إدمان الهروب من الواقع، أخطر أنواع الإدمان

مشاهدات



الناشطة والكاتبة نداء الزعبي


في لحظة انفصال جزئي عن واقع ملموس الى واقع محسوس، نتبعه بحواسنا التي باتت لا تقوى على إنصاف الذات مما علقت به، نحاول المراوغة مرارا وتكرارا، وما كنا نعلم بأننا نخيط شباك العنكبوت بأيدينا، كنا نعتقد بأننا نبني ذاك السياج الحامي ولم ندرك بأننا وقعنا في مصيدة مراوغة الذات لجلبها للداخل في ذاك النفق الذي يمتلك كل الأسلحة التي أعدتها مسبقاً لمهاجمتك ذاتيا. 


لا تستغرب هذه تصفية الذات، أحيانا لسنا بحاجة لقضاة لمحاكمتنا، فالنفس البشرية ستصدر ذاك القرار لتصفيتك مما علق بها من ضعف أطاح بها هروباً واستسلاماً، مما جعلك تلتفت لها، كأنها أصدرت ذاك القرار، تقبلته عيناك ليس اعتراف بالذنب بل لشعورهما أنهما بحاجة للغفران، كل ما نتعرض له من عوامل خارجية أثر بداخلنا، مما أطلق صافرة الإنذار مدوية. 


إنها أولى خطوات الاستعمار الذاتي، الإلتفات لتلك الصافرة، الخوف، يعني الاستسلام وتهيئة النفس لتقبل كل ما تواجهه من ضغوطات، تبقى تلك اللمعة في تلك العيون تحدث النفس وتذكرها بكل شيء، مما ينعكس سلباً على تقبل فكرة الإطاحة بكل شي فتجدك تتبعها بكل حواسك كطفل صغير يود الهروب من كل شيء حتى نفسه، لا يريد تحمل مسؤولية ما أقدم عليه وما واجهه بحجة انه قاصر، يبدأ بتحليل كل شيء لصالحه فذاك العالم الذي يسحبه، قوة جاذبة، لن يستطيع مقاومتها ككثبان رملية تسحبك، تحولك منقاداً لا تعرف كيف، هنا تكون قد علقت والتصقت، يستيقظ العقل ويبدأ هجومه تحاول إخراسه بتخديره ولكن النفس لا زالت تعاني تحاول الانعزال، النفس ترفض، تشعر بالانهيار، قدماك لن تسمحا،، فمن اعتاد أن يرى أبعد من خطى أقدامه، لن يتقبل الثبات في مكان واحد، ستعصف بك روحك حيث تشعر بها تخرج من بين ضلوعك، ولكنك تأبى الا أن تستردها، انتزاع الروح على قيد الحياة أمر مؤلم، ستشعر بقمة الاختناق ستهرب للنوم، ستطاردك مجددا، تستيقظ مفزوع لان الروح غالية. 


أن ما نبنيه في الواقع لا ينبغي للأحلام أن تهدمه، هنا تكون قد شوهت كل العوالم المحتملة للتغيير، انت لا تملك سوى هذه العوالم الخيال والواقع وكلاهما أنت، هنا لا بد من مباغتة الذات والهجوم المطلق عليها لإعادتها لواقع ملموس واقع تم الهجوم عليه بنظرة استجابت ساحبة تلك النظرة، حينها ستتداخل كل الصور والأحداث، فالعين مخزن الذخيرة لكل ما يحدث بالداخل، ستتسلحان مجددا وتقويان على الإبصار من خلال محادثة الحدث، فعيناك سلاح، ذخيرته تلك النظرة العميقة في رسم الطريق والعودة لازالة كل العثرات، ووضع اللافتات التي لم تبصراها في المسير.


في نهاية المطاف ستعصف بك تلك الزوبعة، لا بأس مؤلمة ولكنها تجعلك تستفيق لتجد نفسك أخيراً قد عدت من سبات طويل، ولكنك تعود بقوة مضاعفة، بعقل مدرك، ستسحب روحك منك اليك مجددا ستعتني بها جيدا ولن تسمح لها بالضياع والانفصال عن الواقع لأنك أدركت فعلاً كم أخطأت بحقها وكم كنت ساذجاً عندما تخليت عن تحمل مسؤوليتها، لاعتقادك بأن تعثرك في كل مرة فاق قدرة تحملك، وما علمتَ بأنها لعثراتك كانت حافظة، فاقت قدرتها قمة تحملك، فشعرت بالضجيج لذلك حاولت الخروج منك لتلتفت اليها وتلاحقها، لعلك تسترد بعضاً مما ضاع منك، أهم نتيجة ستخرج بها، روح التحدي والصمود، فمن يستطيع تحدي ذاته وإنقاذها، إنسان عرف شاطيء الأمان، وأين يرسو؟.


القادم لا زال يستحق الإكتشاف ولا زال هناك شيء ليتمم كل شيء، فما كان الهروب يوما إلا سلاحا للبحث عن الذات

إرسال تعليق

0 تعليقات