فاروق يوسف
لو أنّ أبا عمار لا يزال حيا لكان انفجر غيظا مما وافق عليه محمود عباس لكي يحل مشكلته الشخصية فأوقع الفلسطينيين كلهم في المصيدة وهي مصيدة قانونية لن يكون الإفلات منها يسيرا.
محمود عباس لا يدرك ما معنى أن يتغير الزمن
كانت منظمة التحرير هي الأصل. ولم تكن المنظمة لتصلح أن تقود دولة. وهو ما كان مخططا أن يكون قائما في الذهن السياسي الفلسطيني. لم تكن السلطة التي انتهت إليها التجربة الفلسطينية في الاستقلال لتدور في ذهن أحد.
من الصعب تخيل الموقف الذي سيكون عليه المقاتل الفلسطيني لو أن أحدا وضع أمامه خرائط فلسطين التي تحكمها السلطة. بالتأكيد سيكون ذلك الموقف عدميا. لقد انتهى كل شيء إلى العدم.
وإذا ما عدنا إلى منظمة التحرير التي حذفت من نظامها الداخلي كل الفقرات التي تتعلق بفلسطين التاريخية فإن زمنها قد انتهى. ذلك لم يقرره ياسر عرفات وسواه من القادة الفلسطينيين الذين كانوا أحياء يومها بل هو قرار يقع خارج سلطة الجميع. صارت لصناعة التاريخ كلمتها التي انحرفت بالعربة عن السكة التي اعتقد فلسطينيو ذلك الزمان أنها لم تعد صالحة للاستعمال بسبب عدم انسجامها مع الظروف الدولية المحيطة.
لقد اعتقد الفلسطينيون يومها أن القانون الدولي سيصل بهم إلى هدفهم. لذلك كان نظامهم السياسي هو مرآة عاكسة لما كان عليه الوضع في منظمة التحرير بفوضى أقل في انتظار أن تحل فوضى الاحتلال لتقضي على الأمل في قيام سيادة وطنية يمكنها أن تحرر سياسيي السلطة من قيود الماضي.
لم يقع الشيء الذي كان قد صدم العقل الفلسطيني بتكهناته بل وقعت فجائع تنذر بخطر انقراض كل أمل سابق. السلطة لم تكن أملا. ولم يكن متوقعا أن يتخلى الفلسطينيون عن كل شيء في سبيل قيام تلك السلطة.
سيُقال “إنهم خدعوا أنفسهم بسراب، لم يكن ياسر عرفات بسبب خيباته المتراكمة قادرا على النظر من خلاله إلى ما بعده”. ولكن ماذا بعد مزحة عرفات أو عثرته؟ منظمة التحرير هي الهيكل الذي يمكن العودة إليه. لم يكن الوقت مناسبا لكي تجدد منظمة التحرير فكرها. لقد تحولت إلى كيان عائم أو بشكل أدق تم تعويمها لعدم ضرورتها.
أعتقد أن محمود عباس، وهو عراب أوسلو، لا يدرك ما معنى أن يتغير الزمن.
لو أنّ أبا عمار لا يزال حيا في قريته الضيقة لكان انفجر غيظا مما وافق عليه لكي يحل مشكلته الشخصية فأوقع الفلسطينيين كلهم في المصيدة. وهي مصيدة قانونية لن يكون الإفلات منها يسيرا. كل ذلك صار خارج الإرادة ولكن الواقع السياسي الذي يتعامل مع تلك الظاهرة هو أقل من أن يقوى على الخروج إلى موقع، يكون فيه معبئا بأفكار سياسية جديدة من شأنها أن تعيد صناعة المعادلات الوطنية.
لقد سقط النظام السياسي الفلسطيني في فخ نمطية رُسمت له لكي لا يتحرر من اتفاقية أوسلو كما فهمها سياسيون عجزوا عن الوصول بالنضال الوطني الفلسطيني إلى النقطة التي يكون فيها قادرا على اختراع نظام سياسي يكون كفئا لإدارة مفاوضات مع إسرائيل، تتخطى نتائجها “أوسلو”.
ومن هنا يمكننا أن نفهم أسباب التعثر والفشل وسوء التصرف في مواجهة الانشقاقات التي تمثل أخطرها في قيام حركة حماس بخطف قطاع غزة وتعريضه لحروب عبثية لم تجدِ نفعا على مستوى التفاوض مع إسرائيل بقدر ما أضرت بالفلسطينيين وأضعفت حجتهم في المحافل الدولية.
ولأن النظام السياسي الفلسطيني فاشل ومتخلف ومغلق على أساليب وطرق انتهت صلاحية استعمالها فليس من المتوقع أن يحرز الفلسطينيون تقدما في مواجهة الخطط الإسرائيلية في التهام مزيد من الأراضي الفلسطينية.
صار الحفاظ على السلطة في رام الله هو الهدف وهو ما جعل من كلام السياسيين الفلسطينيين مجرد لغو فارغ لا يُراد منه إلا التغطية على فشل تاريخي.
0 تعليقات