قَلائِدٌ مِن كَبَاب

مشاهدات



علي الجنابي


(سطورٌ من كتابي؛ " صديقتي النّملة")..


تخَمَّرَ المساءُ بخِمارٍ من سَوادِ حالكٍ, لِيَتَذَمَّرَ كلُّ مَن لغيرِهِ أساء في زقاقٍ سالك، ولتَتَنكَّرَ النساءُ بمَخْدَعِهنَّ بأحمرِ رداءٍ هاتك. 

لكنَّ نداءً هاتفيّاً تفلَّتَ من ذاكَ الخِمارِ الماسِك، كانَ إتصالٌ من ذي رَحِمٍ مُتبارِك، ليطمَئنَّ عنّي في زمانِ مُتَشَكِّكٍ شائِك, وليَستدينَ مالاً بِنعومةِ حرفٍ مُتَضاحِك. وقد بادرتُهُ أنا:

" ماليَ أراكَ يا ذا رَحِمٍ مُتَهَتِّكاً، فما لَكَ! فماليَ دوماً كان ويكونُ هو مالَكَ، وكلانا لما نملكُ يوماً من مالٍ مالِك. أقولُ ذلكَ كيلا أضطرَّهُ لتوسلٍ وإلتفافٍ ماحِك, فلا موجبَ لنفسٍ أن تتذلَّلَ لأجلِ دينارٍ دَوّارٍ وفي الخزائنِ دالك. لا مالِكَ لمالٍ إلّا مَن كانَ به مع غيرِهِ مُتَشارِك.   غير أنَّ في نفسِي قَدْحاً برَيبٍ مُرتَبِكٍ مُتَدَارِك؛ كيفَ عَلِمَ ذو رحمِي أنيَ ذهبتُ بِذَهَبٍ أحمِلُهُ بفؤادٍ مُتَماسِك، فَبِعتُهُ في سوقِ ذهبٍ مُلتَهبٍ متراقصٍ مُتَماحِك؟

 وإذ سَلَّمتُ تاجرَ ذَهَبٍ؛ شيخٌ وقورٌ بياضُ ذقنِهِ وحياضُ مُحَيّاهُ مُتَشابِك، وإذ كلانا قعودٌ في دكّانِهِ وعلى وَثِيرٍ من أرائك، فسَلَّمتُهُ حُلِيّاً فسَلَّمَها من فورهِ لحفيدٍ له خلفَهُ واقفٌ مُتواعِك، وإذ بالشّيخِ ينطلقُ معيَ سامراً عن شؤونِ زماننا المُتهالك..

كانَ الشيخُ كلمّا عَدَّ بيدِهِ الدنانيرَ بترقرقٍ، إستَعَدَّ وهجُ تنانيرَ فؤادي لتسلُّمِها بقَبَسٍ مُتَفَتِّق، لكنِ الشيخَ في غمرةِ سَمَرِهِ غارقٌ فمغَرِّبٌ تارةً وتارةً مُشَرِّق، والمبلغُ كبير، والبلدُ مُضطَرِبٌ بوجومٍ ومُتَأرِّق. وأخيراً..

 أفاءَ الشيخُ عليَّ بعُشرِ الثّمن، وشاءَ إرجاءً لمابقي بعصرِ غَدٍ مُتَعَلِّق، ثمَّ قاءَ بدفترِ (شيكاتٍ) لأكتُبَ رقماً كضمانٍ مُتَحَقِّق. ضَدَدتُهُ بإعادةِ حُليِّ لي وتركِ (شيكٍ) مُتَشَدِّق، رَددني بأنّ ذَهَبيَ الآن في المعملِ مُتَفَرِّق! رمَيتُ بدفترِ شيكاتهِ وحَميتُ وطيسي بتَبَسُّمٍ مُتَدَفِّق: "لستَ مضطرّاً ياشيخ لهكذا تَصرّفٍ مُتَسَلِّق، موعدنا عصرَ غدٍ وإنَّما العصرُ لآتٍ ومُتَدَفِّق "؟! 

ومَرَّ اليومُ عليَّ بلا قلقٍ مُتَخَندِّق، لوما لهيبُ نَارٍ مُتَطَرِّق، سَعَّرَهُ زملاءُ العملِ تحت قدمي المُتَزَحلِق، وأنَّ الذَّهَبَ (ذَهَبَ مع الرّيحِ) على بساطٍ مُتَحَلُّق، وكانَ قلقُ الوالدةِ هو القلقُ الأكبر المُتَعَرِّق (رحمَها الرحمن)، وفؤادُها هو الفؤادُ الأغبرُ المُتَخَرِّق،  فقد تَخَرَّقَت منها تقوىً لنصفِ قَرنٍ وإيمانٌ مُتَوَرِّق، ولولا مُضغةُ ثقةٍ بسابقِ تَصَرُّفاتي للسَعها هلاكٌ لشهيقِها مُتَشَوِّق، فَرَبَطتُ على قلبِها بضحكٍ مُتَمَلِّق.

  قد جَعلوا رفاقي يَوميَ يَعدلُ قرناً من زمنٍ مُتَزَنّدِق، لكني واللهِ كنتُ من نصحِهم مُستَهجِناً بِتَخَلُّق! "مابالُ دُنيانا يَبَسٌ! ونبذَت حُسنَ ظَنٍّ مُتَنَشِّق مُتَصَدِّق "! 

وأقبلَ عَصرٌ بعيدٌ عنهم وهو منّي قريبٌ مُتَعَشِّق، وما إن وَلَجَ ظِلّي دكّانَ الصائغِ المُتَمَنطِّق، حتى دَلَجَ الشّيخُ مُرتَجِفَاً بِتساؤلٍ مُتَشَوِّق مُتَرَقرِّق؛  

" قد قتلنيَ أرقي ياعَمُّو بقلقٍ مُتَعَتِّق! أتتركُ كنزَكَ دونَ ضمانٍ ولارقمَ هاتفٍ، ولاعنوانٍ مُتَحَقِّق"! رددتُهُ ؛ "لاعليكَ ياذا شيبةٍ مُتَمَنطِّق، قد تَفَرَّستُ وجهَك، فرَسَيتُ بأنّكَ لستَ بلصٍّ مُتَحَذلِّق، معَ جرعةِ ثقةٍ بإعادةِ حَقِّ لي في بطنِ نَجمِ الشَّعرى مُتَعَمِّق، ثمَّ أنّ نظرَ النّاسِ ينكبُّ على البضاعةِ إذ يتبضعونَ بِتذَوِّق، ونظري أنا ينصَبُّ على وجوهِ تجّارِها إذ أتبَضَّعُ بِتأنِّق، فالبضاعةُ في المتاجرِ  واحدةٌ، لكنَّ وجوهَ التّجارِ مختلفةٌ بتزوَّق".

ضَحِكَ الشّيخُ وأقسَمَ ألّا دنانيرَ عندهُ، حتّى..

نَفترسَ سويةً وجبةَ كَبابٍ دسمةٍ بارقةٍ بتَأَلُّق، وجبةٌ يَعدلُ ثمنُها ثمنُ ذَهَبٍ بِخرقَةِ جدتي مُتَشَرنِق.

ثمَّ صَرَّحتُ في صباحٍ لاحقٍ، لناصحٍ مُتَأَنِّق؛ " إفتراسُ الكبابِ ياصاح لايَستَوجبُ إلّا أنيابَ فِراسَةٍ، ولايَستَحَلِبُ الأسباب بِتَحَذلُق، فإن أنتَ إشتهيتَ كباباً مجاناً ومُتَفَستق (؛بفُستق)، فَبِعْ ولو خاتماً بآجلٍ غيرِ مُستَوثِق، شرطَ فراسةٍ ورباطة جأشٍ، وأن تُخفيَ الأمرَ كلَّهُ عن فؤادِ أُمِّكَ وبتَعَمُّق. 

تلكَ روايةُ حقٍّ من أرضِ واقعنا المُتَمَلِّقٍ المُتحذلقٍ، وإنما نحنُ بأيدينا مَن رمى بالواقعِ في قيعةِ التَمَلِّقٍ والتحذلقٍ والتَشَدُّق، مع الأسف فلنتأمَّل جمالَ محمد إذ ينادي؛ (هَلُمُّوا إِليَّ . فأَقبَلُوا إليه فجَلَسُوا ، فقال : هذا رسولُ ربِّ العالمِينَ ؛ جِبريلُ نَفَثَ في رُوعِي : إنَّه لا تَموتُ نفسٌ حتى تسْتكمِلَ رِزْقَهَا وإنْ أبطأَ عليهَا ، فاتَّقُوا اللهَ ؛ وأجْمِلُوا في الطَّلَبِ ، ولا يحْمِلَنَّكم اسْتِبْطاءُ الرِّزقِ أن تَأخذُوهُ بِمعصيةِ اللهِ ، فإنَّ اللهَ لا يُنالُ ما عِندَه إلا بِطاعتِه). 


  alialjnabe62@gmail.com

إرسال تعليق

0 تعليقات