مغامرة العقل الاولى دراسة في الاسطورة _سوريا وبلاد الرافدين للكاتب فراس السواح

مشاهدات

 





بقلم اسمهان حطاب

لقد جهد الانسان دوما في كشف حقيقة العالم والحياة والبدايات،وشغله الغايات والنهايات،اعتقد ان كل مافي الكون مرتبط بقوانين وقواعد معينة،واعتقد انه حين يتعرف على تلك القواعد يسيطر على الطبيعة المحيطة به واخضاعها لسيطرته وخدمته،استخدم السخر وطقوسه كمحاولات اولى،ليسيطر على الامراض،والقضاء على الاعداء،حتى اعتقد ان هذه القوى السحرية يستعين بأية قوى خارقة او الهية من اي نوع،وبعد تاريخ من التجارب والالم،مع السحر اتجه الى الدين،حيث قوى خفية مسيطرة على مظاهر الوجود،ابتدأت هنا مرحلة جديدةتميزت بالتقرب لتلك القوى واجتذاب عطفها ومودتها،ظهرت الاسطورة اداة للمعرفة والكشف والفهم،وجوانب طقسية تستهدف ارضاء الالهة والتعبد لها.
الفكر الانساني في بدايته لايقف عند حد ما،هناك حركة داىمة ودؤوبة،حتى وصلت الى التفلسف،ظهر سقراط وافلاطون والديانات المسيحية التي هدمت مبادئ قديمة،وجاء الاسلامالذي ارجع اصله الى السماوي القديم،ثم تبلورت المناهج العلمية في مطلع العصور الحديثة،التي انزلت الاسطورة الىمرتبة حكاية مسلية،لكونها تنافي التفكير العلمي السليم.

الاسطورة

منشأها الطبيعة القمر ذلك الجرم السماوي المنير واطواره وتبدل اشكاله كان يوحي لهم بافكار وحكاياتوالشمس لاتقل عن ذلك،الظواهر الطبيعية الفيضان والبركان والزلزال الرعد البرق الصواعق،كل ذلك مثار تأمل وفكر وتفكير عميق ،ظهر في اساطيرهم،اصبحت الاسطورة مقدسة،ابطالها الالهة وانصاف الالهة،احداثها وقائع وليست الا سجل لافعال الالهة،باعتبارها اخرجت العالم من حالة العمى الى معتقد راسخ.
.
.تعد الملحمة نصا من اعظم النصوص التي انتجها الانسان القديم،حيث يفيض بالرموز النفسية والاجتماعية والتاريخية،عبقرية الانسان،خلاصة علم وفكر وفلسفة وفن،في مجالات مختلفة متداخلة ومتآلفة مع بعضها،مجموعة تأملات مترابطة،كان موضوعها الاساس،النشوء والتكوين والبدايات،الوجود انبثق من شكل سابق ،لم ينبثق من عدم،حيث ان ،تعامة وابسو وممو امتزجت مياههم معا،حيث كانت المياه وحدها ولاوجود معها قبل خلق السماوات والارض وتتواجد الاماكن والاتجاهات،حسب الفكر العبراني ،في البدء خلق الرب السماوات والارض،الارض كانت خربة،وكانت الظلمة،كذلك كل النظريات العلمية للتكوين ترفض فكرة العدم،حيث هناك مادة ما،القران الكريم ايضا اشار الى ذلك في اية قرآنية"وهو الذي خلق السماوات والارض في ستة ايام وكان عرشه على الماء"سورة هود.
 
تستمر التفسيرات في اصل نشوء الكون،حيث ان صراع القوى السكونية ،تدخل في صراع،من صراعها ينتج الى الوجود الكون بكل مظاهره،والانسان خلق من دماء الاله كينغو واعطي الحياة ليكدح على الارض ويقدم للالهة طعامها،وبابل ظهرت للوجود لان الالهة بنوها لكبيرهم ( مردوخ).
.
يعتبر انتقال البشرية من المرحلة الامومية الى المرحلة الابوية،من اهم الانقلابات التاريخية الكبيرة،وذلك في وقت الحالة السكونية البعيدة عن التغيرات السريعة التي ميزت المجتمع الابوي،اما الزمن الذي يمثل الحالة الدينامية للالهة الشابة ( ايا)،فهي تمثيل للمجتمع الابوي.صراع بين المغسكر تقودة( تعامة)،وبين معسكر( مردوخ)،حيث ثقافتين متمايزتين،احدهما مركزها المرأة،والاخر مركزه ( مردوخ)،هنا ابتعد الانسان من مرحلة الوئام مع الطبيعة،والدخول الى مرحلة السيطرة على الطبيعة،وهنا بابل بنيت كرمز لشروع الانسان في بناء حواضره

يمكن القول ان تاريخ الملحمة يتوافق مع تأسيس الامبراطورية البابلية الاولى في عهد الملك حمورابي،حيث ان احداث الملحمة تأخذ مردوخ وترفعه من ابن الهة الى سيد مطلق،حيث ينال التقديس والتبجيل،سيرة مردوخ موازية لسيرة الامبراطور البابلي وترسيخا لسلطانه.
تتوافق كذلك الملحمة مع سيادة بابل على وادي ال افدين والمناطق المتحضرة،تتبعها سيادة ثقافية تثبتها،الملحمة نشرت الديانة البابلية،وتثبيتا لمردوخ الها معظما،خصص جزء كبير من الملحمة لوصف مولده وصعوده الى السلطان وصراعه مع قوى الشر.

تأتي الملحمة لبث الروح في طقس قديم بالاحتفال برأس السنة،واعطائه المعنى وتثبيته،عيد الاكيتو الذي يستمر من الاول من نيسان الى الحادي عشر ،الملحمة كانت تتلى كاملة من قبل الكاهن الاعلى،امام تمثال مردوخ بحضور جماهير،يشارك الملك وكبار الكهنة في اتخاذ الادار الرئيسية في التمثيل،مقاطع تنشد واخرى تغنى ومعركة وصراع بين القوى يتجدد،
تعتبر الاينوما ايليش من النصوص الادبية القديمة،وهي الى جانب ملحمة جلجامش وملحمتي هوميروس وبعض اسفار التوراة،ابدع ماانتجه الانسان من ادب،كذلك الصياغة الشعرية الجميلة،والحبكة الروائية فذة،لتصبح سمفونية موسيقية مؤلفة من اربع حركات،عذبة وهادئة وبعضهانغم صاخب حيث يعلو وينخفض،تتجلى فيها اصوات رياح وعواصف وصواعق،تنتهي بشكل عنيف وصاعق يمثل صراع تعامة،وصلاة مردوخ.

التكوين الكنعاني

الكنعانيون سكنوا سوريا الشرقية،واشادوا مراكز حضارية،وحدث تبادل ثقافي مع ثقافات سامية اخرى ،حيث انها دخلت في اساس الثقافة اليونانية،،المعلومات محدودة عن الادب الكنعاني،ومعتمد على مصادر مشكوك في صحتها،اما لكونها معادية للكنعانين او لكونها متأخرة تاريخيا،او انها نقلت على لسان اجنبي وترجمت.الاوغاريتية شديدة القرب من اللغة العربية،يقع على رأس القائمة للالهة الاوغاريتية الاله( ايل) الكبير للالهة ورب السماء.هذا الاله شاع حتى في الحواضر الفينيقية والارامية،ونجد الاله( بعل)، رب المطر والسحاب،حيث هو الاله المقرب لقلوب العباد لارتباطه بمعاشهم،كذلك الالهة المؤنثة( زوجة ايل)،او سيدة البحر.

التكوين التوراتي

ظهور العبرانيين في المنطقة.من خلال ثلاث حركات بشرية اساسية الاولى،هجرة ابراهيم الجد الاول ،من مدينة اور الكلدانية في ارض الرافدين واستقراره في ارض كنعان فلسطسين،الحركة الثانية،تظهر بقيادة يعقوب او اسرائيل ابن اسحق وحفيد ابراهيم،الحركة الثالثة،تقوم بها جموع اليهود الفارين من مصر بقيادة موسى،في اواخر القرن الثالث عشر ق م.
الجموع الجائعة  دخلت ارض فلسطين بعد ان تاهوا في صحراء سيناء اربعين سنة،جزاء خوفهم من دخول الارض اول مرة حيث ارهبتهم الارض بما راوا من نعمة وثروة،رجعوا الى الصحراء،اخبروا موسى انها تفيض خيرا وان فيها مدن محصنة وعظيمة جدا،فيها اناس طوال القامة ونبدو معهم كالجراد،فاتفقت الجماعة بالتذمر من هارون وموسى،بعضهم تنمى الموت في ارض مصر،هنا يغضب الاله يهوة،ويقرر حرمانهم من دخول الارض،التي وعدهم حتى يتطهروا من ادرانهم،وتسقط جثثهم اربعين سنة.
بعد ذلك اتبع العبرانيين سياسة الافناء والقتل،وتم لهم الاستيلاء على فلسطين ووزع القائد ( يشوع بن نون)،خليفة موسى الارض الى الاثني عشر،عاشوا مدة قرنين لايجمعهم نظام سياسي يوحدهم.الى ان اسس شاؤول المملكةالموحدة،خلفه داود وسليمان.انقسمت بعد سليمان المملكة الى مملكتين،اسرائيل في الشمال،ويهودا في الجنوب،وبقي العبرانيين عالة على الثقافات المجاورة،في اوج ازهار دولتهم،ايام الملك سليمان،استعانوا بالحرفيين والصناع الفينيقيين لبناء هيكله المشهور.في عام ٧٢١ ق م قضى صاغور الاشوري على مملكة اسرائيل وسبى كثيرا من اهلها واسكنهم مناطق اخرى،في عام ٥٨٧ ق م  دمر نبوخذ نصرالبابلي اورشليم وانهى الوجود السياسي لمملكة يهودا،بعد ذلك جاء العصر الفارسي ثم اليوناني ثم الروماني ثم الروماني،وتلاشى اليهود كمجموعة دينية في فلسطين.

الطوفان السومري

الاسطورة السومرية تؤسس لاقاصيص الطوفان التي شاعت في المنطقة،حيث يقدم لنا النص الخطوط العريضة لكل اساطير الطوفان اللاحقة في بابل وسوريا وبلاد الاغريق،يشمل ،قرار الهي بدمار الارض بواسطة طوفان شامل.واختيار واحد من البشر لانقاذ مجموعة صغيرة من البشر،وعدد محدود من الحيوانات،وانتهاء الطوفان واستمرار الحياة بواسطة من نجا.
ظهور مدن الى الوجود هي اريدو ،باديتيرا،لاراك،شروباك،تعد من اوائل المراكز الحضرية السومرية،بما ان الالواح فيها تشوه ونقص.نجد الالهة قررت افناء البشر بواسطة طوفان،وبعض الالهة تظهر عدم رضاها،الالهة انانا تنوح وتبكي،واله الحكمة يخرج عن الاجماع،وياخذ على عاتقه انقاذ بذرة الحياة على الارض،يتصل ( انكي)، بالملك( زيوسيدرا)،الانسان الصالح ويحدثه من وراء حجاب،كاشفا عن نوايا الالهة،شارحا له خطة لانقاذ الحياة،يبني سفينة لحمل الزمرة الصالحة وبعض الحيوانات،ثم يكافئه على عمله باعطائه نعمة الخلود واسكانه الارض( دلمون).
ثم ينتقل الكاتب الى شرح  سفر التنين وسفر الفردوس المفقود،سفر قابيل وهابيل،سفر العالم الاسفل،سفر الاله الميت،وتعريف باهم الالهة.
الكتاب شمل تفسير وتمييز بين الاسطورة والحكاية الشعبية والموروثات،ودور الانسان في استمرار الوجود وسير الكون،ومشاركة الالهة في الخلق الاول وانتاج زمن جديد وعالم جديد.ومشاركة الانسان الرمزية في افناء العالم واعادة تجديده، بدايات الاشياء التي لعبت دورا في حياة الانسان والظروف الملازمة لها،الزراعة والكتابة ومارافقها من حوادث،اجاد بوضعها في كتاب مشوق ولغة واضحة ومصادر  ومراجع معروفة.فيها الدقو والوضوح والاقناع

إرسال تعليق

0 تعليقات