خواطر ..

مشاهدات

 




فائزة محمد علي الفدعم


وصلت الى البيت متعبة بعد ان اخذت جولة طويلة في مدينة بعقوبة لشراء بعض المستلزمات المنزلية وحين جلست لارتاح بدأت زخات المطر تغسل الاشجار وتُسقط بعض اوراقها فتذكرت صورا كثيرة من احداث حياتنا وكيف كنا نتزاور حتى في اصعب الظروف الجوية وشدة الرياح احيانا . فجأة اتصلت بي صديقتي السيدة التربوية راجحة الكرادي للسؤال عن صحتي واحوالي وساقنا الحديث عن ايام زمان وكيف كانت العوائل تلتقي دوما وتتحدث في شتى الامور ونتناقل الاحداث شفهيا كأننا جهاز موبايل وكان هذا التاثير والتواصل يزيد من مشاعر الحب والتعاطف الذي مازال مُستمرا حتى الان بشكل عام ومع بيت ألكرادي بشكل خاص فقد كان اكثرهم من اصدقائي منهم كما اسلفت الست راجحة واختها الست ام نغم واخوات السيد ودود الخياط وهنّ الست وداد ربي يحفظها ( ام علي ) والست سداد وابتهاج اللتان توفاهما الله ..


واثناء المحادثة تطرقنا الى البيوتات القديمة وعادت بي الذاكرة الى احدى مقالاتي السابقة التي ورد فيها ذكر دار السيد لطفي عزت الذي اصبح فيما بعد مدرسة سميت ( الاحداث ) وكانت مديرتها الست بدرية ثم تغير اسمها الى النجاة بعد انتقالها قرب الادارة المحلية مقابل السكة الحديد وكان البيت وقتها واسعا ومميزا فيه باحة كبيرة وسلّم مكون من سبع درجات يؤدي الى حديقة صغيرة ( بقجة) داخل المنجرة . كنت قد كتبت في منشوري المذكور ان للسيد لطفي بنت اسمها وئام وقد سكنوا هذا الدار مدة طويلة والان تحول الى عمارة ( ابو حسن الكرخي ) .. كانت التعليقات على اشدها بين مؤيد ومعارض فقد قال البعض : ان السيد لطفي ليست لديه بنت بهذا الاسم وقد دفعني ذلك الى مراجعة نفسي والتوقف معها متسائلة : هل انا مصابة بالزهايمر والخرف ؟ ..


لكني متأكدة انني لا انسى لاني اقرأ القرآن يوميا والحمد لله ومواضبة على ذلك منذ صغري حتى يومنا هذا ( من قرأ القران لايدخل الخرف جوفه ابدا ) ولكن ( الآية .. فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ ) فانا مازلت اذكر أهل مدينتي وصورهم  تمر امامي كالخيال وتحدثت عنها في اغلب كتاباتي وزارني الكثير من اهلها سواءا الذين مازالوا يسكنون فيها . أو الذين رحلوا الى بلاد المهجر وهم يتواصلون معي عن طريق الماسنجر وهذا يشعرني بالزهو لانني اعرف ان الكثير منهم يثقون بما ادونه ويسأل بعضهم عن مواضيع تخص عوائلهم واملاكهم فانا لا اعتمد على مصادر مكتوبة بل ما اقوله كان واقعا عشته ورأيته وعرفته بنفسي بحذافيره مذ كنت صغيرة وكنت اشعر بالسعادة عند التجوال في ارجاء المدينة مع والدي او والدتي او احد افراد العائلة ولهذا حفظتها شبرا شبرا واعرف العوائل التي سكنتها منذ القدم ومتاكدة من المعلومات التي اكتبها لاني عاصرتها واحسست بعبق اهلها ودروبها وشخوصها منذ ان كانوا اطفالا ولكن للاسف هناك من يُشكك في دقة المعلومات دون تمحيص . لهذا أؤكد ان ما اسطره هو احداث واقعية يقر بها الجميع علما ان العوائل القريبة من بعضها البعض كانت تتوارث اسماء البنات والاولاد تيمنا واعتزازا بعلاقات الصداقة بينهم وقد شرفني والدي واهلي بالاطلاع عما يدور في المدينة حيث كان بيتنا دار تعارف وتلاقي وكانت وئام حينها صديقة ابنة خالي المرحومة التربوية (سورية غناوي ) وكانوا اكبر مني سنا وهي واحدة من ثلاث بنات كان لديهن دراجة هوائية . الاولى هي وئام والثانية دلال صلاح والثالثة انا ..


كانت وئام جميلة جدا وفي نفس المدرسة التي كانت فيها التربوية راجحة كرادي وهي طالبة مجتهدة تصنع لها والدتها شطائر من جبن الكرافت الذي لم يكن يتذوقه الكثيرين . تجهزها لها ولابنة خالي التي كانت بدورها تعطيها لي لان طعم الاجبان لم يكن يعجبها . واذكر كذلك الدار المقابلة لبيت السيد لطفي كانت تسكنها عائلة تسمى ببيت ابو فريد وهو الان مطعم كانت واجهته واسعة مكتوب عليها لافتتات احداها ( انتخبوا نائبكم لطفي عزت ) والاخرى ( انتخبوا نائبكم طلعت الشيباني ) وعندما كانت تخرج الطالبات من المدرسة يمرون من على القنطرة القريبة من مدرسة بعقوبة للبنين المواجهة حاليا لمرطبات الكوثر التي لم تكن مزدحمة كما هي الان . كان بائع اللبلبي ينادي (يالبلبي ويالبلوب وبعانة ترس الجيوب ) واخر ينادي ( گرگري بيع عباتك واشتري) واخر كان يردد (عنبر ورد ميشتري غير الورد) .. تتداخل الاصوات وكل طالبة تذهب الى حال سبيلها الا وئام كانت تقف عند باب المدرسة مزهوة بجمالها اما البنت الثانية فقد كانت اسمها ايضا وئام ولكن والدها يدعى كامل وهي حفيدة السيد صادق ابو جلود ..


ان الله وهبني نعمة كبيرة فمن ذكرياتي القديمة التي افخر بها اني ذهبت في صغري ذات يوم انا والوالد الى استوديو ارشاك لالتقط صورة شخصية وفي فترة مكوثنا لاستلامها لفت انتباهي الصورالموجودة في المكان فاخذت اتمعن بها وكاني في المدرسة اراجع دروسي . كان ارشاك مصور الملوك والامراء والطبقة الراقية وكبار الفنانين وعند خروجنا بدات اسرد لوالدي اسماء اصحاب الصور المعروضة واشكالهم والزي الذي كانوا يرتدونه وكان اكثرها اسماء مميزة . تعجب ابي كيف حفظتها في هذه الفترة القصير . علما ان صور كل اولئك الاشخاص واسمائهم لازلت اذكرها وكانني اشاهدها الان .. احبتي رويت لكم ولاولادكم واحفادكم الكثير مما اعرف لتسعدوا وتعرفوا ايام الهناء التي قضيتها في صغري وبعض تاريخ مدينتكم .. مدينة الجمال والبرتقال

إرسال تعليق

0 تعليقات