أسامة الألفي” الصحافة الورقية مطلوبة ولا غنى عنها لسنوات طويلة

مشاهدات



حوار/ أبو الحسن الجمال


الأستاذ أسامة الألفي كاتب صحفي، أديب وناقد، يعمل بمؤسسة عريقة هي مؤسسة "الأهرام" بمصر، وقد مارس الأدب وكتب فيه وهو مازال طالب بالثانوية العامة، حيث أصدر كتاباً قدم له الأستاذ الدكتور أحمد كمال زكي، وقد تغلب على الصعاب والمشكلات التي تعرض لها في حياته ومنها الحادث الذي تعرض له وأثر على سمعه ورغم هذا كان يتصدر أقرانه في كل مراحل التعليم من الابتدائي وحتى الجامعة؛ حيث تخرج في كلية الآداب قسم اللغة العربية بجامعة عين شمس، وقد عمل صحفياً في عدة دول عربية منها السعودية حيث عمل بمؤسسة الفيصل الثقافية، ثم في إحدى الصحف الليبية، ثم انضم إلى أسرة الأهرام، ولم يشغله عمله الصحفي عن متابعة القضايا الثقافية، فأدلى بدلوه وكتب المقالات النقدية في العديد من الصحف والمجلات، وقد أمد المكتبة العربية بالعديد من الكتب التي دلت على امتلاكه لأدواته من رؤية عميقة وفكر رصين وأسلوب يؤثر الألباب. ومن كتبه نذكر: "تطور الشعر العربي في العصر الحديث" ألفّه أثناء المرحلة الثانوية سنة 1967، وقدم له الدكتور أحمد كمال زكى، وكتاب "لماذا أسلموا"، و"نزار قباني قيل وقال"، و"اللغة العربية وكيف ننهض بها نطقًا وكتابة"، و"الهوية القومية في الشعر العراقي المعاصر"، و"عوامل قيام الحضارات وانهيارها في القرآن الكريم" وغيرها...


التقيته كثيرا وزرته مراراً في منزله ودار بيننا حوارات كثيرة، وشاركني في كتابة فصل في كتابي "على شاطئ المجد – دراسات مهداة إلى الدكتور حلمي محمد القاعود بمناسبة بلوغه سن السبعين"، ثم أجريت معه حواراً شاملاً عن حياته ومسيرته الصحفية والأدبية، ضمنته كتابي "أسئلة المثقفين- حوارات وذكريات"، وفي الحوار التالي نستكمل معه المسيرة فيحدثنا عن بعض القضايا الراهنة، منها الصحافة الورقية والصحافة الرقمية، وهل أثرّت الأخيرة على الأولى، ثم ما حدث مؤخراً في مجمع الخالدين بمصر، وقضية تجديد الخطاب الديني وموضوعات أخرى سوف نطالعها في الحوار التالي:   


*كصحفي مخضرم هل ترى أن عصر الصحافة الورقية انتهى بظهور الصحافة الرقمية؟

- لا طبعًا لم ينته .. صحيح أن الصحافة الرقمية استطاعت سرقة معظم الأضواء من الصحافة الورقية، بفضل سرعتها ومساحة الحرية المتوفرة لها وسهولة تصفحها واسترجاع أخبارها، وإضافتها خدمات الفيديو والمقاطع الصوتية وامكانية أن يعلق القراء على ما تنشر، والأهم قلة تكلفتها مقارنة بالورقية، أقول برغم ذلك كله التي تقف الصحافة الورقية عاجزة عن تحقيقه، تظل الأخيرة مطلوبة ولا غنى عنها لسنوات طويلة، فما يزال لها عشاقها ومريدوها، الذين لا يقبلون بغيرها بديلاً، ويفضلون قراءتها في شرفات منازلهم أو على الكافيهات، وهم يشربون كوبًا من الشاي أو يرتشفون قدحًا من القهوة، والدليل أننا نجد في اليابان أم التقنيات الرقمية توزيعًا كبيرًا للصحف الورقية، فالاحصائيات تكشف أن صحيفة "يوميوري شيمبون" أكبر الصحف اليابانية انتشارًا، يصل توزيعها حاليًا إلى ما يقارب 8 ملايين نسخة يوميًا، تليها صحفية "أساهي شيمبون" بـ 6،5 مليون نسخة، فيما تصل الصحف الإقليمية إلى ٥٠ ٪ من البيوت في أسواقها المحلية.

ويعزز هذا الرأي أيضًا أن النشر الألكتروني بدأ عام 1990م أي قبل ثلاثين عامًا من اليوم بصدور صحيفة "هيلزنبورج دجبلاد" السويدية أول صحيفة إلكترونية في العالم، و25 عامًا عربيًا بصدور النسخة الألكترونية من صحيفة "الشرق الاوسط" عام 1995م، وبرغم مضي كل هذه المدة ما تزال الصحافة الورقية موجودة ولها قراؤها، وإن أحاطت بها صعوبات ومشكلات عدة.


*كيف ترى ما يحدث في مجمع اللغة العربية بعد قرار وزير التعليم العالي بإلغاء نتائج الانتخابات وعزل رئيسه المنتخب د. حسن الشافعي؟


- د. حسن الشافعي علامة كبير له دور بارز في خدمة لغة القرآن الكريم، وهو مستهدف منذ فترة لدفاعه عن الحق في مواقف كثيرة، فقبل تنحيته عن مجمع اللغة العربية، قامت جامعة القاهرة بفصله بحجة أن القانون يمنع تلقيه أجرًا من مكانين، وجاء القرار الأخير ليكمل محاصرته، مما كان له صدى سيء لدي المثقفين، واعتقد أن د. صلاح فضل خسر كثيرًا بقبوله أن يكون قائمًا بأعمال رئيس المجمع بعد عزل رئيسه الشرعي، بناء على قرار باطل، فالمادة الأولى من القانون رقم 14 لسنة 1982م بإعادة تنظيم المجمع تجعله هيئة علمية مستقلة، تابعة لوزارة التربية والتعليم "تحولت للتعليم العالي حاليًا"، والوزير ليس له سلطات في القانون إلا تلك التبعية، وعرض نتيجة انتخابات المجمع لاعتمادها من رئيس الجمهورية.


* تتردد كثيرًا في وسائل الإعلام خلال السنوات الأخيرة دعوات يدعو أصحابها إلى  تجديد الخطاب الديني ليواكب العصر.. كيف ترى هذه الدعوات؟


- أصحاب هذه الدعوات لا يفقهون معنى المصطلح، فمصطلح "الخطاب الديني" فضفاض يشمل علوم القرآن الكريم وعلوم الحديث الشريف والفقه والشريعة وما يتبعها من فروع.. ألخ .. ويحتاج تحقيقه إلى اجتهاد وعمل دءوب لجمع من العلماء كل في تخصصه قد يستغرق نصف قرن وربما أكثر، فضلاً عن أن هناك أحكامًا قطعية لا يمكن الاجتهاد فيها.

 والذي أراه أن الذي يمكن تجديده هو "الخطاب الدعوي"، فكثير من الدعاة اليوم يخرجون عن النهج الدعوي الذي اتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي يوجزه قوله تعالى في سورة "النحل": "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"، وتجديده مطلوب ليواكب العصر ولغته، ووسائله الإعلامية التي جعلت العالم قرية صغيرة. 


 * لا يكاد يمر يوم إلا وتطالعنا ووسائل الإعلام بكتابات وأقوال مسيئة للصحابة، وأخرى مشككة في صحة الأحاديث الشريفة والأحكام الشرعية بشكل مستفز، فكيف ترى الرد عليها؟


- من يفعلون ذلك هواة شهرة زائفة، وأناس باعوا ضمائرهم للشيطان من أجل أن تصل أسماؤهم إلى الغرب، لعله يمنحهم جائزة من جوائزه يزعمون بها أنهم وصلوا إلى العالمية.

وهم فاقوا المستشرقين في زيف آراءهم، ومثل هؤلاء يجب مواجهتهم عبر الردود المفحمة للعلماء، وبقانون يزجرهم بعقوبات رادعة تعيدهم إلى صوابهم، وكما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".


* كيف ترى واقع الثقافة الأدبية في مصر والعالم العربي مقارنة بالماضي؟


- لا مقارنة بين ماض مشرق وحاضر باهت، ففي الماضي كان هناك تنوع ثقافي وأدبي، أثرى الساحة بكتابات متنوعة أشبه بلآلئ، ومعارك فكرية ترد على الرأي بالرأي، وظهرت مدارس مثل الديوان وأبوللو كان لها مريدوها ومتابعوها، وكان الحب والاحترام يسودان العلاقة بين الأدباء فسادت مصر عالمها العربي ثقافيًا وفكريًا وأدبيَا، إذ لم يعرف الجيل الماضي مثل هذا الردح الدائر بين أدباء ومثقفي اليوم، والذي انحط بسببه واقع الثقافة المصرية، وفقدت ريادتها وتألقها في المحيط العربي، وعندك كمثال ما يجرى من مهازل وتنافس غير شريف، على كراسي مجلس إدارة اتحاد الكتاب أنموذجًا سلبيًا للواقع ثقافي هابط، فإذا أضفنا إلى ذلك أن مال دول الخليج جعل هذه المنطقة التي كانت قبل ثلاثة عقود ليس لها أي موقع ثقافي ذي قيمة، منطقة جذب للمثقفين العرب من المحيط إلى الخليج، وأقبل الجميع عليها بحثًا عن الجوائز المالية الكبيرة والنشر الفاخر، لأدركنا أن الثقل الثقافي هجر مصر ولو مؤقتًا، إلى بلدان لا تملك تاريخًا ثقافيًا لكنها تمتلك مالاً سيطرت به على وسائل الثقافة.


* تتنوع كتاباتك ما بين دراسات لغوية ودينية ونقدية وتراجم، فهل يعنى هذا رفضك للتخصص وتفضيلك للكتابة الموسوعية؟


- طبيعي أن تتنوع الكتابات بتنوع الاهتمامات، فاهتماماتي لغوية دينية أدبية، وأي متابع لما أنشر في الصحف لن يصعب عليه إدراك ذلك، فمقالاتي ودراساتي تكاد تنحصر فيها، وربما شذذت مرة أو اثنين فتناولت الرياضة والفن تناولاً عابرًا.


* أنماط الكتابة عند أسامة الألفي يعني مارست الصحافة الأدبية . هل مارست أنماطًا أخرى من الكتابة؟


لا يوجد نمط معين، فقط أكسبتني سنوات العمل في مجلة "الفيصل" أسلوبًا يجمع بين الكتابة الصحفية والأكاديمية، فأنا أميل إلى دمج المعلومة بالمقالة، ومَنْ يقرأ مقالاتي يجدني لا أتبع الأسلوب الإنشائي، وإنما اتخذ من المعلومة منطلقًا لتناول الفكرة، مع الابتعاد عن الغموض والتقعير الذي يتبعه بعض من يستخدمون الأسلوب الأكاديمي، وهذا الأسلوب أفادني في وضع 21 مؤلفًا في الدراسات اللغوية والأدبية والإسلامية والتراجم، منها ما هو جهد خاص بي وحدي، ومنها ما هو مشترك مع آخرين. 


* حدثنا عن صحفتكم الثقافية في جريدة "الزمان"، وسر تسميتكم لها "سماء عربية"؟


الاسم من تأثير عملي سنوات في مجلة "الفيصل" الثقافية الشهرية بالرياض، إذ كانت قبلة للمثقفين والأدباء، وكانت أشبه بجامعة ثقافية عربية تنشر للأدباء والمثقفين من كل أقطار العروبة، إيمانًا من صاحب المجلة الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز بأن الثقافة والأدب العربي وطن واحد تظلله اللغة العربية، لهذا قرّ في نفسي تأسيس صفحة "سماء عربية" لتجمع مثقفي العالم العربي وأدباءه، وكانت بدايتها في الطبعة العربية بجريدة "الأهرام"، واستمر صدورها عامًا وبضعة أشهر، إلا أن خلافًا وقع مع المشرف على الطبعة العربية – آنذاك - لقيامه لأسباب شخصية بحذف أسماء مشاركين مِنْ على موضوعاتهم بالصفحة، دفعني إلى رفض الاستمرار وتركتها غير نادم، إلى أن دعتني السيدة إلهام شرشر صاحبة ورئيسة تحرير "الزمان" إلى عمل صفحة ثقافية بالجريدة، فاقترحت عليها "سماء عربية" ورحبت هي بها، وكان شرطي الوحيد ألا يتدخل أحد في الصفحة، ونفذت الشرط.



إرسال تعليق

0 تعليقات