بغداد – بقلم علي الجنابي
(كُتِبَ النَصُّ إثرَ حُضُور مؤتَمَرٍ علميّ زائفٍ مُمِلٍّ أجوف)
عَلامَ الغُرُورُ يَاصَاحبي عَلامَ !
وَما مِن فَاعِلٍ إلّا وَضَمِنَ مِن حِبالِ خَلّاقِ المَوَاهِبِ من حَبالِها حَبله!
أفَماعَلِمتَ أنُّ الغُرور حَالِقٌ وغَالِقٌ إن أَسدَلَ دُجَى سَدلَه ؟
وَإنَّما نحنُ نرمي من مِنحٍ أكتَالَها لَنا الوَهَّابُ تقديراً بِكَيلِه .
أنا..
لَن أقرَبَ غُروراً, وَأنّى ليَ أَن أطرقَ سُبُلَهُ، فَأغرقَ في جُبِّ جَهلِه !
مَا كُنتُ لِأدنو وأرتدي ثَوبَ غُرُورٍ في رَبِيعِ عُمُرٍ, أَفَأحنو وأهتَدي إليه في وَدِيعِ كَهلِهِ ! ولِمَ التفاخر!
لا فَخرَ لِآدَميّ إِن رَمَى مِن نِبَالِ الإبدَاعِ مَا شَاءَ مِن نَبلِه , فَذاك لَبِيبٌ أُنبِتَ مَجدُهُ في قِيادَةِ شَعبٍ بِحِنكَتِهِ وَ قَولِهِ , وذاك نَجيبٌ أُخبِتَ وَجدُهُ في إبتِكارٍ رَصينٍ فكَانَ حَظُّهُ وكانَ كِفلُه, وَذاكَ فَاعِلٌ جُعِلَ عَيشُهُ في عَضُدٍ يَحرِثُ فَيَقطِفَ ثِمَارَ شَتلِه, وَذاكَ شَيخٌ أُركِسَ رغيفُهُ في مَنجَمِ فَحمٍ، فأورَثَ ضّيمَهُ شِبلَه, وَآخَرُ في فُسحَةٍ بينَ سبَابَةٍ وَإبهَامٍ ومِن رَسمِ لَوحَةٍ كَانَ دَخلَه, وَآخَرُ رِزقُهُ كَمَنَ في مُدَاعَبَةِ كُرَةٍ بِيَدِهِ, أو بِأطراف رِجلِه, بَل ويَكمَنُ في حُنجُرَةِ إمرئٍ فَتارَةً ينشِدُ بِها مِن شَدَا التُّراثِ وَطيبِ أَصلِه, وتارَةً يحشِدُ بِها آهَاتِ الغَرامِ في جَفوَتِهِ ووَصلِه .
وَلو أَنَّ إبنَ آدَم نَقَّبَ في تِرحَالٍ وَحِلِّهِ...
في البِلادِ لِيَأتيَنا بِغُلامٍ كَغلامِ (سِينا) في عِلمِهِ وَ بَذلِه, أو بِفَتىً كأبن (آينشتاين) في برمِهِ وَفَتلِه, أو بإمرئٍ كأمرئ القيس في قافيته وزجله, أو بِحُنجُرَةٍ ل(إمٍّ كَلثومَ) تُجَذِّرُ في آهاتِ النَّوى أجَلَهُ ووجلَه, وتُحَذِّرُ مِن (كَأسِ الفراقِ المُرِّ) وثَملِه, أو بِلاعِبِ كرَةٍ جَعَلَ إسوَارَهُ من لؤلؤٍ ومن الماسِ حجلَه, لَمَا إسطَاعُوا سَبيلاً ولَو أُلهِمُوا جدَّ السَّعي قُرُوناً وَغَادَرُوا هَزلَه .
فكُلٌّ مُسَيَّرٌ في رفضِ شَائِكَةٍ وفي نَفضِ فِعلِهِ ..
وكُلٌّ مُخَيَّرٌ في حِفظِ حِياكَةٍ وفي نَقضِ غَزلِهِ .
وكُلٌّ رَفسَةٍ وكُلُّ فَطسَةٍ هي عَطسَة قَدَرٍ تَتَفَيَّأُ أنوَارَ (كُن) وظِلِّه.
رُفِعَ القَلَمُ ! رُفِعَ القَلَمُ ! رُفِعَ القَلَمُ يا أنت!
فَعَلامَ الغُرُور عَلامَ؟
وَعَلامَ تَبجيلُ لجدٍّ رَمِيمٍ تَفَاخراً, وبأثارَتِهِ على ظَهرِها تَتَبَختَر !
وعَلامَ تَدميرُ لنِدٍّ بِدرهَم تستَملِكُه لأجَلٍّ مُسَمىً ومِن كَثرَتِه تَتجَبَّر !
وعَلامَ تَحقِيرُ لضِدٍّ بِرِداءٍ تَستَهلِكُه مَا كُنتَ مُبدِعَ نَسجِهِ بَل بِهِ سوفَ تُقبَر !
وعَلامَ تَصعِيرُ لخَدٍّ بِمَركَبَة تَستَقِلُّها ما كُنتَ مُهَندِسَ مُحَرِّكها وبِها تَتَحَبَر!
إنَّ الذي نَسَجَ وَهَندَسَ لَن يَفعَلها بأنَّ سُنبُلَتَهُ مَلأى فَانحَنَت بِتَواضِعٍ أكثَر، وَسُنبُلَتَكَ جَوفَا فَشَمَخَت كَعِجلٍ أعوَرٍ أبتَر!
فهَلّا إغتَرَرتَ عَلينا بِشَهِيقِكَ والزَّفير وبِهما يا صاح تَتَكَبَر؟
لا عليكَ, فغُروركَ لاضررَ فيهِ ولا ضرار, وإنَّما هو كتَنَططِ عِجلِنا الأعورِ الأسمَر, وإنَّ لَأشَدّ الغَرورِ نَكَالاً ذَاكَ الّذِي تَسلّقَ كَتفَ ذِي عمَامَةٍ فَظَنَّ أنَّ سِدرَةَ المُنتَهى هيَ المَوضِعُ الذي أولَدَهُ, وأنَّ القدُّوسَ خَصَّهُ مِن لَدُنّه بِوِسامٍ فَأقلَدَهُ, وألّا مَنجَأ ولا مَلجَأ إلّا بِوجهَةٍ شَطرَ مُعتَقَدِه, وأنَّ بِيَدِهِ صكوكُ مَغفِرَةٍ وَأنَّهُ مُنِحَ مَفاتِح الفِردَوس وَحدُه ...
فَمَا أَحمَقَه ! وَماأغفَلَ مَن إتَّبَعَهُ ! وَما أَبلَدَه !
ولكن مهلاً عليَّ..
إن لَقِيَكَ مَغرُورٌ يَاصَاحبي , فَلا تَقسُ عَليِهِ لأنَّ الرِفقَ بالحَيوَانِ كانَ أمراً من الرَّحمنِ مَقضِيَّاً أنزَلَهُ فَأخلَدَه .
فسَلامُ لِذِي جاهٍ تَهَلّلَ بَشَاشَةً، وَسَلامُ على التّوَاضِعِ وأَهلِهِ , فَلولاهُ لَمَا تَكَلّلَ إِرثُ عِلمٍ وَنَهَلَ النَّاهِلونَ مِن نَهلَهِ, وَلَما تَذَلّلَ صَهيلُ فَهمٍ ويَا لِبَهيجِ صَهلِه , وَلولاهُ لَمَا تَظَلّلَ أَفيَاءَهُ تِلمِيذٌ فَتَدَللَ مُستَطعِمَاً ثِمَارَ سَهلِه!
***********
0 تعليقات