صفحات من التاريخ الأخلاقي بمصر

مشاهدات

 


د.محمد فتحي عبد العال

كاتب وباحث وروائي مصري

 

 

آفة اصطناع التريندات

نحن من نصنع التريند ونشعل زناده.

لو تركناه لما نما واستفحل وأخذ أكثر من حجمه

حاليا  أقضي ليلي بين أكوام من الكتب والصحف القديمة أعمل على مشروع ثقافي من أجل كتابة سلاسل عن التاريخ الأخلاقي بمصر وبينما أنا أبحث بين جنبات الكتب القديمة  وجدت كتيبا صغيرا يحمل تحذيرا  للمسلمين والمسلمات من مدارس النصارى والمستشفيات !!

دعوة غريبة خاصة أني حينما بحثت عن تاريخ الكتاب والغير مؤرخ في نسخته القديمة في أرشفة بعض المكتبات وجدت أنه صادر عام 1911 .

بالطبع التاريخ يشي أننا في حقبة ليبرالية مفترض أن تتصدى لهذا الفكر الإقصائي لشركائنا وأحبائنا في وطننا العزيز وأن تتعالى الأصوات مثلما نسمع اليوم بوجوب توجيه تهمة ازدراء الأديان .

لكن لك  أن تتخيل ما كانت عليه مصر في عام 1911 عام واحد فقط من تاريخها .

فحينما عدت لأحداث هذا العام تحديدا  وجدتها تقطر أمورا متعاقبة تتأتى  جللاً مزوجاً  وتتضاءل إلى جانبها مثل هذه الدعوات فمصر الخديوية تحت سلطة الخديو عباس حلمي الثاني الذي دخل في وفاق ودي مع الإنجليز ووصول المعتمد البريطاني الجديد هربرت كتشنر  لمصر وكان مشهورا بقدرته على التحدث بالعربية وبساقيه الطويلتين وحوله فيما كانت تعاني الحركة الوطنية المصرية في العام ذاته من التضييق عليها فحبس زعيم الحزب الوطني محمد فريد لمدة ستة أشهر لمجرد كتابته مقدمة لديوان وطنيتي للشيخ علي الغاياتي عضو الحزب كما شهدت مصر أول حادث اغتيال في التاريخ الحديث قبلها بعام واحد وهو حادث اغتيال ناظر النظار بطرس باشا غالي بيد شاب مسلم هو الصيدلي إبراهيم ناصف الورداني وما تبعه من الدعوة لمؤتمر قبطي عام 1911 مما جعل مصر على صفيح ساخن  كما شهدت الجامعة المصرية انفتاحا أكثر على العالم مع توجهها بابتعاث ثلاثة أطفال مصريين إلى إيطاليا مقابل خمسة قروش يدفعها ولي الأمر ليتلقوا كافة مراحل التعليم بأوربا ويعودوا للتدريس بالجامعة المصرية الناشئة .

نعود إلى دعوة المقاطعة مرة أخرى لنعرف من صاحبها ؟

الغريب  أن صاحب هذا الفكر هو شيخ  يدعى أحمد على المليجي الكتبي الأديب النحرير و مؤسس الحزب الخيري وصاحب المطبعة والمكتبة العامرة المليجية بجوار الرياض الأزهرية تصور عزيزي القارىء صاحب بوق سياسي اجتماعي وخلفية دينية ووسيلة إعلامية ويتفوه بمثل هذه الدعوات والتي افتتحها بنظم من الشعر يقول فيه :

"اليكم بني ديني القويم وملتي  .. أقدم تحذيري بقصد الهدية

ولا ارتجى منكم له ثمنا سوى  .. قرائته من بدئه للنهاية

ولكن بامعان وحسن تدبر  .. لما قد حواه من جليل النصيحة"

 

فهل من مدكر  أو مكترث لها أو ثمة ضجيج حولها   ؟!  .

الإجابة لا  ويكفى أن مدرسة راهبات نوتردام ديزابوتر بمدينتي الزقازيق قائمة منذ عام 1882 ولا تزال حتى يومنا هذا تؤدي دورها وموضع احترام وتقدير من الطلاب وأولياء أمورهم .

في المقابل

إذا بحثت عن اسم الرجل اليوم  أو حزبه لن تجد سوى بضعة أسطر على المواقع السلفية المتشددة بعض الشىء لا تعطيك معلومة تاريخية موثقة أو ذات فائدة تذكر عنه أوعن حزبه المغمور أو حتى تاريخ هذه الدعوة بدقة  وإذا بحثت عن تداعيات  دعوته هذه لن تجد معارك فكرية قامت حولها أو حتى مجرد التفات لها  .

بالطبع هذا الكتاب ليس الأول في هذا المذهب فقد سبقه كتاب (إرشاد الحيارى في تحذير المسلمين من مدارس النصارى) للشيخ يوسف النبهاني والصادر عام 1904.

الخلاصة لابد وأن نضع الشىء في حجمه الصحيح كي نحمي نسيج المجتمع من التشرذم والحمية الزائدة والتعارك حول مالا فائدة منه أو نفع أو نتيجة  والمثال على ذلك تضخيم مسألة ابراهيم عيسى وانتقاده لقراءة القرآن في الصيدلية وأن يكون للمرجع العلمي والفيلم الوثائقي الأولوية للصيادلة جعلت من اللا قضية قضية فمن منا لا يفتتح أو يختتم يومه بالقرآن فهل نحتاج في ذلك لمن يأمرنا أو ينهانا أم نفعل ذلك من قبيل التقرب إلى الله؟! .

لذا أتمنى ألا نرفع من   قيمة تصريحات غير مسؤولة لبؤرة الأحداث مع أن مآلها الصحيح هو التجاهل وسيغمرها التاريخ وتبتلعها رياح النسيان .

أعيدها مرة أخرى تجاهل هذه المسائل هو الحل وهو  الكفيل بالقضاء عليها ولا ننسى حكمة قول الله عز وجل (فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال).

إرسال تعليق

0 تعليقات