نزار العوصجي
عندما نستقرأ الاحداث المحيطة بالعراق والمنطقة بشكل عام ، نجد ان الاندفاع المحموم في انفتاح التنين الصيني على الشرق ، يمثل مشروع من نوع جديد ، يبدوا في ظاهره انه تعاون اقتصادي ، إما في باطنه فهو التحكم بمقدرات الدول ، والسيطرة على المناطق الحيوية فيها ، و من ثم نشر قواعده العسكرية الحديثة ، التي يمكن التحكم بها عن بعد ، دون الحاجة الى تواجد بشري يلفت الانتباه ، وهذا لن يحصل بين ليلة وضحاها كما يطمع ملالي إيران ..
وعندما نقرأ بتمعن تاريخ الصين ، نجد انها ليست بالوداعة التي يحاول البعض اظهارها لنا ، فتجربة هون كونج وتايوان وماليزيا وفيتنام لازالت شاهدة على سلوكها المتزمت ، فلقد اثبتت الايام ان اليوان الذي تدفعه الصين باليد اليمين ، لابد ان تحصل بالمقابل على فوائد اكثر منه ، فتاخذ باليسار ثلاثة اضعاف ماقدمته ان لم يكن اكثر ، بالاضافة الى السيطرة على الدول التي تدخل معها في تعاقدات واتفاقيات ، يشوبها الغموض في اغلب فقراتها ومفاصلها ، وفقاً لمصالح الصين قبل غيرها ، وبما لا يعرض مصالحها للخطر ..
في الجانب الاخر تحاول إيران بالدهاء المعروف عنها أن تتخذ من الاتفاقية مع الصين غطاءاً لها ، ودرعاً يقيها من خطر نشوب أي مواجهة عسكرية محتملة ، يمكن ان تحدث مع أميركا وإسرائيل باسناد من دول الخليج العربي ، لما تمتلكه الصين من تقنيات عسكرية متطورة ، حيث سرح الملالي بخيالهم الواسع الذي صور لهم انهم سيجعلون الصين تسخر قوتها العسكرية والتقنية للدفاع عن نظامهم في قم وطهران ، وذلك اشبه بالمستحيل ، ان لم يكن المستحيل بعينه ، لما تعانيه إيران من اقتصاد متدهور غير قادر على دفع فاتورة الحساب ، التي ستكون ثقيلة جداً بكل تأكيد ..
كما أن ملالي طهران وقد تغافلوا عن أمر آخر هو في غاية الأهمية ، ألا وهو قدرات إسرائيل التقنية ، فهذه القدرات تفوق قدرات النظام الإيراني بعشرات المرات ، ولا وجه هناك للمقارنه بين هؤلاء وأولئك ، لذا فان اسرائيل ليست بحاجة الى الدخول في حرب تقليدية مع النظام الإيراني ، بل انها ستستخدم امكانيتها التكنولوجية في استهداف المواقع المهمة ، والتي تشكل عصب القوة لبرامج إيران النووية والصاروخية المثيرة للجدل ، وان التفجير الذي حدث يوم ألاحد الموافق 2021/4/11 في منشأة نطنز الإيرانية النووية خير دليل على ذلك ، ( آللهم أضرب الظالمين بالظالمين ) ..
هنا يأتي السؤال الذي يطرح نفسه ، هل أن الصين مستعدة لخوض حرب ضد أمريكا واسرائيل نيابة عن إيران ، دون ان يحدد زمن سداد فاتورتها ؟؟
بصيغة أخرى ، هل أن الصين مستعدة للتضحية بإمكانياتها المتطورة في سبيل الدفاع عن إيران لوجه الله تعالى ؟؟
لو افترضنا ان الجواب نعم ، فمقابل ماذا ؟؟
ان كان ذلك لأجل النفط ، فبامكان الصين الحصول على الطاقة بالطرق التقليدية المتعارف عليها ، بالاضافة الى ماحققته من تقدم تكنولوجي يساهم بشكل فاعل في تخفيض حجم الطلب على النفط ، واستغلال الطاقة الشمسية المجانية ، التي لا تنضب ..
وان كان لأجل الحصول على موطئ قدم ، في أطار الصراع الإقليمي والدولي المحموم ، فالصين قد حصلت لنفسها على سيطرة فريدة من نوعها في افغانستان المجاورة لإيران ..
علينا هنا ايضا أن نستذكر حقيقة مهمة ( بل هي الأهم فيما يجري ) والتي يجب ان لاتغيب عن البال ، في أسس المبدأ السياسي الذي تقوم عليه التحالفات والمعاهدات بين الدول ، ألا وهو ، "المصالح وحسابات الربح والخسارة في العلاقات والصراعات الدولية التي تؤثر في هذه المصالح" وعلى هذا الأساس يجب أن لا تتوهم ايران حيال موقف الصين ، وامكانية الدفاع عنها امام أي ضربة أمريكية أو اسرائيلية عسكرية ، فحسابات الربح والخسارة هنا تميل إلى كفة ( غض النظر عن أي ضربة مثل هذه ) ، لان خسارة الصين ستكون اكثر بكثير فيما لو حاولت الوقوف مع إيران بوجه قوة مثل قوة ( الحلف الأمريكي الإسرائيلي ) ، والامثلة على مثل هذه المواقف والحسابات كثيرة ، وليست المعاهدة الروسية العراقية منا ببعيدة ، ولا المعاهدة العراقية السوڤياتية قبلها ، ففي الحالتين وقف الاتحاد السوڤيتي ( ميخائيل غورباتشوڤ ) موقف المتفرج أمام الضربات الأمريكية على العراق عام 1991 ، وتكرر الأمر عندما أدارت ( روسيا پوتين ) وجهها عن الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 ، على الرغم من حجم التبادل التجاري الكبير بين البلدين ، والامتيازات الإقتصادية المطلقة والواسعة التي أعطيت إلى الروس لضمان وقوفهم مع العراق في الساحة الدولية ، ومع ذلك لم يفعلوا شيئا وتركوا العراق وحيداً أمام أعدائه ..
وبغض النظر عن سلبية هذه المواقف بالنسبة للعراق ، فالروس في الحالتين اتخذوا القرار الذي يجنبهم الضرر لمصالحهم على حساب مصالح العراق ، هكذا تقول المباديء السياسية ، وهذه هي حسابات المصالح في السياسة الدولية ..
وعلينا هنا أن نذكر معلومتين اقتصاديتين ، لتأكيد ما نقوله حول معادلات وحسابات الربح والخسارة في العلاقات الدولية ..
حجم التبادل التجاري بين الصين واسرائيل بلغ في عام 2020 حوالي ( 12 مليار دولار ) .. وحجم التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة في عام 2020 بلغ ( 512 مليار دولار ) ..
هذا فقط حجم المصالح الإقتصادية الموجودة بين هذه الأطراف الثلاثة ، بدون حساب المصالح المتبادلة الكثيرة الاخرى ، وخصوصا الجيوسياسية ومناطق النفوذ والتحالفات الدولية ..
من هذا كله نخلص إلى الحقيقة الواضحة التي تقول ؛ لم يتبقى لنظام الملالي ما يمكنه من المضي والاستمرار في اعتماد اوهام التوسع الإقليمي ، التي تدور في خيالهم المريض ، والأخذ بها على انها حقيقة ، وإنهم إن لم يرضخوا لشروط المجتمع الدولي ، وعلى رأسه الولايات المتحدة في التخلي عن هذه المخططات التوسعية والاقليمية ، ونبذ دعمهم للإرهاب ، فان نهاية نظامهم ستكون هي المصير والنتيجة الحتمية ، عاجلاََ ام آجلاََ ...
وإن غداً لناظره لقريب ...
0 تعليقات