العدالة في المجتمع الرأسمالي

مشاهدات



عمر سعد سلمان 


من الصعب قبول الفرضية القائلة بأن الحرية تتراجع مع انتشار المساواة، أي مع السيطرة على مصادر وأساليب الإنتاج، على سبيل المثال. ربما يكون صحيحاً وجود علاقة عكسية بين المساواة وبين استخدام والتحكم بالملكية الموجود في التنظيم الاجتماعي للرأسمالية، ولكن لا يجوز ان نعتبر هذه الأخيرة (الحرية) ببساطة. 

لم اتحدث هنا عن الخسارة التي لا يمكن حتى قياس حجمها عندما يتم تحويل الشخص الى أداة للإنتاج، عندما (لا يمتلك فرصة لممارسة ما يدركه او لتجريب ابداعه)، (ولذا، بشكل طبيعي، يخسر هذه القوى ويتحول الى شخص جاهل وغبي الى اقصى حد)، ويسقط عقله في الغباء الكسول، والذي في مجتمع متحضر، يبدو انه يخدر القدرات العقلية لكل الطبقات الدنيا من الناس، ما هو حجم الخسارة في الكفاءة والإنتاجية الاجتماعية الناتجة عن هذا الغباء المقحم؟ ما معنى القول بأن الانسان المقود نحو الغباء الكسول في ظروف العمل هذه ما زال حراً؟ 

عندما نسأل أنفسنا ما هو المجتمع العادل واللائق، سنصطدم بحدوس متناقضة ومعايير غير دقيقة لم تصغ بوضوح، وبأسئلة مهمة عن الواقع. إذا اعتمدنا على بعض الحدوس وتجاهلنا البقية، ربما ننجو من التعقيد والاشكاليات، ولكن سننتهي الى تجربة منطقية لا أكثر، تجربة ليست مثيرة جداً. هناك امثلة جيدة عن مخاطر هذه الطريقة في بعض النقاشات المعاصرة. على سبيل المثال، (نظرية العدالة تبعاً للاستحقاق) التي تتمتع ببعض الشعبية اليوم. بحسب هذه النظرية، للإنسان الحق فيما يملك ان ملك ذلك بأساليب عادلة. إذا حصل الانسان على ملكية ما بالحظ او العمل او العبقرية، فيستحق الاحتفاظ بها او التخلي عنها كما يريد، والمجتمع العادل لن ينتهك هذا الحق. يستطيع المرء بسهولة ان يرى نتائج هذا المبدأ. من المحتمل ان يملك شخص ما بأساليب شرعية الحاجات الأساسية للحياة، وقد يكون الحظ الى جانبه، مضافاً اليه ترتيبات وعقود (وقعت بحرية) تحت ضغط الحاجة. الآخرون احرار في ان يبيعوا عملهم له كعبيد، ان قبل بهم. والا، فهم احرار ان أرادوا الهلاك. دون أية أسئلة أخرى، المجتمع عادل في هذه الحالة تبعاً للنظرية. 

لهذه الحجة القوة نفسها التي تتمتع بها الحجة القائلة ان 2+2=5. عندما نواجه مثل هذه الحجة، ربما نشعر بالحاجة الى البحث عن مصدر الخطأ في التفكير او في الفرضيات غير الصحيحة. او ربما نتجاهل مثل هذه الحجج ونلتفت لأمور أكثر أهمية. في المجالات التي تشتمل على أسئلة فكرية حقيقية كالرياضيات، ربما كان من المشوق ان نجيب عن مثل هذه الأسئلة، وفي الماضي اثبتت هذه المحاولة انها مثمرة. في مجالات المجتمع والحياة البشرية، محاولة الإجابة تبدو غير مفيدة. افترض اننا حددنا مفهوماً ما للمجتمع العادل ثم فشل هذا المفهوم في شرح ان الحالة التي قدمناها أعلاه لا تمت للعدالة بصلة. لدينا أحد نتيجتين هنا: نستطيع الاستنتاج ببساطة ان المفهوم لا يهمنا كفكرة توجهنا في العمل او في البحث، بما انها تخفق عند تطبيقها حتى على حالة رئيسية وبسيطة كهذه. او ربما نستنتج ان المفهوم غير مقبول لفشله في ان يطابق الفكرة ما قبل النظرية عن العدالة التي يحاول ان يعرفها. ان كان مفهومنا الاولي عن العدالة واضحاً بما يكفي كي نرفض الترتيب الاجتماعي الموصوف وكي ننعته بغير العادل، فسيكون جل اهتمامنا منصباً على شرح كيف تقول النظرية ان هذا الترتيب عادل عن طريق قياس الخلف، وبالتالي تكون النظرية بعيدة تماماً عن الدقة. بينما تتطابق مع بعض الحدوس حول ماهية العدالة، تفشل النظرية تماماً في علاقتها مع حدوس أخرى. 

السؤال الحقيقي الذي يجب طرحه حول النظريات التي تفشل بشكل كامل في الاقتراب من مفهوم العدالة بمعناها المهم والاولي هو لماذا تثير مثل هذه النظريات كل هذا الاهتمام. لم لا يتم التخلي عنها بعد هذا الفشل الفاقع في حالات بسيطة ومباشرة؟ يكمن الجواب، ربما جزئياً، فيما قاله ادوارد جرينبيرج في النقاشات الدائرة حول نظرية العدالة تبعاً للاستحقاق. بعد ان يراجع بعض العيوب المفهومية والواقعية، يلخص الى ان مثل هذه الاعمال تلعب دوراً مهماً في عملية لوم الضحايا، وفي حماية الملكية من هجمات المساواتيين الذين ينتمون الى جماعات مختلفة من غير الملاك. أي دفاع عن أصحاب النفوذ والسلطة والاستغلال سيرحب به، بغض النظر عن قيمته الفكرية. 

هذه الأمور ليست بعديمة الأهمية للفقراء والمضطهدين هنا وفي امكنة أخرى. لقد فقدت اشكال التحكم بالمجتمع قوتها في زمن الركود بعد ان كانت فعالة أيام النمو الاقتصادي. الأفكار التي يتداولها رواد النادي الحاكم والمدراء من ذوي البدلات الرسمية قد تتحول الى أدوات أيديولوجية تستخدم للتشويش ولشيطنة الآخرين. أكثر من ذلك، من الصعوبة بمكان، اليوم في سنة 2021، انكار ان قوة الدولة الامريكية قد وظفت بشكل ضخم لفرض اشكال اجتماعية رأسمالية ومبادئ أيديولوجية رأسمالية على ضحايا قاموا ورفضوا هذه الاشكال في كل انحاء العالم. قد يختار الأكاديميون الايديولوجيون والمعلقون السياسيون في الاعلام تأويل الاحداث بطريقة مغايرة ولكن صحافة الاعمال أكثر دقة في ملاحظتها ان النظام العالمي المستقر المتوالي للأعمال، وبنية الاقتصاد العالمي الذي انتعشت في ظله الشركات الامريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، اعتمدت على عنف الدولة المنظم: (مهما كان التطور سلبياً في بعض الأحيان، فالمظلة الامريكية كانت دوماً موجودة لاحتواء الامر)، بالرغم من انهم يخشون ان الأمور ستتغير بعد حرب فيتنام.

إرسال تعليق

0 تعليقات