دينار بقشيش

مشاهدات



هيثم الزبيدي


الدول تضخ عادة الأموال لتحرك الأسواق. البنى التحتية أول العوامل المحركة، لكن في بلد مثل بريطانيا كان الخيار أن تدفع الحكومة نصف فاتورة المطعم.

الدينار البقشيش يعني الكثير لنادل في مطعم

إنه وقت متقشف. الجميع ينظر في جيبه ويفكر مرات قبل أن ينفق. هذا الإحساس السائد هو نتيجة لتراكمات اقتصادية ومالية ونفسية كثيرة بدأت منذ عام 2008 حيث الأزمة المالية الكبرى. عام 2020 الموبوء جاء ليوجه ضربة قاضية لعالم مترنح بالأصل.

شيء مقلق حقا عندما ترى جيلا كاملا من الخريجين في دول صناعية، لكي لا نتحدث عن دولنا النامية، وهم يتنقلون بين وظائف بسيطة في مطاعم ومتاجر بعيدة كل البعد عن تخصصاتهم التي درسوها. السوق لم تستوعب هؤلاء الخريجين، فكيف ستستوعب من هم على مقاعد الدراسة الآن. الصورة أبعد ما تكون عن الإشراق.

الأمم تمر بمثل هذه الظروف. البعض يتصرف بانكماش. البعض الآخر يراهن على طرق مغامرة لمواجهة الأزمات. مثال عملاق صناعة السيارات الأميركي هنري فورد الذي قرر زيادة الرواتب وعدم تسريح الموظفين في فترة اقتصادية عصيبة مطلع القرن الماضي هو شيء حاضر في أذهان الاقتصاديين. رواتب أعلى وموظفون أكثر يعنيان سوقا متحركة أكثر. السوق المتحركة تحتاج إلى سيارات بأعداد أكبر. مصانع فورد استمرت تشتغل.

الدول تضخ عادة الأموال لتحرك الأسواق. البنى التحتية أول العوامل المحركة، لكن في بلد مثل بريطانيا كان الخيار أن تدفع الحكومة نصف فاتورة المطعم.

يحدثني أصدقاء أن المطاعم في عدد من البلاد العربية بدأت تفرغ من زبائنها من جديد. ليس فقط بسبب الخوف من الوباء، ولكن لأن الناس تتحسب كثيرا في إنفاقها. هذا يقطع دورة اقتصادية مهمة. المطعم يتوقف ويقل معه استهلاك المنتجات الزراعية والحيوانية والمشروبات. صاحب المطعم يسرح جزءا من العاملين. العاملون لا يحصلون على بقشيش، وهم يعملون بجزء من المرتبات. التاكسي المتوقف خارج المطعم ينتظر عددا أقل من الزبائن ليأخذهم إلى بيوتهم. حارس السيارات يقف وهو يرى موقف السيارات خاليا. العالم يبدو مثل ساعة تتحرك ببطء نحو التوقف.

الحيطة من الوباء ضرورية. لكن الحيطة من الاستسلام للتخوف المبالغ فيه من الإنفاق لا تقل أهمية. هذه ليست دعوة للإسراف. الدينار البقشيش لن يغني عائلة أو يفقرها. لكنه يعني الكثير لنادل في مطعم. ليس فقط يضع دينارا إضافيا في جيبه، بل يمنحه الثقة ويمنح صاحب المطعم الثقة ومعهما سلسلة طويلة من المستفيدين الثانويين، من المزارع الذي يورد الطماطم، إلى مربي الأغنام، إلى صياد السمك، إلى سائق الشاحنة التي تورد المنتجات للمدن من الريف، ممن سيتحدون بدورهم الأزمة الاقتصادية – الوبائية المربكة.

هذا نوع من التضامن لا يجازف بالرصيد المتبقي في البنك أو يتحدى فكرة التقشف. أنت في منتصف سلسلة مماثلة لسلسلة بقشيش المطعم، ربما لم تنتبه لها. ها هنا اقتضى التنويه.

إرسال تعليق

0 تعليقات