الاتفاق الصيني الإيراني بين الحتمية التاريخية وبين ولاية الفقيه؟

مشاهدات




بقلم: الكاتب والباحث السياسي

الدكتور: أنمار نزار الدروبي


مقدمة:


بلا شك أن صعود الصين كقوة اقتصادية عالمية، استطاعت أن تلعب دورا مهما في إطار نظام دولي متعدد الأقطاب اقتصاديا. حيث تعتبر الصين الشريك التجاري الأهم والأعظم نفوذا وتأثيرا لكثير من الدول والمناطق حول العالم فهي الشريك التجاري الأول للقارة الإفريقية التي يمكن وصفها بأنها (القارة الكنز) بالنسبة للاقتصاد العالمي، وكذلك منطقة الآسيان التي تراهن السياسة الأمريكية على أنها ستكون القوة الاقتصادية الرئيسية المحركة للاقتصاد العالمي في القرن الحادي والعشرين، كما أصبحت الشريك التجاري الثاني لأمريكا اللاتينية التي تعدّها الولايات المتحدة منذ القرن التاسع عشر حديقتها الخلفية، ويعزز من هذه المكانة الدولية التي باتت تحظي بها الصين، تقدمها سريعا لتصبح واحدة من أهم الدول التي تعد مصدرا للاستثمارات الخارجية المباشرة. في ضوء ما تقدم يمكن القول إن النظام السياسي الدولي يمر بمرحلة انتقالية نحو التعددية القطبية اقتصاديا، حيث تتسم هذه المرحلة ببروز الولايات المتحدة الأمريكية كقطب وحيد في النظام السياسي الدولي بسبب احتكارها للقوة العسكرية وامتلاكها الإرادة في حسم النزاعات السياسية الدولية. وهكذا تتعدد وتتنوع التحديات التي تواجه النظام الدولي في مرحلته الراهنة. حيث انعكس ذلك الأمر على رؤية الاتجاهات النظرية للتغير أو التطور في النظام الدولي. فثمة اتجاه معارض لفكرة تأسس نظام دولي جديد وهو اتجاه يوجد أساسا في بلاد العالم الثالث. أما في الولايات المتحدة فيتجه الفكر إلى الأخذ باتجاه أحادي يضع الولايات المتحدة منفردة على رأس النظام الدولي. ويرى اتجاه ثالث أن بنية النظام الدولي لم تتغير، أي أنه ظل ثنائيا ولكنه تغير من ثنائية الشرق الاشتراكي والغرب الرأسمالي إلى ثنائية الشمال المتقدم والجنوب المتخلف.

وبعد: لاشك أن المنفعة والمصالح الاقتصادية  (البراغماتية) بين الدول أبدى وأهم من المصالح الأيديولوجية والاختلافات العقائدية، فالتناقض الموجود بين الصين وإيران يتجلى في الفرق الشاسع بين المدرستين، المدرسة الصينية الشيوعية الثورية التي عرفت بأيديولوجيتها الماركسية اللينينية واستراتيجيتها العسكرية الخاصة التي أطلق عليها (بالماوية) نسبة إلى مؤسسها (ماوتسي تونغ) وتستند هذه المدرسة إلى أفكار ماركس وانجلز ولينين وستالين، بيد أن أفكار ما وتسي تونغ تمثل تطورا خلاقا للماركسية اللينينية، أو بالمعنى الفلسفي الدقيق، هي التطور الثالث للماركسية بطورها اللينيني أي أنها امتداد نظري ومعرفي للماركسية اللينينية عبر أطروحات وإسهامات الرئيس ماوتسي تونغ.

وهنا التناقض يفرض نفسه من خلال (الديالكتيك الهيغلي) وهو مصطلح جمعي لحركات فلسفية عن أعمال الفيلسوف الألماني (جورج هيغل) الذي يؤكد على ملاحظة" أن التناقضات في الظواهر المادية يمكن حلها من خلال تحليلها وتوليف حل مع الاحتفاظ بجوهرها. افترض ماركس أن الحل الأكثر فعالية للمشاكل التي تسببها الظواهر المتناقضة المذكورة هو معالجة وإعادة ترتيب الأنظمة الاجتماعية من الجذور".


وبناء عليه:


1. كيف إذن تلتقي الأيديولوجية الماوية مع مدرسة الإسلام السياسي الشيعي والعقيدة الخمينية المتمثلة بنظرية (ولاية الفقيه)؟ لأن هذه النظرية في غفلة ذهنية وبعيدة جدا عن النضج الاجتماعي واليقظة السياسية الشعبية.


2. هل أصبحت ولاية الفقيه وآيات الله في إيران مقلدين لماركس ولينين وتروتسكي وستالين، مع أن الحقيقة الغائبة عن الوعي الفكري، هي أن الخميني وخامنئي من ألد أعداء الأيديولوجيات. فمشكلة عمائم إيران هي إقامة دولة في مجتمع متخلف؟


3. ويأتي الاختلاف في التقارب الصيني الإيراني واضحا، فهناك فجوة تباين كبيرة بين الصين وإيران بشأن التوجه السياسي والثقافي والاجتماعي والأيديولوجي، ومستوى التنمية الاقتصادية لكلا منهما، فهناك مجتمع اشتراكي نام متطور، وعلى الجانب الاخر هناك مجتمع يعيش في أجواء قومية متعصبة وطائفية متخلفة واقتصاد متدهور نتيجة لسياسات الملالي. وإذا ما عدنا قليلا إلى التاريخ، كانت الشيوعية تسعى إلى التعاون مع الرأسمالية الأوروبية ضد الخطر الشيوعي الصيني. وعليه فإن هذا الاتفاق صاغته عقول العمائم المجردة من الدين والعلم في طهران وقم، تلك العقول المصابة بداء الحقد والضغينة والتآمر على الأمتين العربية والإسلامية.


ورغم أن التورط الخارجي للخميني كان هو الشعار الدائم لمرحلة ما بعد شاه إيران، بمعنى أن الخميني سعى إلى خلق منطقة إقليمية ذو بعد طائفي متخلف، بينما شعارا الماوية أنطلق لإشعار الثورة الثقافية الكبرى وتحديدا عام 1966. إذن في كل الأحوال ما نشاهده الآن في هذه الاتفاقية يدخل ضمن الجدل التاريخي لهذه المدرستين. وقد يرى بعض أصحاب الفكر أن ذهاب إيران إلى الصين هو بمثابة هروب إيراني من الطوق الأمريكي، وهذا بحد ذاته (أكذوبة تكتيكية)، وإن التحليل السياسي وفق هذا المنطق بعيد جدا عن الواقع، لأن العلاقة بين البيت الأبيض في واشنطن وبين طهران، علاقة متينة منذ عقود ولها (قدسية دراماتيكيّة) خاصة بعيدة عن السخرية والسفاهة الإعلامية وقد تطرقنا لهذا الموضوع في عدة مقالات سابقة. وإنما ذهاب إيران إلى الصين قد يكون العصا التي يتوكأ عليها ملالي طهران وقم.


فقط أريد التنويه إلى حقيقة مهمة جدا مفادها وهي (إن حدود إيران وإسرائيل نهر الفرات، غربه لإسرائيل وشرقه لإيران، وهذا المخطط الاستراتيجي حاليا يتحقق في العراق والشام).


وفيما يخص هذه الاتفاقية الملتبسة، وما هي انعكاساتها وتداعياتها على:


أولا. الموقف الغربي (الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الاوروبي).

تعد الصين من أكثر الدول حرصا على إنجاح مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني، وظهر ذلك من خلال المقترحات التي قدمتها بكين والتي تتعلق باتفاق (5+1) والذي يقوم على التنازل المتبادل بين أطراف الاتفاق لإنجاحه، وذلك لكون الصين ستكون الأكثر استفادة من إنجاز الاتفاق سواء على الصعيد السياسي والاقتصادي.


ثانيا. العلاقات الروسية الصينية.

 تشهدت العلاقات الروسية الصينية تقاربات، وذلك بحسب تحقق مصالح الطرفين او تباعدها، اضافة الى الوضع الجيوسياسي، اذ ان هناك عوامل مؤثرة اخرى تجعل بناء علاقات حسن الجوار والتعاون المتبادل امرا ضروريا، فالقوى البشرية والقدرات العسكرية التي يمتلكها هاتان البلدان والتأثير في منطقتهما وخارجها، كل ذلك يجعل موضوع العلاقات الروسية الايرانية مسالة مهمة على الصعيد الدولي. وعليه ستدخل العلاقات الروسية الصينية بعد هذه الاتفاقية منعطفا جديدا.

 

ثالثا. العلاقات العربية الصينية

 تتميز العلاقات العربية الصينية بأنها علاقات قائمة على الود، والتعاون منذ القدم، حيث تتميز هذه العلاقات بخلو الرواسب والأحقاد الاستعمارية، فالصين لا تملك مشاريع عدوانية تجاه العرب. في السياق ذاته تعتبر المنطقة العربية محور اهتمام في الاستراتيجية الصينية، ومع ذلك، فأن دول المنطقة من جانبها لم تنظر إلى الصين كلاعب دولي يجب الاعتماد عليه، فقد ظل الدور يقتصر على التبادلات التجارية محدودا، لكن مع هذا التطور على مستوى العلاقات الدولية (التقارب الصيني الإيراني)، سوف تتجه أنظار صانع القرار السياسي العربي للبحث عن اتفاقيات لها ثقلها السياسي إضافة إلى قوتها الاقتصادية مع أقطاب كبرى أخرى تكون المنافس لتلك القوة الجديدة.


على كل حال فإن كل هذه الاتفاقيات والعلاقات الودية والتقارب بين الصين وإيران، لا تغير من القدر التاريخي أو المسيرة التكاملية للتاريخ الصيني والتاريخ الإيراني على أساس الصراع الجدلي ما بين اشتراكية ماو تسي تونغ وبين راديكالية الخميني.

 


إرسال تعليق

0 تعليقات