السردية الأنثوية والرؤية الأدبية

مشاهدات

 


 

علي النصير

 

شهد السرد النسوي في مرحلة ما بعد الحداثة تحولا دراميا بفعل تطور الوعي الأنثوي، فبعد أن كانت المرأة جارية أو عبد مملوكة في العصور الغابرة غدت المرأة تلعب دورا نوعيا في خلق وعيها المتفرد وبالضرورة الكتابة عن مصيرها في الكون. فالحضارات كل الحضارات كانت أنثوية في البدء قبل التحول الى الثقافة الذكورية. وبذا غدت الرؤية الأنثوية، وعلى وجه التحديد السردية النسوية، تظهر في مقابل طغيان الثقافة الذكورية. لقد حاولت الرؤية الذكورية التغلغل الى الكون الأنثوي للمرأة، كما في كتابات الشاعر نزار قباني، ولكن النسق الشعري لتجربة قباني مع المرأة ظل نسقا ذكوريا. فلم يصف سوى المظاهر الجسدية للمرأة وثيابها ومساحيق التجميل لديها، ولم يقترب من ابعادها الشعورية وقيمها الثقافية ومعاناتها الروحية. لذا كان السرد النسوي الموج الذي يحمل رؤيا المرأة بأسلوب المرأة دون تصنع او تكلف في الطرح الانساني لمشكلات المرأة. فالسرد خاصة الانسان على الارض في التعبير. انه البحث عن هوية المرأة وثقافتها ورؤاها في مجتمعات تكبح هذا التطور العقلي والشعوري والروحي والتي تنظر الى المرأة كائنا هامشيا.
هنا لابد من التفريق بين المرأة الكاتبة الانثى الساردة في الرواية، كما في روايات (غادة السمان واحلام مستغانمي وبتول الخضيري). وغالبا ما يكون الحب والجسد والجنس والرغبة والحواجز الثقافية والدينية من الموضوعات التي تحتفي بها السردية النسوية في فضاءات النقد الادبي. اننا عندما نتكلم عن السرد، فأول ما يخطر في اذهاننا سرد الرواية كونها فضاءا كبيرا لحرية الكتابة.
الكثير يتساءل ما اذ كان هناك فرق فعلي بين السرد النسوي والسرد الذكوري فأحب ان اجيب بصورة مختصرة على ان لا يوجد فرق جوهري على مستوى الفن غير ان هناك فرق بالإبداع بالنسبة للكاتب فما تكتبه المرأة سرد نسوي وما يكتبه الرجل ذكوري الطابع ... وهناك من يرى ان لغة السرد النسوي فيها عواطف متدفقة ومشاعر واهتمامات خاصة بالمرأة. ان لغة السرد الذكوري فيها عواطف ايضا لكنها خاصة بالرجل كالقوة والكبرياء وحب السيطرة. لقد وفق الكثير من الكتاب الرجال الذين كانت النساء بطلات لرواياتهم ووفق ايضا العديد من الكاتبات في تجسيد ابطال روايتهن بالرجال.
احيانا تبدع الكاتبة في وصف الصراع النفسي الحقيقي الدفين الذي يتولد داخل الرجل افضل من الرجل نفسة فتعطي لوحة فنية متكاملة للقارئ والعكس صحيح، حيث نلاحظ ان الادب العالمي قد امتلأ بالروايات التي يكتبها الرجال عن معاناة المرأة ومشكلاتها الاجتماعية فيعتبر عالم المرأة عالما انثويا دقيقا غير منعزل عن العالم الواقعي. تبدع الكاتبة في السرد النسوي عندما تصف المرأة بعمق تفصيلي كبير لعالم المرأة فتجذب المتلقي الرجل قبل المرأة والعكس صحيح. ومن الجدير بالذكر شهد الادب العربي الحديث صعودا ملفتا للرواية النسوية عن ذي قبل، وهذا لم ينتج من العدم انما جاء نتيجة تطور الوعي الانثوي الذي وجد طوال التاريخ والذي لا يمكن تجاهله.
لقد شغل السرد الذكوري بالمظاهر السطحية الشكلية للمرأة، اما السردية النسوية فتبغي الابحار في الكشف عن الهوية الحقيقية للمرأة. ليس هذا فحسب بل البحث عن الرؤى التي من شأنها احداث تحولات في الوضع الانساني للمرأة بوصفها ( الانثى الاصل) كما تقول الكاتبة (نوال السعداوي) في هذا العالم. والكاتبة الانثى تحاول تقديم صورة ايجابية لدور المرأة في تلك المجتمعات التي تحاول الحط من شأنها. ان العلاقة بين (الادب الذكوري والادب النسوي) علاقة غير واضحة المعالم بسبب من تداخل الكتابات من الكتاب والكاتبات في ميدان الكتابة، ولكن الادب النسوي يظل الاقدر عن التعبير عن الرؤية الذاتية للمرأة ومشكلاتها في المجتمعات الشرقية، غير ان الذي يجمع الادب الذكوري والادب النسوي هي الكتابة ذاتها، فن الابداع.


إرسال تعليق

0 تعليقات