عبدالهادي رفيق السعيدي
لم تكن فلسطين يوماً أرضاً أو وطناً لليهود أو لبني إسرائيل لا تأريخياً ولا جغرافياً ولم يرد إسم فلسطين في كتب التوراة وأسفارها والتي تعدت الثلاثين سفراً بالإضافة الى أسفار سيدنا موسى عليه السلام الخمسة الأصلية (سفر التكوين والخروج واللاويين والعدد والتثنية) وإن الرواية الجغرافية والتأريخية الموجودة في التوراة مع ذكر الأماكن وأسماء الأشخاص لا تتطابق أو تتلائم مع جغرافية فلسطين وتأريخها بأي شكل من الأشكال إنما تتطابق وتتلائم مع جغرافية وتأريخ اليمن القديم الذي يمثله تأريخ سبأ و حمير. هذا ما توصل اليه وأكده سياسيون وأساتذة وعلماء اّثار إسرائيليون أمثال السياسي الإسرائيلي إسحق هرتزوك وبروفيسور التأريخ الإسرائيلي في جامعة تل أبيب شلومو ساند وإسرائيل فلنكشتاين وهو أستاذ علم الاّثار في جامعة تل أبيب من خلال التنقيبات الاّثارية وما ورد في كتبهم وأبحاثهم وتصريحاتهم من معلومات وحقائق تاريخية تحاول الصهيونية العالمية التسترعليها بشكل أو باّخر تفادياً لوقوع كارثة تأريخية و سياسية قد تؤدي الى تغيير التأريخ الإسرائيلي والعربي برمته أو لعل من شأنها أن تتسبب في تغييرالكتب والمناهج الدراسية في المدارس العالمية والجامعات بل ربما تدعو حتى الى إعادة النظر في كتابة و تدوين تأريخ الأديان والشرائع السماوية.
يقول السياسي الإسرائيلي المعارض هرتزوك بعد تنقيبات عديدة في أرض فلسطين: (بعد سبعين عاماً من الحفريات في أرض فلسطين أستطيع أن أقول أننا لم نعثر على اي أثر مهما كان بسيطاً يدل على أي تطابق بين جغرافية التوراة وأرض فلسطين) وتعزيزاً لذلك يشير العالم الاّثاري والمؤرخ إسرائيل فلنكشتاين في كتابه الشهير المسمى "اسرائيل مكشوفة على حقيقتها" الى القول: (إننا وبعد سنوات عديدة من التنقيب لم نجد أي أثر لداود وسليمان و مملكة اسرائيل على أرض فلسطين) وفلنكشتاين هذا رجل صهيوني لكنه كان يقول أن العلم أمانة و لايمكن لي أن أقول شيئاً لا تقوله الحفريات. أما شلومو ساند فقد صرح في كتابه المثير للجدل "إختراع الشعب اليهودي" (نحاول ان نثبت فكرة أن اليهود لم يكونوا موجودين كأمة قومية من أصل عرقي مشترك بل هم مزيج من جماعات مختلفة تبنت الديانة اليهودية). وعلى صعيد اّخرتؤكد البحوث والدراسات والكتب التأريخية التي تبناها باحثون إستقصائيون ومؤرخون عرب أكفاء كالمؤرخ اللبناني كمال صليبي والمؤرخ العراقي المعروف جواد علي والباحث والمؤرخ العراقي فاضل الربيعي أن اليمن هي الموطن الأصلي للعرب من بني إسرائيل واليهود ، وهنا لابد لنا من وقفة للتمييز بين هذين المسميين ، فبنو إسرائيل هم قبيلة عربية أصيلة وليست ديانة ، وهي عرق ونسب عربي يعود الى نبي الله إبراهيم عليه السلام وأولاده والى ذرية النبي يعقوب عليه السلام وأولاده الإثنا عشر الأسباط ويعقوب باللغة العبرية هو إسرائيل و أبناءه هم بنو إسرائيل الذي يرجعون بالنسب الى جدهم الأعلى عابر ومنها جاءت تسمية اللغة العبرانية أو العبرية وهم العائلة المقدسة الموحدة لله عز وجل ، أما اليهودية فهي الشريعة التي جاء بها سيدنا موسى عليه السلام بعد بني إسرائيل بزمن ليس بالقصير وأشتق إسمها من يهوذا أحد أبناء نبي الله يعقوب وأتباع هذه الشريعة ينتسبون كذلك الى النبي هود عليه السلام. وأهل اليمن في الأصل هم عبارة عن قبائل يهودية وإسرائيلية عربية عديدة عاشت على أراضي اليمن وبين جبالها ووديانها وأسسوا لهم مماليك وأقاليم وأن مملكة سبأ العظيمة نشأت وتكونت من إتحاد قبيلة بني إسرائيل العربية التي تقطن شمال اليمن مع الحميريين اليهود الذين يقطنون جنوب اليمن للسيطرة على القبائل اليهودية المتمردة الأخرى، وقد استخدم كهنة المعابد اليهود اليمنيون رسمياً اللغة السبئية اليمنية في كتابة التوراة بينما كانت اللغة العبرية هي اللغة الدينية المتداولة بين الناس وبذلك أصبحت العبرية هي لغة أهل اليمن الأصلية والتي يتحدث بها بعض أهل القرى والجبال في اليمن الى وقتنا الحاضروفيها الكثير من مفردات اللغة العربية ، حتى إن العملة المالية المتداولة في إسرائيل اليوم وهي الشيكل كانت هي العملة القديمة لأهل اليمن . وتشير البحوث التأريخية وفقاً للسجلات الّاشورية القديمة والنقوش اليهودية اليمنية المسندية القديمة الى أن أرض كنعان أو الكنعانيين هي نفسها اليوم منطقة الجوف في وسط وجنوب اليمن ولا علاقة لها بفلسطين و أرضها ، إنها المنطقة الجغرافية التي كانت تشغلها مملكتي أوسان وقتبان اليهوديتان وهما من ممالك اليهود القديمة في تعز وحضر موت جنوب اليمن واللتان كانتا تسيطران على طرق التجارة الساحلية والبرية مما حدى بشمال اليمن المتمثل ببني إسرائيل وجنوبه المتمثل بالحميريين للإتحاد وتكوين مملكة سبأ المعروفة بغية القضاء على هاتين المملكتين الصغيرتين والحد من نفوذهما التجاري والإقتصادي المستفحل اّنذاك بعد أن كانتا تحتكران طرق التجارة المحلية والإقليمية والدولية وتحكمان السيطرة على تجارة البخور في اليمن كما تجارة النفط اليوم من حيث الأهمية بالإضافة الى تجارة الذهب والفضة وبقية الموارد الزراعية والثروة الحيوانية التي كان يتمتع بها اليمن، ومن الجدير بالذكر أن الكنعانية هي لهجة يمنية وليست قومية أو عرق. أما فيما يتعلق بالمقولة المشهورة المتداولة التي تقول أن القدس هي أورشليم فحسب رواية الأستاذ فاضل الربيعي في كتابه الشهير "القدس ليست أورشليم" أن هناك كلمة (قدش) وردت في التوراة و هي إسم لجبل في اليمن ولاعلاقة له بالقدس العربية الحالية كما إن اسم القدس لم يكن موجوداً عند كتابة التوراة في 500 ق.م وكذلك ورد وصف منطقة أورشليم في سفر المزامير على أنها منطقة جبلية شاهقة تحيط بها عدة جبال وهذا الوصف ربما ينطبق على جبال اليمن ومناطقها الجبلية الوعرة وليس في فلسطين.
ومن ضمن الروايات المزعومة أيضاً والتي إتخذتها اليهودية الصهيونية وعلى مر التأريخ ذرائعاً قوية في خداع العالم بشكل عام واليهود بشكل خاص وفقاً لما ترجمه و نقله اللاهوتيون الإستشراقيون من الأوربيين عن كتب التوراة وأسفارها هي الأرض الموعودة و هيكل سليمان ، إذ ورد في التوراة أن النبي سليمان عليه السلام أو شلمانصر في اللفظ الاّشوري قد بنى الهيكل في فلسطين والهيكل المقصود به هنا هو دار للعبادة حيث بناه من خشب الأرز الذي جلبه من مدينة صور اللبنانية بمساعدة يهود حمير في جنوب اليمن بينما أن مدينة صور ليس فيها هذا النوع من الخشب و الرواية التأريخية الأقرب للمنطق أنه قد تم جمع الخشب من وادي صيور في وسط اليمن وتم بناء الهيكل في اليمن في منطقة العُدَين وليس في فلسطين، ومن ناحية أخرى فقد تم بناء عشرات الهياكل في ذلك الوقت فأي هيكل يقصدون ولماذا يقيم اليهود اليوم طقوس البكاء والعويل على حائط صنع من حجر وليس من خشب؟ ، أما عن أرض الميعاد أو الأرض الموعودة فهذه واحدة من الأساطير الصهيونية المزعومة والإدعاءات التوراتية المزيفة التي تقول بأن الرب قد وعد إبراهيم عليه السلام ونسله أن يعطيهم أرضاً تمتد من النيل للفرات والنص التوراتي يصف هذه الأرض أنها تمتد من منطقة مصريم الى النهر الكبير و منطقة مصريم النقصود بها منطقة معين مصرن في منطقة الجوف في اليمن إلا أن الترجمة اللاهوتية الإستشراقية لها نسبتها الى جمهورية مصر العربية ونيلها ناهيك عن لا وجود أصلاً لإسم نهر الفرات في العراق في النص التوراتي.
إن قراّءة النصوص التوراتية باللغة العبرية السبئية اليمنية القديمة مع الإطلاع على النقوش والسجلات واللقى الاّثارية وتتبع التنقيبات والحفريات يوصلنا الى الحقائق التأريخية الصحيحة حتى وإن كانت صادمة و مفاجئة ومخالفة للسرديات التأريخية المسلم بها منذ عقود من الزمن والتي تعود عليها الناس و رسخت في أذهانهم لعقود من الزمن فمهمة المؤرخ هي أن يكشف التأريخ المزيف والحقائق المضللة والتي لا أصل لها أو سند تأريخي معزز بالأدلة. لقد حاولنا في هذا المقال أن ننأى بأنفسنا عن الخوض في تفاصيل و حيثيات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من الناحية السياسية والعسكرية والأمنية ، فقد كانت الغاية هي تقديم بعض الأدلة التي توصل اليها بعض الباحثين والمؤرخين والتي يبدو أنها مقنعة الى حد ما و تدحض النظرية التأريخية الزائفة والملفقة التي تقول أن لإسرائيل حق تأريخي قديم في فلسطين كما أنها تؤكد بالدليل القاطع أن فلسطين هي فعلاً أرض عربية مغتصبة سكانها الأصليون هم الفلسطينيون وهم عرب أقحاح سكنوا جنوب بلاد الشام منذ قديم الزمان في إمبراطورية عظيمة و عريقة هي الإمبراطورية الاّشورية أو الاّسورية التي حكمت العراق وبلاد الشام وأجزاء من تركيا وإيران و مصر، وهنالك تفاصيل و أحداث كثيرة جداً في هذا الموضوع تتطلب اّلاف الصفحات لكتابتها ولا يمكن حصرها هنا.
0 تعليقات