[ أنتُمُ، أيا زعماءُ غَوغاءُ ]

مشاهدات

 



    
علي الجنابي

لا ريبَ أنَّكُمُ  أنتمُ الزعماءُ الغَوغاءُ، والمُتَجَشِّمونَ برَفرفةِ راياتِ خَبثٍ وخدعٍ عرجاء، وأنتمُ المُتَعَشِّمونَ بحَفحَفةِ غَاياتِ عَبثٍ وبدعٍ عَوراء. أنتمُ في الشقاق والنفاقِ أنتمُ الخبراء. أنتمُ جميع، ومن كلِّ طائفةٍ، وبلا إستثناء،
وقد عَلِمَ ذلكَ منكمُ الفقراء منّا قبلَ الأغنياء، وفَهمَ ذاكَ عنكم عوامُنا قبلَ الحكماء، وجَهمَ جهلاؤنا عليكمُ قبلَ العلماء.
ولقد أصابَت غوغاؤكم حتى الأغبياءَ منّا بكثير من وجعٍ ومِن جزعٍ ومن إستياء.
أم حَسِبتُم أنفسَكمُ أنَّكُمُ قادةٌ زعماء، أو حكماء؟ فهلّا إحتفى بكمُ في باحةِ قصرهِ مَلِكٌ، أو إكتفى بكمُ في ساحةِ نصرهِ زعيمٌ، أو حاكمٌ من رؤوساء.
أنتُمُ أيا غَوغاءُ، ما تَخَطَّيتُمُ قطُّ على سجّادةٍ حمراء، وما تَمَطَّيتُمُ عليها بينَ زعماء، ولا حتّى مضايف الوجهاء، بأنَّكمُ أذنابٌ معلومونَ بينَ النّاسِ، وأوباشُ وسفهاء،
وأنَّكمُ أجنَّةُ أرحامٍ هوجاءُ وُلدتُمُ، ويرقاتٌ غبراء. أرحامٌ نابَزَت وتنابزُ بمخالبَ نكراء، كلَّ فضيلةٍ في زُبُرٍ تشدو بوفاءٍ وصَفاء، وجاوزَت وتجاوزُ بمثالبَ عوراء، كلَّ رذيلةٍ في دُبُرٍ تعدو بثغاءٍ وبِغاء.
نحنُ لكُمُ نشهدُ أيَا غوغاءُ: أنَّكمُ أجلافُ دروبٍ، وأنَّكم لُقطاءُ، وإنّكم أراذلُ قومِنا، من زاخو بخُضرةٍ غنّاء، الى بصرة بنظرةٍ فيحاء، وأرذلُ أراذلَ كلَّ قومٍ غيرنا في أنحاءٍ، وفي أرجاء، وإنَّكمُ آفةُ رافِدَيْنا، ومَجُّ مائهِ، وداؤه والبلاء،
آفةٌ سرمديّةٌ تَخنُسُ ثمّ تكنُسُ في غفلةٍ من صُبحٍ أو في مَساء. وقد إرتضيمُ أن تكونوا صدى رصدٍ، وقدمَ حقدٍ لكلِّ جندٍ مُعتَدٍ غُرباء.
قدمٌ قد...
تَغَنَّت بإستغنائها من سُبُلِ مسالِكِ الأذلاء،
وتَهَنَّت بإستمنائها من (قُبُلِ) مَدالِكِ الأعداء،
وتَرَنَّتِ الرَفَثَ دواءً لما في صدرِها من خبثٍ وفي الأحشاء، وتَبَنَّتِ الحَنثَ لأيْمانِها في كل نازلةٍ وأنباء، وتَمَنَّتِ العَبَثَ لزمانِ مكانِها والبغضاء.
فذان عقدانِ في بغدادَ بالمُرِّ مَرَّا، وما زالا مُستمرَّا بفسوقٍ ووعثاء، ومازالَ الدّعيُّ فيهما مُتَبَجِّحاً مُلافِحاً بظلالِ (آلِ بيتٍ) طهورٍ وأولياء.
وتراهُ بنعيقِ ثاراتٍ ينعقُ، ويُعمعِمُ بهُنَّ حتّى جبين الخنفساء. وبنهيقِ بيعاتٍ ينهقُ، ويُدَمدِمُ بهُنَّ حتّى عنانِ السَّماء.
ومازالَ مُتَجَفِلٌ ثّمَّ دَعيٌّ آخرُ مثلُهُ معهُ، ومتأرجحاً مُكافِحاً بهلالِ (صَحْبٍ) أجلّاءَ أتقياء. وتراهُ بزعيقِ صيحاتٍ يزعقُ، ويُلملِمُ بهُنَّ فَتَائِتَ موائدٍ في ليلةٍ غبراء. وبنقيقِ تصريحاتٍ يُنَقنِقُ، ويُتَمتِمُ بهُنَّ لنهبِ دنانيرَ عن (مُهجَّرينَ) بُؤساء، وكسبِ ودِّ معتقلين وسجناء تعساء. وإنّما آلُ البيتِ والصّحبُ من كلِّ ذَنَبٍ أجربٍ، ومن كلِّ غوغاءَ بُرَءاؤا.
  ذانكمُ عقدانِ في بغدادَ بالضُّرِ ضَرَّا، وما زالا مُنقَبِضّا، وما زالَ الرَّعيةُ يتخَبَطونَ في حالكٍ من قبيحِ ذرفٍ لشِرعة الغوغاء،
ويتَنطّطونَ في كسيحِ صرفٍ لكهرباء، ويتأبَّطونَ نضيحَ غَرفٍ لماءٍ، وشحيحِ ظرفٍ لنماء، وفصيحٍ حرفٍ في درسٍ أو مجلسٍ، أو في لقاء.
عقدانِ كانَ نهارُهُما نفاقاً ونكباء، وليلُهُما كان شقاقاً وإختباء.
عَقدانِ بالصُّرِّ صَرَّا، وما زالا يُصِرَّا. ومازالّ الغِلُّ فيهنَّ مَحموماً والغباءُ، والسّلُّ مَسموماً والوباء، والكلُّ مَبروكاً على الرّكبِ تحتَ عَمائمَ دجلٍ حَمقاء، ومَهموماً حتّى هاماتهِ بحبكِ البلاءِ وسفكِ الدماء.
عَقدانِ بالضُّرِّ صَرّا وضَرَّا ومَرَّا، فأين عنكم مَدمعُ (آيات) الدين الفقهاء، وأين منكم مجمعُ (كبار) العلماء، وأين عنكمُ فتاوى الجهادِ الغرّاء وقد سَبَتَت في شرنقاتها في دامسِ الخفاء.
عَقدانِ بالمُّرِّ مَرَّا، وما مدحَكُمُ فيهُنَّ شيخٌ نبيهٌ بلطيفِ ثناء، وما صدحَ لكمُ أديبٌ وجيهٌ بعفيفِ نداء، وما فرَحَت شريحةُ الشعراء، ولا نضحَت قريحةُ الخطباء، بلِ...
الجباهُ تفتأُ تَكتَهِلُ بأسىً فوقَ عيونٍ جاحظةٍ ورمداء، وتَكتَحِلُ جفونُ صبيانِها بلوعٍ وروعٍ من بكاءٍ، على (بغدادَ) وما نالَها من سمومِ ريحٍ صفراء، ومن وجومِ وجوهٍ شعثاء سوداء.
والشِّفاهُ تفتَأُ تبتهلُ في آفاقِ الورى وفي الفضاء، وتدعو عليكُمُ بغليظِ قولٍ، وَبوابلٍ من طعنٍ ولعنٍ وفحشٍ، ومن شرٍّ دُعاء.

وعسى رَبُّنا أن يُبدِلَنا بزعماءَ نبلاء غيارى وأصلاء، لا سفهاء حيارى وغوغاء...
إنه نعمَ المجيبُ، وإنَّهُ لسميعٌ للدّعاءِ والرَّجاء.

إرسال تعليق

0 تعليقات