ظاهرة الابتزاز العائلي

مشاهدات



 

محمود الجاف

 

من الظواهر الخطيرة التي انتشرت في الاونة الاخيرة هي جرائم الابتزاز العائلي . فاعداءنا يعرفون ان تخريب المُجتمع يبدأ من تفكيك الاسرة . ولهذا نجحوا في تدمير كافة العلاقات الاجتماعية التي كانت شبه مُقدسة بعد ان الغوا الغيرة من عقول البعض الى الحد الذي اصبح فيه الشرف سلعة تُباع وتُشترى وصار الزوج الذي كان الركن الامن اخطر على زوجته من الغريب . أو الابناء مع والديهم أو العكس . لقد فاق الانحدار الاخلاقي كل التصورات وبتنا نتمنى الحياة في العصر الجاهلي الذي كان العرب فيه يعتبرون المرأة ذروة شرفهم ولهذا تفننوا في حمايتها . فقد كانوا يرضعون الغيرة مع لبان الأمهات . حتى وصلوا الى الحد الذي كانوا يئدون بناتهم مخافة لحوق العار بهم . وأول قبيلة فعلت ذلك هي ربيعة بعد ان نُهبت بنتا لأحد امرائهم فاستردها بعد الصلح وخُيرت بين أبيها ومن هي عنده فاختارت الذي سباها فغضب والدها وسنَّ لقومه الوأد ففعلوهُ غيرةً منهم وقد شاع بعد ذلك .


الغيرة : هي أفكار وأحاسيس وسلوك يحدث عندما يظن الشخص أن علاقتهُ القوية مع أحدِ ما تُهدد من قبل طرف آخر مُنافس قد يكون مُدركًا أو غير مُدرك ذلك ... وعدم الغيرة تمنع صاحبها من دخول الجنة فعن عمار بن ياسر عن رسول الله ﷺ قال : ( ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدا : الديوث والرَجُلَة من النساء ومُدمن الخمر ) قالوا يا رسول الله : أما مُدمن الخمر فقد عرفناه فما الديوث؟ قال : ( الذي لا يبالي من دخل على أهله ) قلنا : فما الرجلة من النساء؟ قال : ( التي تشبه بالرجال ) ... 


ومن نماذج غيرة الحكام على الرعية ما حدث سنة 88هـ مع المُسلمات اللواتي خرج عليهنَّ قراصنة من السند واستولوا على السفينة ولما وصلت الأخبار انهُم في سجن الديبل ولا يُريد الملك الإفراج عنهم ارسل الحجاج إبن يوسف جيشا كبيرا بقيادة ابن عمه محمد الثقفي وفتح البلاد واعاد العباد والسفينة . لكن في مُجتمعاتنا الآن من يتحلى بالغيرة يُسمونهُ . مُتزمت . مُعقد . مُتشدد ! ... رغم ان الذي عندهُ كرامة ونخوة هو الذي يصون بيته وأهله .. 


كان كشفُ الستر وهتك الأعراض وفضح الأسرار لا يترفع عنهُ إلاَّ كل عفيف وما أجمل قول عروة ابن الورد :


وإن جارتي ألوت رياحٌ ببيتها ... تغافلتُ حتى يستر البيت جانبه


أين هؤلاءَ من بعض الشباب الذين يحومون حول الحرمات اليوم . اين هم من الفضائيات التي تعرض المُسلسلات والافلام الماجنة التي حولت المظاهر المُنحرفة الى ثقافة . ان شعوب الجاهلية الحديثة لا تعتبر العلاقات الجنسية غير شرعية ولا الشذوذ رذيلةً . بينما الجَاهليَّةَ القَديمةَ على الرَّغمِ مِمَّا كانَ فيهَا مِن كُفر وضَلال كَانتِ الغَيرةُ فِي ذُروَةِ اهِتمَامَاتِها ويَرْخُصُ في سَبيلِهَا كُلُّ غَالٍ وَنَفِيس . 


اما الان فقد بدأت تطرق الى اسماعي قصص غريبة اتخيل احيانا انها من حكايات الف ليلة وليلة فبعض الازواج يتبادلون نسائهم مع اصدقائهم أو يُصوروهنَّ وهنَّ عرايا ويُهددونَّ بنشرها ويبتزوهنّ مقابل الاموال او يتهمها في شرفها ويدفع الرشى كي يثبت انها زانية من اجل التخلص من المُؤخر والنفقة . بل ان احد المحسوبين على الرجال جاء بصور مُخلة بالاداب لجسم غانية يُشبهُ جسد زوجته وقدمه الى المحكمة على انها صورتها والغريب ان المحامي يُساعدهُ والقاضي كشف الكذبة واعترف بها ومع هذا حكم لصالح الزوج والقصة موجودة اوراقها في المحاكم لمن اراد التوثيق او التحقيق والتدقيق . 


اما الابناء الذين يرمون ابويهم في الطرقات فحدث ولا حرج ويبدو ان الغيرة رحلت مع من هاجروا او دفنت وهي على قيد الحياة كما حصل مع الذين غيبوا حتى اشعار اخر وإنخفضَ مُستواها بشكل مَلحوظ لدى العَديد من الناس حَتى بات الكَثيرون يَعرضون بَناتهُم وَزوجاتهُم في الطُرقات ... ثُم إن النتيجة هي انحراف المُجتمع وفشل الجيل بالكامل فهذه الملابس تؤثر سلباً في الجنسين ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في الحديث ( صنفان من أهل النار لم أرهما بعد : قوم معهُم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يَدخُلَن الجَنة ولا يَجدنَ ريحها ) وفي رواية عند أحمد ( العنوهُنَ فإنهُن مَلعونات ) ... 


ان هذا الحديث يؤكده واقعنا المرير الان وفيه إشارة إلى أن الظلم السياسي والفساد الخُلُقي وجهان لعملة واحدة والإنسان المغموس في حمأة الشهوة المشغول بالنظر الى تبرج النساء لا يتجرأ أن يقول للظالم إنك ظالم ولابد أن يُعاقب بأقوام معهُم سياط يجلدون الظهور والإشارة في الحديث واضحة وذكر هذين الصنفين فيه ليس من عبث ... ألم تسألوا انفسكم يوما ما  السبب الذي يدفع إلى تضييق البنطال بهذا الشكل ؟ بل ويزداد ذلك عند الجنسين يوماً بعد يوم . 


ان الحرية إن لم تكن ضمن الحدود المقبولة اخلاقيا تُصبح إنفلاتا ولهذا يجب الإنتباه إلى اختلاط الصغار بحُجة إنهم لايفهمون وهذه الأزياء التي حولتهم إلى دمى يلعب بها الشواذ في كل ركن أو زاوية . والأخطر من كُل ماذكرت إن من أعلام الساعَة وأشراطها كثرة الشذوذ الجنسي الذي إنتشر بسبب تلك الفاحشة . 


تصوروا ان الولايات المُتحدة الأمريكية ادانت الخميس ( 03 . 02 . 2022 ) مقتل الشاذ جنسياً أزاد دوسكي على يد أخيه في مدينة دهوك وطالبت السلطات بالتحقيق في ما اعتبرته جـريمة وتقديم مُرتكبيها إلى المحاكمة . وأصدرت قنصليتها في أربيل بياناً قالت فيه : إنها تابعت بقلق التقارير الإعلامية التي تفيد بوقوع جـريمة قتـل لما يعرف باسم جرائم الشرف . كذلك نددت القنصلية الألمانية أيضاً ونشرت صورة الشاذ في تغريدة على تويتر وعلقت عليه قائلة : يجب أن تكون كرامة الإنسان مُصانة ولا ينبغي المساس بها . الشذوذ عندهم صار كرامة يجب صيانتها .


وفي حادثة اخرى اشد غرابة . ان طفلا عمره 8 سنوات يخطفهُ عمهُ ويغتصبهُ مع ثلاثة من اصدقائه ثم يقتلهُ في منطقة الوردية في مدينة الحلة . ويُهشم رأسه ويتركه عارياً غارقا في دمه وحيداً داخل منزل مهجور في مكان ناءٍ .


حتى اللصوص ايام زمان كان لديهم غيرة ومبادىء وهذا شيخهم عُثمان الخياط يقول ( ما سرقت جارا قطُّ ولو كان عدوا ولا سرقت كريما وأنا أعرفه ولا خنت مَن خانني . ولا كافأت غدرا بغدر . ويوصي أصحابه قائلا : لا بد لصاحب هذه الصناعة (اللصوصية) من جراءة وحركة وفطنة وطمع وينبغي أن يُخالط أهل الصلاح ولا يتزيّا بغير زيّه !... اضمنوا لي ثلاثا أضمن لكم السلامة : لا تسرقوا الجيران واتقوا الحُرُم ولا تكونوا أكثر من شريك مُناصٍف وإن كنتم أولى بما في أيديهم لكذبهم وغشهم وتركهم إخراج الزكاة وجحودهم الودائع ) 


 


ورد في كتاب البداية والنهاية لابن كثير : أن إمرأة تقدمت إلى قاضي الري فادعت على زوجها بصداقها خمسمائة دينار فأنكره فجاءت ببينه تشهد لها به فقالوا : نريد أن تسفر لنا عن وجهها حتى نعلم أنها الزوجة أم لا فلما صمموا على ذلك قال الزوج : لا تفعلوا هي صادقة فيما تدعيه فأقرّ بما إدعت . فقالت المَرأة حين عرفت ذلك منهُ وإنهُ إنما أقرّ ليصون وجهها عن النظر : هو في حل من صداقي عليهِ في الدنيا والآخرة .. 


 


أينَ نحنُ الآن من هذا السُلوك ؟


 


من اجل انقاذ عوائلنا لابد لنا من إعادة التنظيم التي تشمل كُل شيء في الحَياة بَدءاً من مُراجعة الشخص لنفسه وحَياته والعودة من جديد بعد التعثر والتخطيط للوصول إلى أهدافه وتصحيح الأخطاء ثم إعادة تَرتيب الأسرة وكيانها وأسلوب عَلاقتها ببعضها ونشر الحُب والطمأنينة لينمو الطفل في بيئَة اجتماعية صِحية قادرة على إيصالهِ إلى النجاح وكذلك المُجتمع . الكل بحاجَة إلى إعادة التنظيم وليست الجُيوش فقط ... فكلنا نُخطئ ونتراجع ولهذا تَوَجب علينا البَحث في السلبيات وتَجاوزها والنُهوض والبدء من جديد فمازال لدينا الوَقت الكافي ولو بقي من حَياتنا يوم ... يُمكِنُنا التَغيير .



اللهمَّ إنا نسأَلُكَ الهُدَى والتُّقَى والعَفافَ والغِنَى . وان تجنبنا واهلنا الفَواحش والفِتن مَا ظَهر مِنها ومَا بَطَن . اللهمَّ اجْعلِ الغَيْرةَ في قُلُوبِ رِجَالِنَا والحَيَاء في عقول نِسَائِنَا برحمتكَ يَاأَرحَم الرَّاحِمينَ .

إرسال تعليق

0 تعليقات