معركة جالديران

مشاهدات




محمود الجاف




كُلما قرأتُم التاريخ تأكدَ لكُم أن الأيام تَدور أحداثها ليَعود نفس العَدو والضَحية والسبَب هو إننا لم نأخُذ مِنه العِبَر وَلنتأكَد إن المُسلمين اختُرِقوا ومُزقَ تُراثهم المَجيد وَمنهُم الأكراد الذين صَوروهُم على انهم جُند الفُرس وَمَواليهم رَغم إنهُم مِن الشُعوب التي ساهمَت في الفُتوحات وَقاتَلت في سَبيل الله وَاليكُم المَعركة التي شابَهَت ظُروفها الوَضع الحالي نَسأل الله أن تُعاد وَيعود مَعها عِزُ الإسلامَ وَأهلَه .


وقَعت في 23 أغسطس 1514 م في المَنطقة التي تقَع بين الحُدود التُركية الإيرانية في المَناطق الكُردية بينَ قُوات الخِلافة العُثمانية بقيادة السُلطان سَليم الأول والصَفويين بِقيادَة الشاه إسماعيل الذي اندَحَر وتمَت السَيطَرة على عاصمَته تَبريز وإيقاف تَوسعهُم وأصيبَ الشاه وهَرب تاركا كُل ما يَملكُه ومنهُم زوجتهُ بَهروزة خانم التي وقَعت في الأسر وَزَوجَها السُلطان لأحَد جُنودهُ .



حينما فَرضَ إسماعيل الصفوي فِكرهُ الضال على الشَعب الإيراني وأعلنهُ مَذهبًا رَسميًّا لاقى رُدود أفعال عَنيفة خاصَة أن كَثيرًا من سُكان المُدن الرَئيسية مِثل تَبريز كانوا من أهلِ السُنة والجَماعة فقام باستِمالة قبَائل القزلباش التُركية العَلَوية المَذهَب إلى جانبهُ وجَعلهُم عِماد جَيشه واعتَمد عَليهِم في القَضاء على مُعارضيه وفَرضَ دينهُ الجَديد بِالقُوة فَقضى على دَولة ( آق قويو نلو ) التي كانَت تُشكلُ حاجِزا بَينه وَبَين العُثمانيين وباتَت الدُويلات الكُردية والقبائل التُركية في جبال طوروس الصُغرى والأقليات المَسيحية في أرمينية كُلها مِن مُمتلكات الشاه حَسَب ادعائهُم واحتلَ بَغداد عام 1508 م فهَدم ما كانَ فيها مِن قُبور أئمَة المُسلمين السُنة وذبَحَ عُلمائهُم .



جمَع السُلطان سَليم الأول رِجال الحَرب والعلَماء والوزراء في مَدينة أدرنَة في (19 من محرم 920 هـ 16 من شهر مارس 1514 م ) وشَرحَ لهُم خُطورة إسماعيل شاه وكَيف اعتدى على المُسلمين في وسَط آسيا والهند وأفغانستان وكيف يَجب الذَب عن إخوانهم ولهذا يَرى ضَرورَة الجِهاد ضِدَ الصَفَويين ولم يَجد صُعوبة في إقناعِهم وخَرج بَعدَ 3 أيام بَعد أن أوكَلَ أمرَ إستانبول لابنهُ سُليمان وتَحَرك على رأسِ جَيش يبلُغ عدده 140 ألف مُقاتل مِن مَدينة ( أدرنَة ) في 22 من مُحَرَم 920 هـ 19 مِن مارس 1514 م وسار نَحوَ أرضروم فبلغَها في 13 من جَمادى الآخرَة 920 هـ 5 من أغسطس 1514 م وقد تبادلَ مَعَ الشاه إسماعيل عِدة رسائِل ففي 23 مُحرم 920 هـ المُوافق 19 مارس 1514 م أرسلَ رسالَة بِالفارسيَة مِن إسكدار ثمَ رسالة أخرى بنفس اللغة أيضا مِن ازميد في شَهر صفر 920 هـ إلى الشاه مَفادها  :



( علماءُنا وَرجال القانون قَد حَكَموا عَليكَ بالقَصاص يا إسماعيل بصِفتِكَ مُرتدا وأوجَبوا على كل مُسلم أن يُدافع عن دينهُ وقبل أن تبدأ الحَرب معكُم فإننا ندعوكُم لحظيرة الدين الصَحيح قبل أن نُشهر سُيوفنا وَزيادة على ذلك يَجب عليك أن تتَخلى عن الأقاليم التي اغتصَبتها مِنا ونحنُ حينئذ على استِعداد لتأمين سلامَتك ) وأرسل مع رسالته خِرقَة ومَسبحَة وكَشكولا وعَصا فَكان ردُ إسماعيل الصَفوي بأن أرسلَ إليه هَدية عبارَة عن عُلبة مِن الذهَب مَليئة بالأفيون قائلا : أعتقد أن هذا الخِطاب كُتبَ تحتَ تأثير المُخدِر .


بَدأت عَمليات الاستِطلاع بَينَ الطَرفين وَبدأ السُلطان سَليم بالتحرُك وعَسكرَ عَلى مَقربَة مِن جالديران وَوصلتهُ الأنباء التي أتت بها عُيونه وجواسيسهُ تقول : إن الشاه لا يَنوي القِتال وإنهُ يُؤخرُه إلى الشِتاء كي يَهلك المُسلمون بَردا وَجوعا فأسرَع بالمَسير إلى جالديران بَعدما علمَ أن الشاه على وشَك الوُصول إليها فوصَلها في أغسطس 1514 وسيطر على المَواقع الهامَة واعتلى الأماكِن المُرتفعَة فيها . وفي صَبيحة يوم الأربعاء 2 رجب 920 هـ الموافق 23 أغسطس 1514 م كان الطَرفان قد أعدا العُدة للحَرب واصطَفا استعدادا لبدء المَعركة .



وما إن أُعلنَت ساعَتها حَتى هَدرت المَدافع وتَعالت أصوات الجُند مِن كِلا الفَريقين وبَعد مَعركَة حامية الوَطيس انتصَر فيها جُنود الخِلافَة وانكَسَر جَيش الشاه وَسَقَط أقوى قادته محمد خان صَريعا في أرض المَعركَة وَوقع الكَثير منهم بالأسر وَجُرحَ الشاه في ذِراعهُ وفرَ مَن المَعركة مُتجها صَوب تَبريز بَعدَ أن أنقذهُ أحد ضُباطهُ من الأسِر مِما حَدا السُلطان بأمر قائدهُ بتعقبه الأمر الذي جَعلهُ يترُك تبريز ويلوذُ بخوي . وقد كان للمُقاتلين الأكراد دَورا مُهما فَقد تَركوا الجَيش الصَفوي وَقاتلوا مَع جَيش الخِلافة بِسبَب انتمائِهم الديني ولهذا مَنحهُم السُلطان سَليم الحُكم الذاتي واعترفَ بإماراتهِم .



دخلَ السُلطان مَدينة تَبريز بِتاريخ 16 رجب 920 هـ واستولى على خَزائِن الشاه وبِسبَب قلَة المُؤن لدَيه وخُلو المَدينة من الأطعِمة لجَيشهُ الضَخُم حيثَ أحرقَ الجُنود الهاربين مِن المَعركة بأمر الشاه جَميع المُؤن والأرزاق والمَحاصيل الزِراعية في المَدينة وضَواحيها ثم حُلول فَصل الشِتاء عَليهِم وعَدم وُجود الألبِسة المُلائمة لجُنده لِذلك قَررَ إخلائها بَعد أسبُوع مِن تَحريرَها ناقِلا مَعهُ آلافا مِن أبرَز تُجارَها وَحِرَفِييها وَعُلَمائها إلى الأستانَة وَكانَت تلكَ عادتهُم في كُل بَلدَة يَحتلونَها .



وتَرتبَ على انتصار سَليم الأوَل نُهوض رُؤساء كُردِستان لمُساندَة العُثمانيين وأعلَنوا وَلاءهُم لهُ فعَقَد السُلطان مَعهُم اتفاقية صَداقة وتَحالُف وذلك بِفضل جُهود الشيخ إدريس البدليسي والذي نُصِبَ كَمُفَوض للإدارَة الأهلية بِتلكَ الأقاليم .

إرسال تعليق

0 تعليقات