قبل أن يأتوا بشيء اسمه: البطاقة الزراعية الذكية

مشاهدات

 



د. سحر أحمد علي' الحاره


[زرعٌ ليس له غلة لايصنع دقيقاً]

تُعدّ الزراعةُ العاملَ الرئيس في تشكّلِ الجماعاتِ البشرية، واللّبِنة الأولى في نشوء الأمم واستقرارها، وما تزال الزراعة حتى الآن هي الضامن الحقيقي لاستمرار الحضارة الإنسانية، بل ومايزال الاستثمار فيها هو السائد مهما ضَعُفَ الاقتصاد في دولةٍ ما، أو ضَعُفَت القوة الشرائية فيه.

وحتى الدول الصناعية الكُبرى حين اتجهت لتطوير قِطَاعِها الصّناعي كان ذلك مُوازياً في اهتمامها لتطوير القِطَاع الزراعي والاستثمار فيه، وللأسف معظم دول العالم الثالث حاولت الاهتمام بالصناعة تقليداً للدول الكبرى على حساب دعم القِطاع الزراعي، فخسرت الاثنين معاً!

وأن تأتي متأخراً خيرٌ من ألّا تأتي أبداً، فحريّ بنا ونحن في هذه المرحلة الصعبة أن نعودَ إلى الصواب، ألم يحنِ الوقتُ بعد للعودة إلى الأمام؟ إلى الصّواب؟ نحن بلدٌ زراعيّ، غنيّ بتنوّع التضاريس فيه، كالسهول والهضاب والمرتفعات والجبال والوديان، وفيه مختلف أنواع الترب...الخ

فلماذا انعكست هذه الأزمة على مُنتجاتٍ زراعية محلية؟ منتجاتٍ لا علاقةَ لها لا بحربٍ ولا بحصار؟

وما هي العوائق؟ وما هي الحلول؟

أصدقائي: 

لا يستطيعُ أحدُنا أن يدّعي أنّ لديه الحلولَ السحرية ليدلَّ عليها، أو أنّه يعرف نُقَطَ الضّعف كافة فيشير إليها، بل كلّ منا يحاول أن يُقدمَ ما يستطيعه من استقراء لما حدث، واستبصار لما يحدث، واستشراف لما قد يحدث.

بل ولعلّ مَهمّةَ العودة إلى الصّواب حالياً لا يكفيها قراراتٌ من الحكومة فحسب، بل هي بحاجةٍ أكثر من أيّ وقت مضى إلى وعيٍ واهتمامٍ من الأطراف كافة.

وإذا كان لكلّ منا أن يقدم وُجهة نظره في بعض الحلول، فإني أرى أن مستقبلَ الزراعة في شرقنا -وليس في بلدنا الحبيبة سوريا فحسب- مهدّدٌ بكارثةٍ عقيمةِ الحلول، وذلك إنْ لم يكن هناك حافز لشباب اليوم، الذين اهتمامهم الحالي -للأسف- ينحصر في الظهور الوظيفي عبر مَأْسَسَةٍ عقيمةِ الجدوى من حيثُ الفارق بين الدخل والقدرة الشرائية! وكذلك اهتمامُهم بحلول يبتغونها عبرَ الظهور الفني، والتي مهما يكن منها فهي حلولٌ فردية، وربما ذاتُ حدين، سواءٌ على المستوى الفردي أم الجمعي!

فهل يفهم جيلُ الشباب ذلك؟ 

وما دورنا؟

صديقاتي وأصدقائي الكرام:

نعم، نحن أحوجُ اليومَ من أيّ وقت مضى لنشرح لأولادنا قيمةَ الزراعة، فكيف إذا كانتِ الزراعة في أرضهم؟ أرضِ آبائهم وأجدادهم! فنسعى بهم إلى محبة الأرض، ومحبة العمل في هذه الأرض، هي أرضُهم، وهي ملاذُهم من فقرِهم، ومن كونهم عاطلين عن العمل، أو عاطلين عن مجاراة الحياة العصرية!

ربما مَهمّتُنا ستكون طويلة وشاقة، وبخاصة بعدما لاحظنا مؤخراً أنّ عدداً كبيراً من العائلات الشابة اختارت النزول والمكوث الدائم في المدينة بانتظار فُرصِهم الوظيفيّة الأجدى على حدّ زعمهم! وذلك كما الغريقُ يتعلّق بقشة؟ قشة العمل الوظيفي!

وبرأيي الشخصي هناك طريقةٌ توفّر للشباب العاطل عن العمل فُرصاً مختلفة وبرواتب وحوافز مغرية.

إنّ الإهتمامَ في تأمينِ أراضٍ واسعة في كل قرية أو مدينة له دورٌ كبير وفعال في استقطاب أكبر فئات الشعب من عمال، مروراً بالمزارع العادي، وصولاً إلى المزارع المهني، وذلك كفيل بتعزيز الاقتصاد نوعاً وكماً، وبتخفيف ما يُسمى بالبطالة النفسيّة، فمعظم شبابنا يحجمون عن الأرض لأسباب نفسيّة! 

كما أنّ الحثّ على توفير الأرض لهؤلاء يترافق مع زيادة أهمية فرص العمل لديهم، ولغيرهم، والتي تساعد على تخفيف الأزمة من ناحية عامة، وعلى اكتفاءٍ ذاتيّ للدولة من ناحية أُخرى، وعلى تخفيفٍ لظاهرة هجرة أهل الريف إلى المدينة من ناحية ثالثة، والتي ماتزال مستمرة للأسف!

ومن الحلول أيضاً، وبِخاصّة لسكّان المدن، وكل بحسبما يستطيع، أن يتجهوا إلى ما يُشبه الاكتفاء الذاتي، فحتى شُرفات المنازل نستطيع أن نضع فيها صناديقَ من الفلّين المضغوط، ونملأَها بالتُربة، ونزرعَ فيها ما نحتاجه من الخضار اللّازمة، فكيف بِمَنْ يسكن بالقُرى ولديه المساحات!

وأمّا ما يجب على الحكومة، فهو كما ذكرنا: التّمكينُ لمزارعِي الريف، وتوفير مستلزماتهم من أدوات وبذور ومبيدات وأسمدة ووقود ومياه..الخ

وأنادي نحن! أنتم! سواءٌ في الريف أم في المدينة، وقبلَ أيّ نداءٍ، ربما نتيجتُهُ الصّدى لمن في كراسيهم عاجزين عن الحلول! 

نعم:

نحن،أنتم، ياشبابَ اليوم، أبناءَ الشمس! دعوا أمَّكم الشمس تبتسم، والحزن ينهزم ، ولنبدأ من حكايةٍ شروقُها مع سواعدِكم الطّاهرة. ولنبدأ الزراعة!

وفي كلّ ذلك الإتكال على الله من قبل ومن بعد، ومن بعد الأخذ بالأسباب:

قوله تعالى في القرآن:

"[أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ"]..

وقوله تعالى في الكتاب المُقدس:

[هُوَذا الزارعُ قَدْ خَرَجَ لِيَزْرَع]. آمين


إرسال تعليق

0 تعليقات