الموقف الأوروبي والإقليمي اتجاه إنشاء إقليم سُني بالعراق؟

مشاهدات



الكاتب والباحث السياسي

الدكتور: أنمار نزار الدروبي


إن مشكلة العملاء سواء ما يسمى بعملاء الخارج أو الداخل، فلا فرق بينهما، أنهم يعلمون علم اليقين سيأتي يوم ويتم التخلي عنهم من قبل أسيادهم بعد أن تُستنفذ قدراتهم، أو قد يظهر بدلاء عنهم يمكن أن تستفاد منهم القوى الاستعمارية وتحديدا (العم سام وأبو ناجي) بشكل أكبر وأفضل. فهذه سُنة العملاء والخونة والتاريخ خير شاهد على كثير منهم، فبعد سنين من تقديم العميل خدماته الجليلة لأسياده يتحول في يوم وليلة إلى (عميل متقاعد أو خائن متقاعد). فعلى سبيل المثال لا الحصر قضية تقسيم العراق ومن يحاول استغلال هذا الموضوع الشائك بحجة الدفاع عن أهل السُنة، بدليل فإن أصحاب الإقليم السُني أصبحوا اليوم مليارديرات وصدعوا رؤوسنا إعلاميا (بالمعتقلين، المغيبين، المهجرين، النازحين) لكنهم في الحقيقة كانوا ومازالوا وسيستمرون باستغلال كل مشاكل ومآسي أهل المحافظات الغربية لتحقيق مصالحهم الشخصية.       

1.الجانب الأوروبي:

حينما يشار إلى السياسة الأوروبية في العراق ومدى تأثيرها وتأثرها في الوضع العام، فبلا شك أن الأوروبيين قد أخفقوا في إيجاد الوسائل وآليات القرار الّتي تمكنهم من البروز كلاعب فعال ومؤثر في العراق، حيث سعى الاتحاد الأوروبي في اتباع سياسة الانفتاح مع العراق لكنه لم يجد سبل التعامل الملائمة بسبب هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية والتوغل الإيراني. لكن الاهتمام الأوروبي بدأ يتجدد في العراق مرة أخرى بعد عام 2014، عندما امتد تنظيم داعش بشكل كبير بالأراضي العراقية، وشكلت الولايات المتحدة حينها تحالفا دوليا كبيرا لمكافحة هذا التنظيم الإرهابي، لكن دول الاتحاد الأوروبي كانت مشاركتهم العسكرية في العراق رمزية من حيث عدد جنودها وقطعاتها العسكرية، وهذا بحد ذاته يمثل إيذانا بعودة الدول الرئيسية والمهمة في الاتحاد الأوروبي إلى العراق. من هنا تأتي خطورة الدعوات التي تقودها بعض الأحزاب العراقية والميليشيات العراقية وبدفع من إيران، لإخراج القوات الأجنبية من العراق، لأن ذلك الخروج سيكون ضامنا لعودة العراق مرة أخرى إلى مرحلة التجاهل الأوروبي له، كما كان عليه الحال منذ 2003 وحتى 2014. مع العرض لا بد لنا أن نشير هنا إلى الزيارة الأخيرة للسيد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى بعض دول الاتحاد الأوروبي من بينها فرنسا وألمانيا. وبلا شك فلن تكون مواقف الاتحاد الأوروبي بعيدة كثيرا عن موقف الولايات المتحدة الأمريكية في حالة تقسيم العراق، حيث يبدو واضحا للأوروبيين أن السياسة الأمريكية بشأن سورية ربما لم تكن بالمستوى المطلوب.

ومن هذا المنطلق، وتحديدا (جيوسياسيا) سيواجه مشروع تقسيم العراق رفضا أوروبيا على غرار ردود الأفعال السلبية من قبل الدول الغربية في قضية استفتاء إقليم كردستان، حيث تمثل ذلك الرفض، في تحذير وزير الخارجية الألماني سيجمار جابرييل من تبعات استقلال كردستان، واعتبره خطوة غير صحيحة ممكن أن تؤدي إلى تردي الأوضاع في بغداد وأربيل معا، وقد عبرت ألمانيا في وقتها عن قلقها بشأن خطط إقليم كردستان لإجراء استفتاء على الاستقلال، لكونها قد تؤجج التوتر في المنطقة.

2. الموقف الإقليمي:

انعكس الوضع الهش في العراق بشكل كبير على مواقف دول الإقليم وتحديدا تركيا وإيران، ولم يعد ثمة شك في أن العراق أصبح لدول مثل تركيا وإيران إحدى أهم ساحات تجلي التوازن الإقليمي، وواحدة من أبرز معايير قياس الموقف الأميركي في العراق. فإيران وكما هو معروف تهيمن على العراق منذ عام 2003، وهي من تضع السياسة العامة للبلد بعد تخلي الولايات المتحدة تدريجيا عن العراق في عهد الرئيس أوباما ضمن إطار الاتفاق النووي 5+1 مع إيران. في الجانب الآخر فإن التدخل التركي بالعراق يشير إلى تواجد القوات التركية في مناطق شمال العراق في منطقة بعشيقة منذ سنة 2015، وقد بررت الحكومة التركية أن هذه القوات موجودة لتدريب قوات البيشمركة الكردية، من جانبها اعتبرت الحكومة العراقية أن هذا اعتداء صارخ على سيادة العراق من قبل تركيا، حيث أشارت بعض المصادر إلى وجود(120-150) جندي تركي مدعومين بما يقارب 40 دبابة، وهذا ما اعتبرته عدة جهات سياسية عراقية انتهاك صارخ لسيادة العراق، وذلك بوجود كل هذه القوات بدون إذن رسمي من حكومة بغداد.

وفي يوم 12 ديسمبر 2015 قام العراق بتقديم مذكرة احتجاج رسمية إلى مجلس الأمن الدولي على تواجد القوات المسلحة التركية قرب مدينة الموصل شمال العراق، وقد قال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في حينها "أن وجود هذه القوات يمثل انتهاك لسيادة العراق على أراضيه من قبل تركيا"، بينما كان رد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن هذه القوات موجودة ضمن اتفاق مسبق وقال "بأنه لن يقبل سحب القوات التركية من العراق". لكن حكومة كردستان صرحت حينها بأن الإقليم غير مسؤول عن وجود هذه القوات وأنهم لا يسمحون بانتهاك سيادة العراق من قبل أي دولة. وشهدت العاصمة العراقية بغداد حينها مظاهرات واحتجاجا واسعا على التدخل التركي في شمال العراق. في السياق ذاته لا بد الإشارة إلى قضية وجود حزب العمال الكردستاني (PKK ) في شمال العراق، فهو عامل مهم في قضية التدخل التركي بالعراق. فمنذ نشأت الحزب في أواخر السبعينيات من القرن الماضي كان وما يزال شوكة في خاصرة كل الحكومات التركية المتعاقبة. فقد شن الحزب، الذي نشأ في بدايته بأيديولوجية ماركسية لينينية، صراعا مسلحا ضد الحكومة التركية منذ عام 1984 وذلك في إطار مساعيه للحصول على دولة مستقلة للأكراد في تركيا.

ووفقا لما تقدم، يمكن أن يكون هناك تعارضا أو تناقضا بالموقفين التركي والإيراني من قضية تقسيم العراق وتحديدا إنشاء إقليم سُني، يختلف عن موقفهما الموحد في قضية استفتاء كردستان، حيث هددت تركيا وإيران باتخاذ إجراءات لم تحددها ضد إقليم كردستان العراق، إذا مضت سلطات الإقليم في إجراء الاستفتاء على إعلان الانفصال عن العراق في حينها. أما في حالة قيام إقليم ذو أيديولوجية معينة (إقليم سُني)، فهذا مفيد لتركيا، خاصة إذا ما ضم هذا الإقليم محافظة نينوى المحاذية للحدود التركية، من هنا سيسعى الأتراك لمساندة هذا التقسيم من خلال تقديم المساعدات اللوجستية له وإمكانية نشر قوات عسكرية تركية بغية حماية الإقليم والتغلغل أكثر داخل شمال العراق، وذلك محاولة منها القضاء على حزب العمال الكردستاني أو تحجيمه على أقل تقدير.

أما إيران فإنها بالتأكيد ستعارض هذا التقسيم، لأنها حاليا تبسط نفوذها وهيمنتها على المحافظات السُنية من خلال أذرعها (الميليشيات المسلحة)، وبهذا فإنها سترفض التقسيم وستسعى بكل جهد لإفشال المشروع، بيد أن إيران تعلم جيدا أن في حالة تقسيم العراق إلى أقاليم ذات طابع طائفي سيفقدها السيطرة على جزء كبير من الأراضي العراقية، والعامل الأبرز والأهم في الرفض الإيراني لمشروع التقسيم، أن إقامة إقليم سُني في محافظة الانبار سيُنهي حلمها في إقامة منطقة الهلال الشيعي.

 

 


إرسال تعليق

0 تعليقات