الأديب عبدالباري المالكي
الأميرة هي شهرزاد بغداد ... تطرب الجميع بكلماتها وإن صمتت ، وتستحوذ على قلوبهم وإن سكتت ، خير نديمة للود ، وخير جليسة للسلام .
وجهها يوحي لك بعالم الطفولة وان كبرت ، وتقاسيم وجهها لاتخلو من الرجوع الى ذكريات الصغر ، فهي بحد ذاتها عالم مليء بالبراءة والنقاء ، عالم يكاد يخلو الا من امثالها .
وحين تنظر الى هذه الفتاة الصغيرة بقالبها ، الكبيرة بروحها ، تجد ما كنت تسعى اليه في شبابك ، وترى فيها ماكنت تحلم به منذ صغرك .
لايمكن وصفها الا بالأنثى فمعالمها جميعا توحي بتلك الأنوثة التي تجعل من الرجل أسيراً لنظراتها ، أسيراً لقلبها ، رغم ماتملكه من البراءة التي تغطيها من أمّ رأسها الى أخمص قدميها .
إنها حوراء ... طويلة ، مملوءة قليلاً ، أنيقة ، ذات عينين خضراوين ، ووجنتين متوردتين من صنع الله الذي أتقن كل شيء خلقه ، وشفتين نديتين هبة الرب إليها ، وحاجبين كأنهما هلالان في بداية شهر عربي ، واسعة الحدقتين ، ناعسة الأجفان ، طويلة الرموش ، ناعمة الخدين ، وأصابع رقيقة ،
وأكف ّ بيضاء ، وراحة كفّها كأنها صفحة ملساء .
شعرها ذهبي منسرح تتطاير خصلاته بين نسائم الربيع ، وكأنها سنابل القمح الصفراء حين تهزها الرياح الهادئة ، هذا الشعر بخصلاته كأنما أشعة الشمس الذهبية التي تتخلل في عيون الراغبين الى الدفء ، وكذلك هذا الشعر الأصفر البهي يتخلل الى عيون الحساد ... ومااكثرهم !
ويتخلل الى عيون النبلاء أمثالي ... وما أقلّهم !
لاتجد في هذه الفتاة الا الرقة ، ولا ترى في خلقها غير الدقة ، تعالى الله في خلقه عما يصفون .
رأيتها ذات يوم وقد آسرت قلبي رغم قوته ، وسرقت عقلي رغم حيائي ، نظرت اليها ولم يدر في خلدي ذات يوم اني سأعشقها عشق قيس الى ليلى ، بل لم يخطر ببالي انها من الممكن ان تلفت انتباهي اصلاً ، ليس لانها لاتستحق الالتفات الى جمالها الساحر ، بل لأني ذو حياء ودين ، على انه مرت بي خلال سنيّ حياتي نساء كثيرات لم انتبه لإحداهن أبداً لأنني لاأهتم لمثل هذه الأمور .
لكن القدر شاء ان يفعل مالم يكن في حسباني أصلاً .
حين كنت ألتقي بتلك الحوراء كنت أتجنب كثيراً أن تكون عيوني في عيونها وان تختلط نظراتي بنظراتها ، لا لشيء الا لأني أمام أنثى ساحرة الجمال أحاول ان أبتعد عنها ما استطعت .
وهي على الرغم من سحر جمالها ، وحلاوة طبعها إلا أن العفاف يسترها من كل جانب ، والحياء يحوطها من كل زاوية ، فلم يكن بمقدور رجل في الأرض كلها أن تتأثر هي به ، أو ان يجلب انتباهها إليه ، لأنها فتاة ليست كباقي الفتيات ، فتاة لها دين ، وعفة ، وطهارة ، وقد تربت على اصول عائلتها الكريمة دون ان تخدش صفحتهم البيضاء بخدش طوال عمرها .
ولم يدر بخلَدي ذات يوم أني سأعشقها ...
لأني لم أكن أفكر بالعشق ، ولم اكن احمِل نفسي عليه ، ورغم اني شاعر ولديّ من الرومانسية ماتكفيني ، لكني لم افكر بالعشق ذات يوم ، حتى دخلت الأميرة حياتي ، فدخلت قلبي من اوسع أبوابه واستقرت في سويدائه ، فعشقتها عشقاً لم أكن قادراً على وصفه حتى لنفسي ، وكنت عاجزاً جداً عن أن أصف لها مايخالج فؤادي من حب كبير تجاهها ، ومن شعور لم اجد مثيلاً له بين اقراني من الرجال ، ولا أقرانها من النساء .
إنه عشق فاق كل عشق ، لانها امراة فاقت كل النساء ، فلم يعد بمقدوري ان اشرح ما يجوس قلبي ولا بمقدوري ان اعرض ما ينتابني من احساس عميق لحب بدأ ولن ينتهي ذات يوم ، ولم اكن أستطيع إظهاره لأحد خوفاً عليها من عاذلاتها ، وخوفاً عليّ من أترابي من الرجال الذين لن يتركوني بلا حسدٍ لاني حصلت على هذه الجوهرة الثمينة .
والأميرة ... حسناء ذات ملبس أنيق جداً فاقت صاحباتها جميعاً في ذلك ، بل وفاقت كل الفتيات ، فكانت الأناقة قرينتها في كل يوم ملفوفة بزي العفاف والحياء ، فكانت الألوان الهادئة هي السمة السائدة في أزيائها ، فقمصانها الملونة وبنطالها هو الاخر لم تكن صارخة ابدا، فلم تتعمد ان تجذب انظار الآخرين اليها بهذه الالوان او بهذه الموضة او تلك ، لكن الانظار كلها كانت تنجذب اليها بالفطرة لِما لأناقتها أثر كبير أمامهم ، لاسيّما ... أنا .
نعم ... أنا .
والمراة الأنيقة هي التي يمكن لها ان تفرض نفسها على الجميع وذلك لان أناقة المراة شيء مكمل لها اضافة الى جمالها الفطري وعفتها وحيائها .
كنت اتابع عن كثب هذه الالوان الجميلة التي تلف جسدها الرشيق ، وكنت اشفق على نفسي كثيرا حين اراها بأناقة الأميرات ، وميس الظباء في مشيتها ، فقد كان اللون الأبيض او الأصفر يجذبانني جداً ، او اللون الرماني او البنفسجي ، كانت كلها الواناً راقية جداً هادئة وليست صارخة ، كل ذلك كان يجعلني أتابعها باستمرار وأندب نفسي التي تعلقت بها كثيراً .
لقد أحببتها حقاً ...
بل ... لقد عشقتها حد الموت او الجنون .
0 تعليقات