الوطنية في فكر الفقيه المقدس الغريفي

مشاهدات




بقلم الباحث السيد ابراهيم الدهش 


لم تقتصر بحوث وكتابات الفقيه المرجع آية الله السيد أبو الحسن حميد المقدس الغريفي على المجالات الفقهية والأصولية ذات التخصص الحوزوي البحت بل شملت جوانب فكرية وعلمية واجتماعية ترتبط ببيان الهوية والثقافة الإسلامية والوطنية بما يؤدي الى تماسك المجتمع وترابطه حيث يرصد السلبيات ويبين الرأي الشرعي فيها ومن تلكم القضايا التي شغلت حيزا كبيرا في العالم أجمع هو مصطلح الوطنية بين من يقبله ويتعصب إليه وبين من يرفضه أو يجعله على هامش الحياة بحيث تكون الرابطة بين بني الإنسان هو الدين ولا شيء غيره من الوطنية والقومية والنسب. 

ومن هنا لابد من معرفة مفهوم الوطنية في فكر الفقيه السيد المقدس الغريفي لكونه من المفكرين الإسلاميين الذي له رؤية محترمة تبتني على الواقع الشرعي في مختلف مناحي الحياة. 

    وعموماً فالوطنية من المفاهيم الشائعة في المجتمعات والأمم والشعوب التي تجعل انتماء الإنسان إلى الأرض التي وُلِد فيها ونشأ وترعرع عليها كانتماءه لأمه لما تتمتع بخصائص وميزات لا يجدها في مكان آخر؛ وهذا ما يُفَسِّر حب واعتزاز وافتخار كل إنسان بوطنه بل تفرض عليه في البُعْد الفطري أن يعقد ولاءه للوطن  بحيث يحفظ حقوقه ومصالحه ويقدمه على غيره من البلدان بل يندفع نحو التضحية بنفسه في سبيل بقاء الوطن وصيانته من التدنيس والتوهين، وهذا لا يخرج عن دعوة الدين لذلك. 

والوطنية مشتقة من الوطن وهو لغة منزل الرجل اي مكان سكنه واستيطانه ويقال للبلد الذي ولد فيه الانسان ونشأ وترعرع بين اسرته وطن. 

الوطن هو ارض لها حدود تتضمن شعب يخضع لنظام ودستور معين. 

ويرى سيدنا المقدس الغريفي دام ظله ان الوطن ( إنَّما يعني المكان الذي ولِدَ فيه الإنسان ونشأ فيه وارتبط به ارتباطاً جسدياً وروحياً وعاطفياً بحيث صار يُنسَبُ إليه في انتماءه وولائه ويُعَرَّف بجنسيته الوطنية في حدودها الجغرافية وعمقها التأريخي مع اشتراكهم في اللغة مما تعارف الناس على ذلك كله بعيداً عن تجزأة وتقسيم الأوطان إلى مواقع مستحدثة صغيرة وضعيفة فرضتها مصالح الاستكبار العالمي وجعلتها في قوانين دولية متجاوزة مساحة الأوطان الكبيرة المتوارثة جيلا بعد جيل 

والمتعارف عليها منذ نشأتها الأولى وإلى عصر المستكبرين المحتلين للبلدان والمقسمين لها وفق خرائط جديدة ما أنزل الله بها من سلطان ).

ومن يتتبع كتب سماحة السيد المقدس الغريفي دام ظله يجد انه يصرح دائما بان الإسلام يعتبر جميع المسلمين أمة واحدة يشتركون بالحقوق والواجبات مهما كان جنسهم أو لغتهم أو البقعة الجغرافية التي تحويهم فإن المسلم في امريكا واوربا يتمتع بنفس الحقوق والواجبات في العراق والبلدان الإسلامية طبقا لقوله تعالى (إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) 

وعليه فمعيار الانتماء الحقيقي والواقعي هو الدين الذي يرجع في روحه الى طاعة الخالق وعبادته. والتي تفرض عليهم الإتحاد في مواجهة التحديات والمخاطر التي تواجه الدين ونصرة اتباعه لان (المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا). فكل ارض تمثل حكم الاسلام هي وطن لجميع المسلمين.

ولكن كل هذا لا ينافي الانتماء إلى البلد والأرض الجغرافية التي ولد فيها لأن الشعور الفطري يقتضي الانتماء الى الاسرة فالعشيرة فالقبيلة فالبلد الذي يحويه ولم يرد في الشرع ما ينافيه ويردع عنه إلا اذا صدر ما يخالف القوانين الشرعية كالاعتداء على حقوق الاخرين بحجة عدم انتماءه إلى الوطن.

ولهذا تجد انحياز كثير من البشر لابناء وطنهم على حساب غيرهم بل نرى بالوجدان غريزة الحنين الى الوطن والشوق إليه متحققة لمن سافر عنه. 

فالوطنية أمر حسن ومحمود اذا كانت بداعي تقوية البلد وصيانة حقوقه بما يؤدي إلى قوة أفراده وساكنيه وعزتهم أمام الأعداء لأن البلد إذا كان قويا فلا شك في انه يعطي لمن ينتمي اليه قوة ومنعة ورفعة وعزة وشموخا امام البلدان الاخرى ومن هذا المنطلق لابد من تقوية بلداننا والسعي الحثيث لتحقيق كل عناصر القوة وسد مواطن الضعف فيها كي تصان كرامة الانسان وتحفظ حقوقه بين البشر وهذه مقدمة لبناء الوطن الاسلامي الاكبر ليسود على العالم اجمع وينتشر نوره على ربوع المعمورة.

ولذا يقول السيد المقدس الغريفي دام ظله : ( نجد الإسلام يُمثل الدين والدولة كنظام متكامل وله رموز قيادية عالمة وعادلة ليستوعب بذلك جميع أبناء الوطن بل وشعوب العالم أجمع في أرجاء المعمورة ، ويحكم بينهم بالعدل والإنصاف ويحترم كل القوميات واختلاف الألسن والألوان ويقضي لأبناء الشرائع الأخرى وفق قاعدة الإلزام أي ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم وبما أقروا على أنفسهم مما يكون حجة عليهم في الحكم وتشريعات الأحوال الشخصية ولا يُصادر حقوقهم وفق الضوابط المشروعة في إقامة طقوسهم في معابدهم وكنائسهم ونيل حقهم في العمل ضمن قانون العمل الوظيفي في الدولة والعيش بحياة كريمة مع حفظهم للنظام شأنهم شأن أي مواطن مسلم يحترم القانون ويحفظ النظام العام).

فالدعوة نحو الولاء للوطن متفرعة عن الولاء للدين؛ لأن الدين يحترم الحقوق والخصوصيات والسيادة والمشاعر ويحرص على ذلك ويبيح الجهاد والتضحية من أجل حفظ الكرامة والعزة والسيادة والاستقلال والعدل، كما يُحَرِّم ويُجَرِّم الخيانة والظلم.

وبعبارة اخرى : ان الدين يحمي الأوطان ويدفع باتجاه المحافظة عليها، وكل ما هو متفرع عن الدين يكون الولاء له ولاءٌ للدين.

إرسال تعليق

0 تعليقات