علم جديد اسمه صناعة الفشل

مشاهدات



الاستاذ الدكتور عبدالرزاق محمد الدليمي


في عالم العمل التي لا تعرف المثالية أبداً، نجد كثيراً من المواقع يشغلها غيرُ أهلها. ويجهل اغلبنا كيف يصلون أو كيف يستمرُّون بقيادة تلك المواقع، و لولا أننا نرى ذلك بأعيننا لما نكاد نصدق ،إننا نرى أمثال هؤلاء ينصرفون نحو تلبية مطالبهم الخاصة قبل اهتمامهم باحتياجات من يعملون بمعيتهم ، و عندما تواجههم ضرورة تطوير العاملين بأمرتهم فإنهم لا يحركون ساكنا لأنهم يفتقرون إلى المعرفة و الخصائص الشخصية و المهارات الإدارية اللازمة لتنفيذ ذلك. فالقائد الفاشل عربةٌ معطّلة تحرق الموارد و الزمن و الأعصاب دون نتيجة..

ان القائد الحقيقي هو من يوصلك إلى غاية يصعب أو يستحيل عليك بلوغها منفرداً. لاسيما وإن الألقاب و المناصب الرسمية لا يمكن أن تصنع قائداً فالقيادة فعلٌ و ليست مكانة.في كثيرٍ من الأحوال يفلح بعض المحظوظين في إخفاء ثغرات الضعف لديهم، و يتمكّنون من تمويه الفشل الذريع الذي يضرب أقسامهم تحت كثيرٍ من المبرّرات الخارجية، و يبقون هم فوق الشك و المساءلة.

إن تاريخ العالم ملئ بأخبار المسؤولين الفاشلين الذين تسببوا بسوء إدارتهم في جلب الخسائر وإلحاق الفشل بالأعمال التي اضطلعوا بها سياسية أو عسكرية أو اقتصادية,كما أنه ملئ باخبار القادة الناجحين الذين حققوا أهدافا عظيمة في هذه الميادين , قادوا أمما وجيوشا الى قمم النجاح....وهناك بديهية تؤكد إن كل المديرين الناجحين متشابهين ولكن كل مدير فاشل سبب للفشل خاص به , تماما كالأصحاء والمرضى من الناس,فالأصحاء متشابهون في صحتهم بينما لكل مريض مرضه الخاص به.

وفي مقدمة اسباب الفشل للمديرين هو سوء توزيع المهام والواجبات حيث أن عدم التوزيع يجعل العمل كله مركزا في أيد قليلة ويشل ويقيد نشاط العاملين وينتهي الأمر بألمؤسسة الى الفشل الذريع , إذ سيأتي وقت ينوء المدير والقلة الذين معه بحمل أعباء الإدارة كلها فتنتهي المؤسسة .

ومن جهة أخرى فإن التفويض بكل السلطات دون وجود آليات الكافية للرقابة يجعل الأمر يخرج من يد المدير شيئا فشيئا حتى ينتهي دوره.

أما القيادة الرشيدة فهي عكس هذا وذاك , تعمل في طريق وسط , فتفوض بقدر وتبقي لنفسها القرارت المؤثرة في عمل الشركة ومستقبلها , كما تحاسب كل مسؤول عن عمله وباستمرار بهمة لا تفتر, وما دام الجميع يرون هذه اليقظة وهذا الإصرار على المحاسبة , فإنهم سيبذلون جهدهم ليضطلعوا بمسؤولياتهم باقتدار.

كما ان كثير من المديرين لا يستطيعون عند ترقيتهم أن يتخلوا عن تخصصاتهم السابقة ، ولا أن يرتفعوا الى المستوى الجديد من المسؤولية . ومن المديرين من يستطيع أن يلتقط من وسط المعلومات والتقارير التي تصله يوميا مناطق الخطر التي تؤثر على عمله وعلى المؤسسة فيعمل فورا على التصدي لها وايجاد الحلول التي تكفل التغلب عليها , ومنهم من يغفل عن ذلك ويلتفت الى صغائر الأمور.

أن النفس البشرية تهفو عادة الى المديح والى التعلق بألأمور السهلة البراقة ,ويوجد أناس دائما يسعون ويساعدون على هذا الإتجاه عند الرؤساء حتى في مواطن الخطر فيزيد جهلهم بما هو حاصل .

ان المدير الذي يكون من هذا النوع يتعلق برياء ومديح قاله له أحد العاملين أو المتعاملين معه ، يعيش في نشوه إذا علم عن المشاكل التي تعرضت لها مؤسسة منافسة ، في حين يغفل تماما عن مشاكل مؤسسته التي قد يلفت نظره إليها بعض الرؤساء ،لكن اصرارا منه على التمسك بموقفه يعتبرهم متشائمين ، يضيق بهم وبتحذيراتهم ، بل قد يتهمهم بأن تقديراتهم لا تقوم على أساس وعلى الاغلب سوف يتخلص منهم بأي وسيلة متاحة له .

أوقد يعمد المدير لإسكات هؤلاء بأن يطلب من الموالين له معالجة الموضوع وإيجاد حلول له , فيفعلون ويتقدمون بأفكار لا تحل شيئا ، أفكار واهنة قاصرة عن تدارك المشاكل التي تتجمع ، كأن يقترحوا مثلا عمل تنظيم جديد أو القيام بحملة اعلامية واسعة الى آخر هذه التوصيات التي لا تعالج المشكلة الأساسية .

ومن حالات الفشل أن المدير ليس معدا لمتطلبات عمله لافنيا ولا خلقيا ولا اخلاقيا، وليس معدا للتطور والتغير ، يعالج المسائل السهلة ، لايناقش المشكلات الجديدة ولايريد ان يتعرف عليها ، يعد دون أن يفي بالنظر فيها ، يعيش في أعماله السابقة رغم انها فاشلة يذكرها ويمجدها ولا يخرج عن دائرتها .

بعد ان يصل الى المركز الذي يرضيه لا يهمه شئ بعد ذلك ، لقد وصل الى تحقيق كل آماله فلا يمكن تحريكه للوصول الى أهداف أكبر ، يفضل مصلحته الشخصية على مصلحة العمل ، يقدر كفاءته أكبر من قدرها . ومثل هؤلاء يتضايقون من النقد مع كثرة نقدهم لغيرهم ولزملائهم ولمرؤوسيهم وللناس أجمعين . وقد يكون مريضا مرضا مزمنا متواصلا وقد تكون أحواله العائلية سيئة بدرجة تؤثر على عملهومع كل هذه العيوب فأن مثل هؤلاء يعمرون في مواقعهم لعقود من الزمن ولن يمنعهم على البقاء الا الموت فقط وعلى حد تعبير واحد من هذه النماذج (لو قطعت قدماي فأني سأستمر بقيادتي لهذه المؤسسة على الكرسي المدولب شاء من شاء ورفض من رفض؟؟!!) .من أمراض الإدارة العربية أمراض الواسطة والمحسوبية، النفاق الإداري، الانفصام الإداري، قلة الكفاءة الإدارية، الظلم الإداري .... الخ هذه الأمراض التي نذكرها على سبيل المثال لا الحصر علما انها صفات ملازمة لمثل هؤلاء الفاشلين.

واللطيف بهؤلاء الفاشلين ان لديهم نظريات في علوم الفشل فرغم ان هناك العديد من النظريات المتطورة في الادارة ولأنها نظريات علمية فهي لا تلائم الفاشلين في كثير من مجتمعاتنا العربية مما يجعل بعضنا يقرؤنها ويدرسونها ولكن لايطبقونها إما لقلة القناعة بها أو لان لديهم شعور بالعجز الفكري عن مواكبة التطور في العمل المؤسساتي في العالم ومن هذه النظريات نظرية البيروقراطية الألمانية والنظريات الأمريكية (نظرية X، نظرية Y، نظرية S، نظرية M.B.O ونظرية System) وهناك نظرية Z اليابانية. وربما بسبب وجود هذه النماذج السلبية لا يوجد لدينا نظرية عربية خاصة بنا مستمدة من بيئتنا العربية و الإسلامية و قابلة للتطبيق و تحقيق الأهداف المطلوبة.

لقد لفت انتباهنا استخدام كثير من المدراء الفاشلين بما يعتبرونها نظريات لبقاء الفاشلين على كراسيهم فنسمع من يردد دائما عبارة سقيمة (اربط الحمار وين ما يريد صاحبه) (لا تحرك ساكن ولا توقف متحرك) (واستخدم نظرية غطاء (السبتتنك) أي غطاء محكم للمجاري) أي ضع شخص من ثلتك على رأس هذا القسم او ذاك مهمته فقط خدمة مصالحك حتى لو دمرت المؤسسة.

والحقيقة تؤكد إذا كان هناك مؤسسة ناجحة أو فاشلة، منظمة ناجحة أو فاشلة ، فإن هناك مدير ناجحاً أو فاشلاً . في حين لم يشر احد الى العاملين أو ظروف العمل ، أو التنظيم على الرغم من أهمية جميعها لأن ذلك من صنع المدير الناجح في النهاية و الراغب في النجاح وتتأثر هذه الرغبة و المقدرة على نوع البيئة التي تربى فيها المدير، و التي بنى من خلالها معتقداته و مفاهيمه و عاداته و تقاليده، و التي بدورها تصنع منه مديراً ناجحاً أو فاشلاً. فكم من مدير في عالمنا العربي لديه شهادة الدكتوراه من أرقى الجامعات العربية أو تربى على أيدي هؤلاء العائدين و لكنه يضع كل ما تعلمه على الرف و يأخذ بممارسة البيروقراطية ، و التسلط ، و التمييز و التعسف و ممارسة العقد التي نشأ عليها ويعكسها على هؤلاء الموظفين المساكين ، فقتل بدكتاتوريته روح الإبداع لديهم ، و طمس على حوافز العاملين بتحيزه ، و(تطفيش) اغلب الكفاءات خوفاً على كرسيه ، و نسي كل ما تعلمه من العلوم للدلالة على تمسكه بالأداء السيئ (بامتياز).

إرسال تعليق

0 تعليقات