استغلال النفوذ صورة من صور الفساد الإداري والمالي (الأمانة العامة لمجلس الوزراء نموذجا)

مشاهدات

 






الدكتورة راقية الخزعلي



يقصد باستغلال النفوذ الوظيفي، بانه استفادة الموظف من السلطة الوظيفية بصورة غير قانونية او غير مشروعة وفقا لما منح له من صلاحيات اكتسبها وظفها لاهداف غير مشروعة، واسوء صورة له حين يقايض به مصلحة خاصة تعود عليه بالفائدة.
يتخذ الفساد الإداري والمالي صورا مختلفة ابرزها اختلاس المال العام، الرشوة، تجاوز الموظف لحدود وظيفته، فالموظف العام والمسؤول الإداري الذي تناط به مهمة ما، ينبغي ان يكون حريصا كل الحرص على أداء مهامه وفقا لمبادئ العدالة والمساواة.
ويزداد العبء على الموظف الذي يعمل في المجال القانوني سواء اكان قاضيا، مستشارا قانونيا، موظفا حقوقيا...الخ ذلك ان هذا المجال القانوني يجعل صاحبه مؤتمنا عند تقديم الراي او المشورة او اصدار القرارات والاحكام.
فالموضوعية والتجرد والابتعاد عن النزوات الشخصية هي التي تجعل المستشار او القاضي او الحقوقي جديرا بالثقة والاحترام في الوسط الاجتماعي والإنساني، اما اذا تجرد الموظف القانوني عن أي من السمات المتقدمة فانه يصبح عنصرا فاعلا في عملية الفساد والافساد.
وتظهر حالة الفساد واضحة حينما يتولى تقديم الراي او المشورة القانونية بشكل يؤمن حمايته من المسؤولية القانونية ولما يحقق له ولاتباعه او رؤسائه مزيدا من الاعتداء على الأموال العامة والخاصة وذلك بالتلاعب على النصوص القانونية موهما للغير بأحقيتها وصحتها ومصداقيتها وهي ليست كذلك.
ويمكن ان نضرب مثالا على ذلك في المستشار (ن.ش) الذي استغل منصبه الوظيفي لنقل زوجته من الأمانة العامة لمجلس الوزراء الى احدى الوزارات المهمة في الدولة، وتم منحها عنوانا وظيفيا مميزا وقد تمت عملية النقل خلال بضعة أيام قبل انتهاء السنة.
ان مثل هذا السلوك يجعل المستشار المذكور وامثاله غير جديرين بتقديم الراي والمشورة، فبينما يقف عدد كبير من ابنائنا الخريجين وحملة الشهادات العليا في طوابيرالانتظار للحصول على فرصة للتعيين في احدى مؤسسات الدولة، يحقق البعض الاخر مزايا لعائلته مستثمرا بذلك منصبه الوظيفي وعلاقاته بالمسؤولين في الدولة.
ان هذا النمط من السلوك يجب ان يستهجن شعبيا ووظيفيا بقصد تحسين وتطوير أداء الانسان القانوني وجعله اقرب لتحقيق العدالة والمساواة (مستشارا كان ام قاضيا ام حقوقيا).
فضلا عن ضرورة اتخاذ الاجراء المناسب بحق المستشار اعلاه لمنعه من استغلال نفوذه الوظيفي، وقد يكون من الملائم اتباع الاليات الديمقراطية التي تقتضي عدم بقاء المسؤول لفترة طويلة في منصبه الوظيفي لتجنب حالات استغلال النفوذ.
من جانب اخر لو دققنا في جريمة القرن او ما تسمى إعلاميا ب(صفقة القرن) لاكتشفنا مدى استغلال النفوذ الذي وقع من بعض الموظفين والمسؤولين في مصرف الرافدين او هيئة النزاهة او مكتب رئيس الوزراء السابق الذي سهل للمجرمين الحصول على هذا الكم الهائل من أموال الدولة وتهريبها خارج العراق.
مما يقتضي التصدي لهذه الجريمة (استغلال النفوذ) التي ظهرت في ظل النظام البائد وخصوصا بعد العام 1991 وتفاقمت بعد انهيار النظام في العام 2003 وحتى وقوع جريمة القرن ومازالت للأسف في مجتمعنا.
اود الإشارة هنا الى ان قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 قد عالج جرائم الفساد في الباب السادس تحت عنوان (الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة) وجعل العقوبة تتراوح بين الحبس والسجن إضافة للغرامة لمن يرتكب هذه الجرائم.
والواقع من الامر ما ان أعلنت عن عنوان هذه المقالة قبل يومين حتى أرسلت الي العديد من الشكاوى والمظلومية لأشخاص وقعوا ضحية استغلال بعض المسؤولين لمناصبهم ونفوذهم حتى اسلبوهم حقوقهم المشروعة من دون ذنب يذكر بل البعض، يتألم كثيرا من هذا الظلم لدرجة ان المسؤول يتوعده بعدم الحصول على حقوقه حتى تقوم الساعة.
اود أخيرا ان اشير الى قوله تعالى :
"وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ فَدَمَّرْنَٰهَا تَدْمِيرًا" سورة الاسراء، الآية 16
فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته... وسوف تحاسبون يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من رحم ربي.

إرسال تعليق

0 تعليقات