ما بعد لجنة (أبو رغيف).. هل سيفلت الفاسدون ؟

مشاهدات

 





محمد عبد المحسن


قضت المحكمة الإتحادية في الثاني من آذار من العام الماضي بقرارها ذي الرقم ٢٩/ ٢٠٢١ بعدم صحة الأمر الديواني ذي الرقم (٢٩) لسنة ٢٠٢٠ الصادر من مجلس الوزراء ، المتضمن تشكيل اللجنة الدائمة للتحقيق في قضايا الفساد والجرائم المهمة ، وهي اللجنة التي تعارف الإعلام على تسميتها ( لجنة أبو رغيف ) نسبةً إلى لقب رئيسها وكيل وزارة الداخلية للإستخبارات ، وعلى أثر ذلك اعتقل أحد أعضائها ووجهت اتهامات إلى اللجنة باستخدام الإكراه خلال التحقيق .
والذي لفت النظر هو استنكار جهات رسمية بحماس غير مألوف في الماضي ما وصف بأنه استخدام وسائل الإكراه خلال قيام اللجنة بالتحقيق مع عدد من المتهمين بالفساد، وهو ما أدى واقعياً إلى إبعاد أنظار الرأي العام عن تهم الفساد الخطيرة الموجهة إلى هؤلاء .
ومؤخراً تسربت وثائق عديدة خطيرة عن التحقيقات التي قامت بها اللجنة كشف عنها الدكتور حميد عبد الله في برنامجه "تلك الأيام" لا يرضى الضمير الوطني السكوت عنها رغم أن إلغاء اللجنة ونفي صفة المشروعية عنها ترتّب عليه عدم الإعتداد بالتحقيقات التي قامت بها ، فهي ، لخطورتها ، يجب أن تكون مادة لتحقيق جديد يقوم به القضاء ، وذلك انطلاقاً من قواعد قانونية واعتبارات واقعية تتمثل فيما يلي :
أولاً - أن ما نسب إلى المتهمين من جرائم وما ورد من أقوال بشأنها يمكن أن يكون موضوع إخبار يقدم إلى القضاء ويجري التحقيق في الوقائع التي طرحت واحتوتها المحاضر .
ثانياً - أن اللجنة المذكورة ضمّت ثلاثة قضاة وأحد أعضاء الإدعاء العام ، الأمر الذي يجعل ادعاء المتهمين -وأبرزهم جمال الكربولي وبهاء الجوراني - تعرضهم للإكراه لانتزاع الإعترافات منهم مكذوباً، فنحن نربأ بالقضاء عن التستر على أفعال التعذيب وكل أشكال الإكراه .
ثالثاً - أن لجنة برلمانية نفت تعرض هؤلاء للتعذيب بموجب تقرير أعدته استندت فيه إلى تقرير لجنة طبية رسمية .
رابعاً - أننا حتى لو سلّمنا جدلاً بتعرض هؤلاء للتعذيب فإن ذلك لا يوجب إهدار اعترافاتهم تلقائياً بل يجب لإهدارها أن تكون هناك رابطة سببية بين الإكراه والإعتراف وأن لا تكون هناك أدلة أخرى تعزز الإعتراف الذي يقع بالإكراه ، وهذا ما قضت به المادة (٢١٨) من قانون أصول المحاكمات الجزائية ذي الرقم (٢٣) لسنة ١٩٧١، وهذا نصّها :
" يشترط في الإقرار أن لا يكون قد صدر نتيجة إكراه مادي أو أدبي أو وعد أو وعيد . ومع ذلك إذا انتفت رابطة السببية بينها وبين الإقرار أو كان الإقرار قد أيد بأدلة أخرى تقتنع معها المحكمة بصحة مطابقته للواقع أو أدى إلى اكتشاف حقيقة ما جاز للمحكمة أن تأخذ به " .
وهذا يتطلب مراجعة الإعترافات خلال تحقيق قضائي .
إن المصلحة الوطنية تقتضي التحقيق القضائي في مضامين الإعترافات المذكورة،  فالضمير العادل يجرحه اعتراف بهاء الجوراني بشراء فيلا بمليون وستمئة ألف دولار في بيروت للنائب قتيبة الجبوري لتليق بمقامه السامي ! .
ويجرحه اعترافه بمنع تشغيل مصنع الفولاذ استجابة لمصالح أجنبية لقاء نصف مليون دولار شهرياً .
ويجرحه أن يتحكم مدير مكتب وزير الصناعة بتعيين المديرين العامين في الوزارة .
ويجرحه اعتراف جمال الكربولي بأنه وظّف قناة (دجلة) لابتزاز السياسيين والتجار والحصول على مبالغ طائلة منهم .
واعترافه بشراء مجموعة عقارات في العراق والإمارات والأردن .
وإفادته بأن الوزير محمد تميم اشترى من النائب مثنى السامرائي مطبعة بمئة مليون دولار .
واعترافه بشراء سيارة بنتلي بربع مليون دولار وسيارة مرسيدس بربع مليون دولار .
ويجرح الضمير كذلك اعتراف الكربولي باستحواذه على أربعة ملايين ونصف مليون دولار من خلال الإشراف على بناء مستشفى سعودي ببغداد .
ويجرحه اعترافه باستحواذه وأعضاء مجلس إدارة جمعية الهلال الأحمر على خمسين مليون دولار خصصها للجمعية مدير مكتب ابراهيم الجعفري دون صلاحية تخوله ذلك ، واستحواذه على مبلغ قدمه السفير الكويتي ببغداد .
ويجرحه حصوله على نسب مئوية من مبالغ العقود التي تبرمها وزارة الصناعة ، وعلى نسب مئوية من أرباح الصناعيين .
ويجرحه حصول الكربولي على رشوة هي مبنى قيمته مليون ونصف مليون دولار ليكون مقر قناته الفضائية في عمّان .
إن كان هؤلاء المتهمون جادّين في ادعائهم فليلجؤوا إلى القضاء لمقاضاة ( أبو رغيف )، ولا نظنهم صادقين في هذا الإدعاء .
وهذه الأسماء وهذه المعلومات مجرد أمثلة ، فشبهات الفساد وقرائنه تلاحق قائمة طويلة من الأسماء والعناوين .
كيف السبيل إلى الوصول إلى الأدلة وقول العدالة قولها في هؤلاء ؟.
نرى السبيل الأمثل لذلك في ممارسة الإدعاء العام دوره وتحريكه الشكوى ضدهم بموجب البند الأول من قانون الإدعاء العام ذي الرقم (٤٩) لسنة ٢٠١٧ التي منحته حق إقامة الدعوى بالحق العام في قضايا الفساد المالي والإداري ومتابعتها استناداً إلى قانون أصول المحاكمات الجزائية .
إن سعي هذا الطرف أو ذاك  إلى إهمال هذا الملف ما هو إلا محاولة لحماية فاسدين وتمكينهم من الإفلات من العقاب ، وليس حامي الفاسد أقل منه فساداً .

إرسال تعليق

0 تعليقات