سمعة سيئة للتفاؤل

مشاهدات



كرم نعمة


عندما يعيش الإنسان نكبات متتالية ويخسر أثمن ما يملك، فإن تفكيره في تلك اللحظة بجمال الطبيعة لا يجعله جاحد القلب أو بلا مشاعر، بل يؤكد إنسانيته.

التفاؤل نوع من الدواء

لا أحد يشتري تذكرة اليانصيب ويعتقد أنه سيربح! إنه يشتريها لزيادة جرعة التفاؤل في داخله بأنّ ثمة مالا مجانيا ضخما سينزل عليه، وإلا لا أحد يعود إلى شراء التذاكر. ذلك نوع من التفاؤل المحدود بوقت قصير وسرعان ما يتلاشى، وقد يحدث أن عشرة ملايين يقتنون بطاقات اليانصيب لكنّ واحدا منهم فقط سيربح، وقد لا يربح أيّ منهم وذلك غالبا ما يحصل.

الحديث عن التفاؤل مع بداية العام الجديد يغلب على أي أمنيات أخرى، لكنه حديث لا يستطيع الصمود، ويصبح نوعا من الكلام غير المنطقي، وإن كان يساعد البعض على تجاوز إجهاد الوباء. هناك من يريد أن يشعر بأن كل شيء سيكون على ما يرام مرة أخرى، لكنّ هذا عند البعض باب مفتوح على التهور أو السلبية، خصوصا عندما يتعلق بظروف حياة الأشخاص تحت وطأة وباء كورونا. فالتفاؤل له سمعة سيئة مع بداية العام الجديد!

تُدافع الكاتبة إليانور مارغوليس كاتبة العمود في صحيفة الغارديان البريطانية، عن حضور مسحة التفاؤل مع بداية العام الجديد، من دون أن تنسى تغريدة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، في مثل هذا الوقت من العام الماضي، بتأكيده أننا ذاهبون إلى عام رائع! لكن ماذا حصل بعدها، سنة غير رائعة لا لبريطانيا ولا للعالم برمته.

البعض على حق، عندما يرى أن التفاؤل كان مسؤولا عن الكثير من البلاهة عندما يتعلق الأمر بفايروس كورونا، ألم يصفه المتفائلون بأنه مجرد أنفلونزا ضخّمته نظرية المؤامرة!

كل الاحتمالات ما زالت قائمة في عالم قلق ينتظر الحصول على اللقاح، وما يحدث بعد اللقاح، فالصعوبات لم تتراجع، والأعمال لم تستعد نفَسها، وعجلة الكساد ما زالت جاثمة على اقتصاد العالم، ومطلوب منا اجتياز أشهر قادمة بأقل عدد من الانهيارات الاكتئابية، وفق الفكرة التاريخية “تفاءلوا بالخير تجدوه”. مع أن حتى المتفائلين لا يستطيعون إخراج الكلمات المشجعة من صميم قلوبهم!

إذا كان التفاؤل نوعا من الدواء، فعلينا استخدام جرعاته بشكل محسوب تماما مثل مضادات الاكتئاب وحبوب الضغط والسكر، يجب أخذ جرعات التفاؤل بكميات صحيحة كي لا نصاب بالتسمم. أو حسب تعبير مارغوليس، يجب أن تكون جرعة التفاؤل معادلة لضرر الأخبار السيئة التي نعيشها، على الأقل من أجل أن نتمتع بطعم الجرعة ولا يصبح التفاؤل مجرد وهم في واقع قاتم.

عندما يعيش الإنسان نكبات متتالية ويخسر أثمن ما يملك، فإن تفكيره في تلك اللحظة بجمال الطبيعة لا يجعله جاحد القلب أو بلا مشاعر، بل يؤكد إنسانيته!

كاتب عراقي مقيم في لندن

إرسال تعليق

0 تعليقات