في مسيرة الاسود..(١٠٠) عام من التضحية والعطاء..

مشاهدات



ثائرة اكرم العكيدي 


على مر التاريخ والأزمان شهدت بلاد الرافدين العديد من الحروب التي خاضتها، تارة لصد هجمات الغزاة والمعتدين دفاعًا عن نفسها وتارةً أخرى للحفاظ على وحدة وتماسك أراضيها والحيلولة دون تشرذمها وتفتتها إلى دويلات صغيرة ضعيفة، وتارةً ثالثة لإزالة آثار العدوان، وطرد المعتدي الغاصب، واسترداد السيادة الكاملة على الأرض.

تاريخ العسكرية في العراق ضارب في القدم ويُخبرنا التاريخ أن أول جيوش التي عرفها الإنسان تشكلت على هذه البقعة من الأرض، بداية من الممالك السومرية مرورًا بالإمبراطورية الأكادية والبابلية وصولًا للقرن التاسع قبل الميلاد حين وضع الآشوريون الأسس التي يعرفها العالم اليوم لبناء وتشكيل الجيوش النظامية.

وبحسب الدراسات  يعد الجيش العراقي  من أقدم الجيوش النظامية في العالم، وانه اكتسب على مدار تاريخه قدرات هائلة على الصمود والنهوض مجدداً بعد كل كبوة، ولا أدلة والبراهين على ذلك كثيرة وكبيرة  .

حظى الجيش العراقي  بمكانة عظيمة واحترام شعبى ودولى لتاريخه العريق ودوره الوطنى داخليا وإقليميا بل وعالميا،  ولم يكن الجيش يوما مجرد أداة للحروب بل كانت المؤسسة العسكرية نواة للتنمية الشاملة وقاطرة التحديث بالمجتمع  التى تنصهر بها كل الخلافات محققا الاندماج الوطنى واليد العراقية القوية .

100 عام مرت على تأسيسه ذلك الجيش الشرس أقدم جيوش الشرق الأوسط في العصر الحديث. خرج من رحم الحرب العالمية الأولى وصراع الأضداد إبان تنامي الاستعمار البريطاني، الذي زحف ثلاث سنوات نحو العراق (1914- 1917)، محملاً بأحدث الأسلحة ..

كان تأسيس الجيش العراقي في 6 يناير (كانون الثاني) 1921 مغامرة وطنية، بعدما ترك الأتراك بغداد تحت ضربات الإنجليز وبلا جنود محليين. 

تشكلت أولى وحدات القوات المسلحة العراقية في تلك السنة  خلال الأنتداب البريطاني للعراق، حيث تشكل فوج موسى الكاظم وأتخذت قيادة القوة المسلحة مقرها العام في بغداد، تبع ذلك تشكيل القوات الجوية العراقية عام 1931 ثم القوة البحرية العراقية عام 1937 وصل تعداد الجيش إلى ذروته مع نهاية الحرب العراقية الإيرانية ليبلغ عدد أفراده 1,000,000 فرد.

بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 أصدر الحاكم المدني للعراق بول بريمر قراراً بحل الجيش العراقي فأعيد تشكيل الجيش وتسليحة من جديد.

كان للجيش العراقي البطل معارك وملاحم عراقية وعربية

حيث كان له دور ملحوظ عام 1948 ابان الحرب العربية - الإسرائيلية وكذلك بالمعارك التي تلتها في 1967 و 1973 وتوجد في يومنا هذا مقبرتين لشهداء الجيش العراقي في سوريا والاردن، في العام 1958 كان الجيش العراقي يتألف من أربعة فرق مشاة: فرقة مشاة 1 في الديوانية وفرقة مشاة 2 في كركوك وفرقة مشاة 3 في ديالى وفرقة مشاة 4 في الموصل.

يعتبر الجيش العراقي الحديث أكثر جيوش المنطقة خوضا للحروب بداية من حروب الاستقلال الأنجلوعراقية مرورًا بالحروب القومية في 48 و73 ثم حربي الخليج الأولى والثانية وصولًا لحرب العراق ثم معارك استعادة المدن من تنظيم الدولة الإسلامة( داعش).

وصل الجيش العراقي أوج قوته عام 1990 حيث بلغ تعداد مقاتليه في الصنوف المختلفة مليون مقاتل، ما جعله يحتل المرتبة الرابعة عالميًا بين الجيوش الأكثر تعدادًا في ذلك الوقت.

لم تخل هذه المسيرة الطويلة من الاشتباك السياسي، فشارك الجيش بشكل كبير في رسم سياسات العراق الحديث منذ تأسيسه وإلى اليوم.

لمن لا يعرفون أن الجيش العراقي البطل ومنذ تأسيسه وعلى مدار تاريخه كان جزء لا يتجزأ من شعبه العظيم  وأن من أسباب قوة هذا الجيش أنه لم يعتمد يوماً على المرتزقة الأجانب وإنما اعتمد على أبنائه الطيبين الغيارة.

مؤسسة الجيش العراقي مؤسسة عسكرية عراقية مرموقة. ولعقود من الزمن يشهد لها الأعداء والخصوم قبل الأصدقاء، إنها كانت المصنع والمدرسة التي خرجت عشرات الآلاف من الأبطال الميامين ذوي البأس، وممن شاركوا في التصدي لكل التحديات التي واجهت بلدهم، ومن كل صنوف القوات المسلحة. تجد هذه المؤسسة نفسها الآن أنها أمام اتهام خطير وحالات تشكيك بالولاء تمس سمعتها في الصميم.

يحفل تاريخ الضباط العراقيين، ومن ينضوون تحت لواء تلك المؤسسة العراقية وضباطها الاكفاء، التي تنتسب الى وزارة الدفاع، بأنها وما تزال، هي مصنع الرجال الأسود، ومن جربتهم سوح الوغى في كل المنازلات التي شهدها العراق، في أشرس مواجهات وحالات تآمر وإستهداف مختلفة، واجهها هذا البلد على مر تاريخه، وخرج منها مرفوع الرأس، وهو يذيق العدا مر الهوان.

ولم يجرؤ حتى الكيان الصهيوني وقادته العسكريين، ولا مؤسسات الغرب العسكرية العملاقة أن تنال من مؤسسة الجيش العراقي، أو أن تقلل من حجم قدراتها ومهارات أبطالها ورجالها الأشاوس، بل بقيت تلك المؤسسة محل احترام وتقدير لمكانتها ودورها على الدوام، وصفحاتها المشرقة في كل الحروب التي واجهتها، كانت محل ثناء الاعداء والخصوم قبل الأصدقاء، لا كما يجري الآن من محاولات من الداخل لثلم تاريخ تلك المؤسسة العسكرية العراقية، التي تعد سمعتها خطا أحمر لا يمكن أن تناله يد آثمة، مهما كان لونها او شكلها او مسمياتها، وهي التي يحلف برؤوس أبنائها العراقيين، على أنهم هم ألأمل المرتجى الذي يحفظ الديار ويحمي الكرامة، ويحافظ على شرف العراقيين والعراقيات من أن يتعرض للامتهان

وترى كثير من قيادات هذا الجيش برتبها العامرة بالهيبة ورفعة الرأس، وكل منتسبيها بكل صنوفهم، أنها لم تعد تتحمل كل تلك الرشقات من حملات التشويه والافتراء التي تواجهها تلك المؤسسة النظيفة الشريفة الأصيلة في انتمائها لتربة بلدها ووطنها وتاريخه المشرف، من أن يأتي من لا أحد يعرف عن تاريخه شيئا، ليحاول ان يلطخ سمعتها، بافتراءات وتهم ما أنزل الله بها من سلطان.

في العهد الملكي، كانت توجهات الجيش العراقي وطنيةوبعد الثورات، تم زجه في المعترك السياسي والحزبي، وبالتالي فقد انحرف عن مساره الوطني ودوره الوظيفي المعروف عنه. أن مسيرة الجيش العراقي كانت حافلة بالأحداث، لكن ما يعنينا هو المراحل الانتقالية فيه، والتي جعلته بشكل أو بآخر خاضعاً لأبعاد حزبية وايديولوجية..

كنا نأمل أن يصار في المرحلة الحالية إلى إبعاد الجيش العراقي عن المحاصصة والتجاذبات السياسية، على اعتبار أنها تؤثر على الولاءات، وتحدث خللاً في المؤسسة الامنية، وهو ما تحقق خلال احتلال تنظيم داعش للعديد من المدن في البلاد، حسب قول الشريفي، الذي أضاف أن "الجيش العراقي انهار بشكل غير مبرر في المناطق التي تمكن تنظيم داعش من احتلالها، والسبب في ذلك هو تشتت ولاءاته.

فبعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 على يد تحالف دولي قادته الولايات المتحدة الأميركية، قرر الحاكم المدني الأميركي بول بريمر، حلّ الجيش العراقي المكون من 400 ألف جندي، ثم بعد ذلك تقرر إعادة تشكيل الجيش.

الاختلاف في العقيدة العسكرية بين قادة الجيش العراقي، حسب متخصصين، ألقى بظلاله على واقع الجيش، والذي شهد مرحلة عصيبة أخرى تمثلت باحتلال تنظيم داعش المتشدد، للعديد من المدن في البلاد عام 2014، والتي شكت نحو ثلث مساحة العراق، لكن وبعد نحو ثلاث سنوات استطاعت القوات الأمنية ومنها الجيش العراقي دحر التنظيم والقضاء على معاقله في البلاد..

والأخطر من هذا كله، هو أن هناك محاولات تجري على قدم وساق، لتفكيك تلك المؤسسة من جديد، بعد إن فككها الاميركان بعد احتلالهم للعراق، وابعدوها عن أي دور محوري في تاريخ العراق، وتحولت حتى بعد إعادة بعض هياكلها، الى مؤسسة ثانوية ولن تعطى لها الاعتبار والمنازل التي تستحق، وراحت جهات تمارس الهيمنة على مقدرات تلك المؤسسة للعمل على إنهاء دورها شيئا فشيئا، بل واتهامها بالتآمر على العراق وعلى تاريخه الوطني، برغم الانتصارات الكبيرة التي حققتها، وبخاصة في المواجهة مع داعش، في محافظات نينوى والانبار وصلاح الدين وديالى وكركوك وكل المحافظات العراقية، التي وطأتها ارض الارهاب، وكأن القادة العظام لتلك المؤسسة أصبحوا حجر عثرة بوجه محاولات إعادة الهيبة للمؤسسة العسكرية العراقية التي عانت ما عانت من فقدان المكانة، وها هي، في مراحل أن تلفظ أنفاسها الاخيرة، بعد إن تم إنهاء دورها، وكأنها أصبحت وديعة في أحد متاحف الآثار، بل أنها أمست من ذكريات الماضي القريب.

إرسال تعليق

0 تعليقات