمية وفق ضوابط امنية تمنع الاستغلال..

4- حراسة المحلات الكبرى والأسواق والمولات ومخازن الأغذية والبضائع.

5- بعض خدمات الدفاع المدني ومنها خدمة إطفاء الحرائق.

6- خدمات تسهيل اصدار الوثائق الرسمية كالجوازات وبطاقات الأحوال المدنية والوثائق الشخصية.

7- حماية ونقل النقود بالعجلات المصفحة والأمينة.

8- حراسة المدارس والجامعات والمنشآت التعليمية.

9- هناك بعض الدول وسعت من مجالات الخصخصة في الخدمات الأمنية فأدخلت الخصخصة في مجال التحقيقات الجنائية، وسمحت بتأسيس شركات أهلية تمارس التحقيق وإعطاء الخبرة والاستشارة، والمعاونة في التحقيق بأنماط من الحوادث والقضايا، مع وجود تحفظ واسع لدى جهات الاختصـــــــــاص (في القضاء والشرطة) من هكذا شركات والسلبيات الخطيرة المتوقعة من عملها. ولكن لابأس من تأســـــــيس مراكز أبحاث تقدم الدراسات في المجالات الأمنية التي تحتاجها الداخلية واجهزة الشرطة والأمن.

سلبيات خصخصة الخدمات الأمنية:

وهناك بلا شك مخاوف وسلبيات متوقعة من أن تتحول هذه الشركات الى اخطبوط للتدخل في الشأن الأمني أو إساءة التعامل او التعامل مع الناس بالإساءة والاذى والاستغلال، ولنا في تصرفات الشركات الأمنية الأمريكية في العراق في السنوات الأولى من الاحتلال الأمريكي وما أداه ذلك من إزهاق أرواح مواطنين أبرياء..

كما أنها سوف تثقل من كاهل المواطن في تحمل نفقات خدمات كان يجب ان تتولاها الدولة من منطلق مسؤوليتها المفترضة في خدمة المواطن.

تشريعات عربية لتنظيم عملية الخصخصة الأمنية:

وقد اصدرت العديد من الدول العربية ومنها اقطار الخليج العربي تشريعات تنظم عملية الخصخصة في الاعمال المدنية التي يمكن اشراك القطاع الخاص في ادارتها ومن هذه التشريعات:

دولة قطر أصدرت قانون رقم (19) لسنة 2009 بتنظيم مزاولة الخدمات الأمنية الخاصة في دولة قطر:

مملكة البحرين أصدرت قانون رقم (24) لسنة 2006 بشأن شركات الأمن والحراسة الخاصة دولة الإمارات العربية المتحدة أصدرت القانون الاتحادي 37 لسنة 2006 بشأن شركات الأمن الخاصة

دولة فلسطين أصدرت قرار مجلس الوزراء رقم (2) لسنة 2018م بنظام تنظيم مزاولة الخدمات الأمنية الخاصة

سوريا أصدرت المرسوم التشريعي رقم 55 للعام 2013، بشأن منح الترخيص لشركات خدمات الحماية والحراسة الخاصة،

كما أن العراق أصدر أيضا قانونا لتنظيم الشركات الأمنية الخاصة كما اصدرت دول عربية اخرى تشريعات لتنظيم الشركات الامنية.

خبير امني وقانوني

إرسال تعليق

0 تعليقات