العراق يترقب "يدا عربية" لنجدته

مشاهدات





محمد خلفان الصوافي


باستثناء النظام الإيراني، من مصلحة العالم أجمع أن يستقر العراق، فهو دولة إقليمية مهمة في منطقة أكثر ما تحتاج إليه هو الاستقرار.

الحفاظ على العراق ليست مسؤولية الكاظمي وحده

ما إن تسلم مصطفى الكاظمي مهام رئيس الحكومة في العراق، في مايو الماضي، حتى بدأ بإصدار جملة من القرارات تعيد للدولة سيادتها، وتجعل من العراق مكانا آمنا ومستقرا، بعد أن ساهمت مواقف من سبقوه في هذا المنصب في تحويله إلى دولة مختطفة من قبل النظام الإيراني، الذي يحتفل هذه الأيام بمرور 43 عاما من الفشل في أن تصبح إيران دولة رفاهية لشعبها ودولة داعمة للاستقرار في المنطقة. لقد نقل النظام الإيراني تجربة بلاده السيئة إلى العراق بحذافيرها حتى صار نسخة مكررة من فشل الملالي.

المنهج الذي سلكته حكومة الكاظمي ركز على جانبين أساسيين. الجانب الأول داخلي يتمثل في استعادة هيبة الدولة من خلال العديد من الإجراءات والقرارات لعل أهمها ضبط سلاح الميليشيات المنفلت، لأنه لا توجد دولة في العالم تقبل أن تكون هناك جماعات وأحزاب لديها سلاح – أحيانا يفوق سلاح الدولة – ويهدد استقرار الدولة.

أما الجانب الآخر فهو خارجي يهدف إلى تحقيق التوازن في علاقات العراق مع الدول الأخرى. وأن تكون تلك العلاقات مبنية على مصلحة العراق وشعبه، فذلك هو المعيار الذي تقاس عليه صلاحية تلك العلاقات، وأن تتجنب الانحياز في مواقفها إلى أي دولة مهما كانت مكانتها في الساحة الإقليمية والدولية، فما بالك بدولة ترفض أن تكون طبيعية.

يدرك الكاظمي حجم خطورة ما يفعله في مواجهة أصحاب المصالح من المتنفذين في العراق، يساعده في فهم ذلك شغله منصب رئيس جهاز الاستخبارات العراقية فترة طويلة، رغم ذلك لم يقبل أن تمر مرحلته الانتقالية كما يريد لها الذين اعتادوا سرقة العراق وتدمير حضارته. القلق عليه وصل ببعض مراقبي المشهد العراقي إلى إعلانهم عن مخاوف من مخاطر قد تهدد حياته، وهو أمر غير مستبعد في ظل التحدي الذي يظهره.

المقلق في الوضع العراقي واستقراره أن السبل والخيارات الدبلوماسية والأعراف السياسية تبدو كلها عديمة النفع وعاجزة عن وقف النزيف الحضاري والإنساني وعن الخلاص من المحنة الإيرانية

مشكلة الكاظمي، التي يلومه الكثيرون عليها لكني أتفق معه، أنه يسعى إلى تحقيق منهاجه وفق الإجراءات الدستورية والقانونية وبطريقة دولة المؤسسات مع أطراف لا يعرفون سوى أساليب المافيات والعصابات الإرهابية ويديرها نظام شمولي بغيض. وهو يستخدم هذه الإجراءات ليس خوفا من الطرف الآخر، وهو إيران وميليشياتها، أو مراعاتها، ولكن حفاظا على ما تبقى من دولة العراق الموحد بأقاليمه الثلاثة وحفاظا على الإنسان العراقي الذي أنهكته الحروب والفوضى على مدى أربعة عقود تقريبا.

الغريب في الأمر أن إيران، التي هي سبب في كل ما يحدث في العراق وكل ما أصاب العراقيين من ضرر، يطلق مسؤولوها بين الحين والآخر – آخرهم وزير خارجيتها جواد ظريف الأسبوع الماضي – تصريحات تكتسي صبغة حضارية، ويتعاملون مع دول أوروبا والولايات المتحدة بمنطق المعاملة بالمثل، لكن عندما يتعلق الأمر بالعراق أو غيره من الدول العربية، وخاصة التي يتواجدون فيها، يفقدون أعصابهم وهدوءهم ويتناسون دبلوماسيتهم وتبدأ “أذرع إيران العسكرية” في المنطقة بإطلاق الصواريخ لتدمير وقتل من ينادي بالحفاظ على دولته، مثلما حدث مع المحلل الاستراتيجي هاشم الهاشمي وغيره من أبناء العراق.

والمقلق في الوضع العراقي واستقراره أن السبل والخيارات الدبلوماسية والأعراف السياسية كلها تبدو عديمة النفع والجدوى وعاجزة عن وقف النزيف الحضاري والإنساني وعن الخلاص من المحنة الإيرانية. معنى ذلك أنه لم تعد توجد النية للحديث عن حوار مع إيران أو التفاهم مع من يقبل بخدمة أجندتها السياسية، وبالتالي على الجميع انتظار سيناريوهات سيئة، فالشعب العراقي لن يقبل بفقدان وطنه خاصة وأن صبره نفد.

وإذا كان المجتمع الدولي وبالأخص العرب، قد ارتكبوا جميعا أخطاء في حق العراق، ليس فقط بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003 مباشرة، حيث أُعطيت الفرصة لإيران وميليشياتها لاستباحة العراق، وعلى رأس هؤلاء الذين استباحوه رجل إيران نوري المالكي الذي عمل ضد بلاده ومواطنيه، وأعلن مؤخرا عن نيته دخول الانتخابات التشريعية القادمة بقائمة دولة القانون.

ولم يقتصر خطأ المجتمع الدولي على التراجع عن دعم منهاج الكاظمي منذ البداية باعتباره آخر مشروع سياسي وطني ضد إيران، حيث استمرّ في الانسحاب بينما تتصاعد في المقابل فوضى الميليشيات، رغم إدراكه لأهمية الوقوف معه ومدّ اليد العربية له.

باستثناء النظام الإيراني، من مصلحة العالم أجمع أن يستقر العراق، فهو دولة إقليمية مهمة في منطقة أكثر ما تحتاج إليه هو الاستقرار. والشعب العراقي تفاعل مع العديد من الحضارات الإنسانية واستطاع أن يثريها بثقافاته المتعددة عرقيا ودينيا. وبالتالي تصبح مسؤولية الحفاظ عليه ضرورية للجميع وفي مقدمتهم العرب. الحفاظ على العراق وشعبه ليست مسؤولية الكاظمي وحده حتى وإن كان هو المسؤول التنفيذي الأول.

كاتب إماراتي

إرسال تعليق

0 تعليقات