العشق الأسود

مشاهدات

 




بلقيس خيري شاكر البرزنجي

 
يتوقف الزمن، وتهب نفحات من أصالة وتراث الياسمين المعربش على جدران وحجارة الآمكنة التي تروى لنا قصصا حكيت بخيوط الألم.. هناك في تلك الحارة الدمشقية سأبوح لكم عن قدري... وكما هو السر القابع في كل قدر هكذا تمشي مشيئة القدر يرسم لنا حياة لانريدها لكنها توضع حملا على اكتافنا..
 
انا ابنة عائلة دمشقية بسيطة من أب وأم وابنتين، نعيش حياة متواضعة طبيعية..
 
كان ابي المعتز بالله الرجل الكبير ، طيب القلب، طويل القامة  ، اشتعل راسه شيبا ،  يعمل بائع للعرقسوس ، وكان دخلنا محدود... اما امي خديجة المرأة الحنونة، قصيرة القامة، ناعمة القسمات ، فكانت تخيط الملابس لنساء الحارة، لذلك كانت النساء تتردد على منزلنا...
كنت انا شيماء البنت الكبرى قد ورثت عن امي قصر القامة وطيبة القلب،  اقوم بواجبات المنزل كلها، بسبب انشغال امي بالخياطة.

ذات يوم.. استيقظت في فجر يوم خريفي مع صوت المؤذن ينادي للصلاة ... صليت الفجر مع ابي وامي، وبعدها اتجه ابي لحديقة المنزل الصغيرة لسقي الأشجار والزهور لتفوح عطور الياسمين تملأ المكان، واتجهت الى المطبخ مع امي لتجهيز الفطور البسيط من اللبنة والزعتر والزيتون والشاي الاسود بالنعناع... ثم ايقظت اختي رقية المدللة الشقية التي تصغرني بخمس سنوات ... وعلى مائدة الافطار وعندما امسكت امي بكوب الشاي وتذوقته وعجبها طعمه بدأت تمدحني وتحسد سعيد الحظ الذي ساكون من نصيبه،
وكان ذلك تمهيد لطرحها موضوع طلب يدي من قبل احدى زبوناتها لأبنها الوحيد، الذي كان يعمل في مصنع نسيج في مدينة اخرى.....
لاحظت نظرات الارتياح على وجه ابي وامي فقد كانا يشجعان زواجي بسبب الضائقة المادية التي نمر بها، ويشعران بالمسؤولية اتجاهنا ويقولان الزواج ستر للبنت، ونحن لاندوم لكم..
وافقت على الزواج على مضض لكي ازيح حملي عن كاهل ابي، وتمت اجراءات الخطوبة والزواج بسرعة ودون السؤال عن هذا الشاب المجهول بالنسبة لي...
وخلال شهر كنت قد تزوجت (عصام) ، وانتقلت للعيش معه في بلدة اخرى بعيدا عن اهلي، كان عصام في اول ايامنا رقيق ومعسول الكلام ورغم ذلك كنت اشعر بأمر مريب اتجاهه، ومن ثم بدأ يتغير وينكشف على حقيقته من سوء الطبع وبدأت اعاني من قلة الاحترام والاهانه والضرب لأتفه الاسباب..
كنت أبذل قصارى.... جهدي لتهدئته والتعايش معه على قدر المستطاع دون ان اشكي همي لأحد...
كان اهلي يزورني بين الحين والآخر.. ولاحظت ان زوجي يتعامل برقة زائدة مع اختي رقية،كانت رقية جميلة تفوقني جمالا، معتدلة القامة ممشوقه القوام واسعه العينين، وشعرها الاملس بسواد الليل....
كان يتحدث معها ويحكي لها النكات المضحكة، كنت الاحظ هذا الامر لكني كنت أسره في نفسي فهي اختي الصغيرة البريئة ولا يمكن ان اشك بها ابداً  ..
في احد الايام وانا احضر الغداء بدأت اراقب عصام يتقرب من رقية لقد شعرت به  وهو يتلاعب بمشاعرها بالابتسامة الحلوة والكلام اللطيف، وبدأت هي ايضا تنجذب له، كان يلمس شعرها الأسود وعندما اراد الاقتراب منها اكثر وانا اراقبهم من نافذة المطبخ، اشتعلت غيظا  وتعمدت إسقاط الصحن من يدي كي أحدث ضجة ولكي ينتبها ويبتعدان عن بعضهما، وانتهت سفرة اهلي وعادوا الى مدينتهم،

وبعد مرور عدة اشهر حدثت عمليات عسكرية واعلن الانتداب الفرنسي على سوريا ١٩٢٠  .. أضطرت عائلتي خلالها للنزوح من مدينتهم   والسكن في منزلي، وقد فرحت بهم لانه ليس لي في الدنيا غيرهم رغم الغصة في صدري وتخوفي من نوايا زوجي تجاه اختي، واكيد عصام لم يمانع في سكنهم معنا لغاية في نفسه اتجاه اختي وكنت أعلم بها ... لكني ضغطت على جراحي ...
وفي ذات ليله نام عصام وابي في العراء وانا واختي وامي نمنا في نفس الغرفة، استيقظت رقية ليلا وذهبت للمطبخ لتشرب الماء... احس عصام بها فتسلل للمطبخ والشوق والهيام يغلبه واصبح قريبا منها اسرع يضمها الى صدره، ماكان من رقية الا ان تنجرف وراء عواطفها، وهي تشعر بانفاسه الحارة المتلاحقة تلسع رقبتها وتثير فيها الشوق لاحضانه، التصق بها وقبلها... واخذها باحضانه وتسلل معها الى قبو المنزل اسفل المطبخ، وعندما اصبحوا في أمان وبعيدين عن الاعين، انساقوا لنزواتهم  و زين لهما الشيطان سوء الفاحشة.. أحسست بأن اختي تأخرت نزلت من الطابق الثاني للبحث عنها في المطبخ الا اني لم اجدها، وتناهى الى سمعي اصوات آهات محمومة في ظلام الليل اتية من القبو.. اتجهت الى القبو بخطوات مترددة  وانا اكذب حدسي وعند وصولي باب القبو وعلى ضوء المطبخ رأيت ويالهول ما رأيت ، منظر لايمكن ان اصدقه، منظر زلزل كياني، اختي وزوجي بحالة تتفطر لها الافئدة من بشاعة المنظر...

بدا قلبي يدق بسرعة ويكاد ينخلع من صدري ثم شقهت وسقطت على الأرض، وغبت عن الوعي، احدث سقوطي جلبة  استيقظ ابي على اثرها، ركض نحوي  يتفحصني... احسا وهما لايزالان بالقبو ان هناك شيء ما يحدث فوقهم... بدا ابي ينادي: عصام.. عصام الحق زوجتك انها في غيبوبة .... بينما كان أبي منشغل بانقاذي تسلل زوجي بسرعه من القبو  الى العراء وأتى للمطبخ.. وهو يصيح :شيماء زوجتي الحبيبة، وبدأ الخبيث بتمثيل دور الزوج المحب... بينما ظلت اختي في القبو مرتبعة لا تدري ماذا يحدث في الأعلى..
ياترى هل ان اختها راتها مع زوجها!؟
وقام زوجي بحملي إلى حكيم الحارة ثم ارجعوني للبيت... قالوا لأمي انه هبوط حاد بالضغط ولا احد يعلم بمصيبتي وماذا اعاني؟ ...فتحت عيني لأرى اختي تبكي بحرقة قربي وانا على سريري.. هل ادعها تبكي على ذنبها وجريمتها أمام الله؟ ام على طعنتها لاختها الكبيرة بسهام الغدر؟ ام علي والديها المسكنين بخيانة الثقة ؟ ...
ورغم اني لعقت جراحي وسكت لكن بقيت نار الحقد والغضب تاكلني...
ولكن كل شئ في حياتنا له ثمن.. بعد فترة قصيرة من الفاجعة حدث امر رهيب لعصام في المعمل وفقد على اثرها احدى يديه...
وبقيت مع هواجسي احدث نفسي :
ياترى هل كانت هذه عقوبه الله لعصام؟  وهل ستتزوج اختي برجل اخر بعد سوء فعلتها؟ ام هل يستطيع امي وابي المسكينين تحمل العار والألم اذا عرفوا بالامر ؟ وكيف سنقضي بقية حياتنا؟..
ان التسرع باختيار الزوج خطأ كبير،، والتخلص من البنت كي لاتبقى حمل على أهلها خطأ اكبر... الذنب ان نرمي بناتنا في أيادي غير امينة... والنتيجة تعيش مرارة زواج تعيس يجلب وبالاً على العائلة كلها.


إرسال تعليق

0 تعليقات