بغداد – د.علي دعدوش
تمهيد
شهدت الاقتصادات العالمية - لاسيما بعد الازمة الصحية - تزايد عمليات الانفاق العام وذلك لتحقيق اهداف اجتماعية واقتصادية ، بالتالي تحقيق الاستقرار في البلاد ، حيث يكون الانفاق موجه ومحدد وفقا للاولويات والغايات الاساسية للسياسة الاقتصادية للدولة .
تلتزم الحكومة بمتطلبات واحتياجات افرادها كافة وبالخصوص الاجتماعية والاقتصادية وذلك من خلال قانون الموازنة العامة ، حيث تكون الحكومة ملزمة بعمليات الصرف ، بحيث لو امتنعت عن الانفاق في مجال معين عدت مقصرة عن اداء عملها ، بالتالي حدوث اختلال في عملية تقديم الخدمات العامة بمختلف انواعها .
أساليب الموازنة العامة
توجد عدة أساليب لإعداد وإقرار أية موازنة عامة في أية دولة، وتختلف فقط في طريقة التوزيع وفق اهتمامات الدولة وخططها في تلك الفترة، لكنها تتفق في الغاية من وراء ذلك وهي توزيع الدخل المحلي للدولة.
فالاسلوب التقليدي للموازنة يعني الاهتمام فقط بالجانب الرقابي في التوزيع لا يوضح ما إذا كانت المصروفات قد حققت الهدف من إنفاقها أم أنها مجرد مصروفات تم سدادها في المكان المحدد وانتهى الأمر على ذلك ، وقد تطور اسلوب الموازنة الى البرامج والاداء ومن ثم الى التخطيط والبرمجة وصولا الى الموازنة الصفرية والتعاقدية .
والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية هي أول من بدأ بوضع موازنة التخطيط والبرمجة في بداية الستينيات، وكانت تهدف بذلك إلى معالجة المشاكل الاقتصادية التي تواجه المجتمع انذاك .
قانون الصرف العام
من الضروري ان لا تغفل الحكومة عن دراسة الانفاق بشكل يحقق الغرض الاساسي لخروج النفقة العامة ، مع ضرورة اخرى لاحاطة الانفاق بالصيغ والاساليب القانونية - بالتوافق مع قانون الادارة المالية - او ضمن بنود الموازنة العامة ، والا فان عمليات الصرف سوف تواجه شبهات فساد بالنتيجة الوقوع في عمليات الهدر في المال العام .
الهدر في المال العام – المخطط وغير المخطط
ان الهدر في المال العام يختلف عن كونه مخطط له ام غير مخطط له ، فالاول يكون عن طريق شخص معنوي عام ليس له معرفة بهدف خروج النفقة او الغرض منها ، وهذا على الاغلب تكون بسبب نظام المحاصصة في تسلم المواقع الادارية .
والثاني ( الهدر المخطط) يكون من خلال شخص معنوي عام ( وزير ، مدير عام .. الخ) يكون مرتبط بالحزب التابع له او غايات شخصية او غيرها ، وبالعادة هذا النوع من الهدر في المال العام يكون منسق وفقا لالية عمل من قبلهم .
وفي كل النوعين او الحالتين فان الهدر في المال العام يؤثر بشكل سلبي على اداء الحكومة او حجم الخدمات العامة المقدمة الى المجتمع بالتالي التاثير السلبي على الواقع الاقتصادي .
الانفاق الحكومي السلبي وريعية الاقتصاد العراقي
في العراق ، وفي ظل ريعية الاقتصاد وعدم الاستقرار في اسعار النفط في الاسواق العالمية خصوصا قبل عام 2021 قد ادى الى ارتفاع العجز في الموازنة العامة مسببا ارتفاع المديونية العامة (داخليا وخارجيا) ، وهذا بالتاكيد جاء بسبب تزايد الانفاق الحكومي السلبي (غير المخطط له) .
وحتى بعد ارتفاع اسعار النفط في الاسواق العالمية وبلوغها نحو اكثر من (100$) للبرميل الواحد ، الا اننا نجد الحكومة (وزارة المالية) لم تقم بعمليات التسديد للديون ، مما يخفف الاعباء المالية عن الحكومة ، حيث قامت باعادة جدولة الديون الداخلية مع البنك المركزي مما سبب زيادة العبء المالي على الجيل الحالي بالاضافة الى الاجيال اللاحقة .
خصوصا وان العراق احد الدول التي تاثرت بشكل سلبي جراء الصدمات العالمية (الازمة الصحية وازمة الطاقة قبل عام 2021) وغيرها ، قياسا بالدول الريعية الاخرى كالسعودية 2- والامارات والكويت ، وذلك لكون هذه الدول لديها صناديق سيادية تعمل على حماية اقتصاداتها من الهزات والصدمات التي تصيب العالم بين الحين والاخر .
الخلاصة والتوصيات
مما سبق نجد ، ان تزايد الانفاق العام بصورة فوضوية قد ولد هدرا واضحا في المال العام ، وفي نفس الوقت ادى الى زيادة حجم الاموال في التداول (زيادة المعروض النقدي) مما عمق من ارتفاع المستوى العام للاسعار ( التضخم ) ، واضعف خطط البنك المركزي في استهداف التضخم والسيطرة عليه .
حيث ان عملية استهداف التضخم والسيطرة عليه تعني خلق استقرار ونمو اقتصادي من خلال توفير بيئة مناسبة لتنشيط القطاع الخاص (قطاع الاعمال) والتوسع بحجم الاستثمارات وزيادة فرص العمل الذي من شأنه خلق طلب اضافي على انتاج السلع والخدمات (مضاعف الاستثمار).
والجدير بالذكر ان ابرز الامثلة على الهدر في المال العام هو عمليات الصرف خارج اطار الموازنة العامة ، بالاضافة الى حجم التخصيصات المالية لوزارة الكهرباء ، حيث ارتفاع رواتب موظفيها بصورة كبيرة قياسا بالخدمات المقدمة ، فضلا عن استيراد الغاز لتشغيل المحطات الكهربائية بالتزامن مع ضعف عدد ساعات التجهيز في البلاد .
ولا ننسى حجم الهدر في وزارة النفط من خلال حرق الغاز المصاحب بكميات كبيرة تصل الى ملايين الدولارات ، لو استثمرت بشكل جيد لكانت رفعت من الايرادات العامة في الموازنة من جهة وخفضت عمليات استيراد الغاز من جهة اخرى وربما الغت ذلك على المدى المتوسط والبعيد .
وهنا ايضا لابد من مكافحة الهدر في المال العام والسيطرة على عمليات الانفاق السلبي ، واقصر الطرق لذلك هو التوجه نحو تغيير اسلوب الموازنة العامة من موازنة البنود التقليدية الى البرامج والاداء على الاقل ، بحيث تصبح عمليات الصرف وفقا لخطط مدروسة تحقق الغاية منها وصولا الى الاهداف النهائية ، حيث يتم تخصيص مبالغ مالية لكل وزارة او دائرة حكومية وفقا لما تقدمه من برامج وخطط وتفعيل الجانب الرقابي من قبل الصرف ( حيث تجرى الجدوى الاقتصادية او الاجتماعية من البرنامج او المشروع) وصولا الى نهايته".
تلتزم الحكومة بمتطلبات واحتياجات افرادها كافة وبالخصوص الاجتماعية والاقتصادية وذلك من خلال قانون الموازنة العامة ، حيث تكون الحكومة ملزمة بعمليات الصرف ، بحيث لو امتنعت عن الانفاق في مجال معين عدت مقصرة عن اداء عملها ، بالتالي حدوث اختلال في عملية تقديم الخدمات العامة بمختلف انواعها .
أساليب الموازنة العامة
توجد عدة أساليب لإعداد وإقرار أية موازنة عامة في أية دولة، وتختلف فقط في طريقة التوزيع وفق اهتمامات الدولة وخططها في تلك الفترة، لكنها تتفق في الغاية من وراء ذلك وهي توزيع الدخل المحلي للدولة.
فالاسلوب التقليدي للموازنة يعني الاهتمام فقط بالجانب الرقابي في التوزيع لا يوضح ما إذا كانت المصروفات قد حققت الهدف من إنفاقها أم أنها مجرد مصروفات تم سدادها في المكان المحدد وانتهى الأمر على ذلك ، وقد تطور اسلوب الموازنة الى البرامج والاداء ومن ثم الى التخطيط والبرمجة وصولا الى الموازنة الصفرية والتعاقدية .
والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية هي أول من بدأ بوضع موازنة التخطيط والبرمجة في بداية الستينيات، وكانت تهدف بذلك إلى معالجة المشاكل الاقتصادية التي تواجه المجتمع انذاك .
قانون الصرف العام
من الضروري ان لا تغفل الحكومة عن دراسة الانفاق بشكل يحقق الغرض الاساسي لخروج النفقة العامة ، مع ضرورة اخرى لاحاطة الانفاق بالصيغ والاساليب القانونية - بالتوافق مع قانون الادارة المالية - او ضمن بنود الموازنة العامة ، والا فان عمليات الصرف سوف تواجه شبهات فساد بالنتيجة الوقوع في عمليات الهدر في المال العام .
الهدر في المال العام – المخطط وغير المخطط
ان الهدر في المال العام يختلف عن كونه مخطط له ام غير مخطط له ، فالاول يكون عن طريق شخص معنوي عام ليس له معرفة بهدف خروج النفقة او الغرض منها ، وهذا على الاغلب تكون بسبب نظام المحاصصة في تسلم المواقع الادارية .
والثاني ( الهدر المخطط) يكون من خلال شخص معنوي عام ( وزير ، مدير عام .. الخ) يكون مرتبط بالحزب التابع له او غايات شخصية او غيرها ، وبالعادة هذا النوع من الهدر في المال العام يكون منسق وفقا لالية عمل من قبلهم .
وفي كل النوعين او الحالتين فان الهدر في المال العام يؤثر بشكل سلبي على اداء الحكومة او حجم الخدمات العامة المقدمة الى المجتمع بالتالي التاثير السلبي على الواقع الاقتصادي .
الانفاق الحكومي السلبي وريعية الاقتصاد العراقي
في العراق ، وفي ظل ريعية الاقتصاد وعدم الاستقرار في اسعار النفط في الاسواق العالمية خصوصا قبل عام 2021 قد ادى الى ارتفاع العجز في الموازنة العامة مسببا ارتفاع المديونية العامة (داخليا وخارجيا) ، وهذا بالتاكيد جاء بسبب تزايد الانفاق الحكومي السلبي (غير المخطط له) .
وحتى بعد ارتفاع اسعار النفط في الاسواق العالمية وبلوغها نحو اكثر من (100$) للبرميل الواحد ، الا اننا نجد الحكومة (وزارة المالية) لم تقم بعمليات التسديد للديون ، مما يخفف الاعباء المالية عن الحكومة ، حيث قامت باعادة جدولة الديون الداخلية مع البنك المركزي مما سبب زيادة العبء المالي على الجيل الحالي بالاضافة الى الاجيال اللاحقة .
خصوصا وان العراق احد الدول التي تاثرت بشكل سلبي جراء الصدمات العالمية (الازمة الصحية وازمة الطاقة قبل عام 2021) وغيرها ، قياسا بالدول الريعية الاخرى كالسعودية 2- والامارات والكويت ، وذلك لكون هذه الدول لديها صناديق سيادية تعمل على حماية اقتصاداتها من الهزات والصدمات التي تصيب العالم بين الحين والاخر .
الخلاصة والتوصيات
مما سبق نجد ، ان تزايد الانفاق العام بصورة فوضوية قد ولد هدرا واضحا في المال العام ، وفي نفس الوقت ادى الى زيادة حجم الاموال في التداول (زيادة المعروض النقدي) مما عمق من ارتفاع المستوى العام للاسعار ( التضخم ) ، واضعف خطط البنك المركزي في استهداف التضخم والسيطرة عليه .
حيث ان عملية استهداف التضخم والسيطرة عليه تعني خلق استقرار ونمو اقتصادي من خلال توفير بيئة مناسبة لتنشيط القطاع الخاص (قطاع الاعمال) والتوسع بحجم الاستثمارات وزيادة فرص العمل الذي من شأنه خلق طلب اضافي على انتاج السلع والخدمات (مضاعف الاستثمار).
والجدير بالذكر ان ابرز الامثلة على الهدر في المال العام هو عمليات الصرف خارج اطار الموازنة العامة ، بالاضافة الى حجم التخصيصات المالية لوزارة الكهرباء ، حيث ارتفاع رواتب موظفيها بصورة كبيرة قياسا بالخدمات المقدمة ، فضلا عن استيراد الغاز لتشغيل المحطات الكهربائية بالتزامن مع ضعف عدد ساعات التجهيز في البلاد .
ولا ننسى حجم الهدر في وزارة النفط من خلال حرق الغاز المصاحب بكميات كبيرة تصل الى ملايين الدولارات ، لو استثمرت بشكل جيد لكانت رفعت من الايرادات العامة في الموازنة من جهة وخفضت عمليات استيراد الغاز من جهة اخرى وربما الغت ذلك على المدى المتوسط والبعيد .
وهنا ايضا لابد من مكافحة الهدر في المال العام والسيطرة على عمليات الانفاق السلبي ، واقصر الطرق لذلك هو التوجه نحو تغيير اسلوب الموازنة العامة من موازنة البنود التقليدية الى البرامج والاداء على الاقل ، بحيث تصبح عمليات الصرف وفقا لخطط مدروسة تحقق الغاية منها وصولا الى الاهداف النهائية ، حيث يتم تخصيص مبالغ مالية لكل وزارة او دائرة حكومية وفقا لما تقدمه من برامج وخطط وتفعيل الجانب الرقابي من قبل الصرف ( حيث تجرى الجدوى الاقتصادية او الاجتماعية من البرنامج او المشروع) وصولا الى نهايته".
0 تعليقات