لماذا سقط النظام الملكي في العراق؟

مشاهدات



د. محمد مظفر الادهمي


لاشك ان المجزرة التي ارتكبت في قصر الرحاب صبيحة يوم 14 تموز 1958 بقتل الملك الوديع الشاب فيصل الثاني وعائلته ، تمثل جريمة بشعة ضد العائلة الهاشمية، ومؤسس الدولة العراقية الحديثة جده الملك فيصل الاول، ووالده الملك غازي، اللذين احبهما واحترمهما الشعب العراقي لمواقفهما الوطنية والعروبية . وقد اختلفت الاراء والتحليلات حول هذه المأساة منذ وقوعها وحتى يومنا هذا ، الا انها في تقديري قد كانت ضحية للسياسات الداخلية والعربية الخاطئة التي انتهجتها الحكومات العراقية،وفي مقدمتها حكومات نوري السعيد، والتي ادت الى قيام تنظيم الضباط الاحرار وجبهة الاحزاب الوطنية بالاطاحة بالنظام الملكي وأقامة النظام الجمهوري، بالرغم من ان سنوات الخمسينات قد شهدت نهضة عمرانية في جميع انحاء العراق تمثلت بمشاريع مجلس الاعمار نتيجة حصول حكومة رئيس الوزراء نوري السعيد على حقوق نفطية للعراق بزيادة مدخولاته التي خصص منها 70 بالمئة للاعمار بكل نزاهة واخلاص واذا ما بحثنا في العوامل التي ادت الى قيام ثورة 14 تموز 1958، فاننا لابد ان نعود الى جذور وتراكمات هذا المنعطف التاريخي الذي غير مجرى الاحداث في العراق المعاصر، ويمكن اختصارها بالاتي :

1- قيام رئيس الوزراء نوري السعيد والوصي على العرش الامير عبدالاله باعدام قادة حركة نيسان – مايس 1941 ، بالرغم من انهم حافظوا على النظام الملكي واحترموه بتعيين الشريف شرف وصيا على العرش،ولم يمسوا العائلة المالكة بسوء بل نقلوها الى الشمال حفاضا على حياة الملك الطفل فيصل الثاني خلال الحرب العراقية البريطانية عندما بدأ الغزو البريطاني في شهر مايس والذي اطاح بالحركة واعاد نوري السعيد والاميرعبدالاله الى السلطة، علما انهما غادرا البلاد بارادتهما ،مثلما غادرها قادة الحركة بعد فشلها. وبدلا من كسب القوى المدنية الشعبية ،فقد القي بالسجون جميع من كان على علاقة بالمشاعروالتحركات المناهضة للبريطانيين المتعاونين مع الحركة الصهيونية في التهيأة لاعلان كيان لهم في فلسطين،متهمين اياهم بالنازية والفاشية .وكان لاصرار حكومة السعيد والامير عبد الاله وبدعم بريطاني على استقدام قادة الحركة من الدول التي التجأوا اليها رغم مرور حوالي سنة ومحاكمتهم واعدامهم ، واعدام وتعليق جثة قائد الحركة صلاح الدين الصباغ على بوابة وزارة الدفاع عام 1945 ، اثره الكبير في اثارة المشاعر ضد نظام الحكم لدرجة تعليق جثة الامير عبدالاله بالمكان نفسه بعد13 عاما اثر مجزرة قصر الرحاب عام 1958.

2- نشأ تنظيم الضباط الاحرار وتوسع بعد الحرب العربية الاسرائلية عام 1948 نتيجة اتهام الحكومة بعدم اصدار الاوامر للجيش العراقي لقتال الصهاينة في فلسطين وقبولها بالهدنة رغم تحقيقه الانتصار في جنين الذي قتح الطريق الى تل ابيب حسب تقدير الضباط العراقيين، واصبحت عبارة (ماكو أوامر) ومزا شائعا بين الضباط والسياسين.

سحب الجيش

وكان لسحب وزارة نوري السعيد للجيش العراقي من فلسطين اثره في اثارة الرأي العام العراقي ضدها ،واعتقد الضباط الشباب الذين شاركوا في الحرب ان النصريجب ان يمر ببغداد قبل فلسطين ،وعزز قناعتهم نجاح تنظيم الضباط الاحرار في مصر باستلام السلطة في 23 تموز 1952. وازداد الغضب والنقمة على حكومة نوري السعيد عندما وقع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956إثر تأميم عبدالناصر لقناة السويس، حين تناقض موقفها الرسمي المعلن المؤيد لمصر مع قمع التظاهرات والاضرابات الشعبية الغاضبة في بغداد ومدن العراق من شماله ووسطه الى جنوبه، الساخطة على دول العدوان بريطانيا وفرنسا واسرائيل ،والمطالبة بالوقوف عسكريا الى جانب مصر والسماح لها بالتطوع للقتال الى جانب الشعب المصري في مقاومة العدوان العسكري عليه في بورسعيد وقناة السويس. ،مما كان له اثره في تصديق الرأي العام العراقي ما كان يقال من ان الطائرات البريطانية المشاركة بالعدوان كانت تتزود بالوقود من مطاري الحبانية والشعيبة . وقد كشف الكاتب الفرنسي نبوما ميشان ان نوري السعيد حث رئيس الوزراء البريطاني انتوني ايدن على ضرب عبد الناصر عندما علم منه بتاميم ناصر لقناة السويس وهو في دعوة غذاء معه في لندن ، وقال لمضيفه بالحرف الواحد “اضربه الان يا سيد انتوني ،واضربه بقوة، وانا اضمن لك ان العراق لن يتحرك”، في الوقت الذي رحبت الاوساط الشعبية في العراق ترحيبا قلبيا بمشروع التاميم وابرق رؤساء الاحزاب والسياسيين والمحامين والاطباء ببرقيات التاييد لعبدالناصر.

3- بعد نجاح ثورة الضباط الاحرارفي مصر، في 23 تموز 1952 وسطوع نجم الرئيس جمال عبد الناصر بعد تاميم قناة السويس وفشل العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، سيطر المد القومي وفكره على الشارع العربي ،وكان للاذاعات المصرية اثرها في تاجيج الشارع العربي ضد الغرب واسرائيل ،ولما كان نظام الحكم في العراق حليفا لبريطانيا فقد واجه عزلة شعبية على المستوى الوطني والعربي ،ومما زاد في هذه العزلة اندفاعه لاقامة حلف بغداد ،حلف المعاهدة المركزية الذي ضم العراق وتركيا وايران وباكستان وبريطانيا ،في الوقت الذي كانت القوى الوطنية والقومية تتطلع للانظمام الى الوحدة المصرية السورية .ولقد ادرك الملك حسين ملك المملكة الاردنية الهاشمية خطورة حلف بغداد في ظل الاجواء العربية السائدة فرفض الانضمام اليه. لقد كان هذا الحلف يشكل انحيازا تاما للغرب في وقت كانت دول العالم الثالث المتمثلة بزعامات عبدالناصر ونهرو وتيتو وسوكارنوا تنتهج سياسة عدم الانحياز في الحرب الباردة بين المعسكر الاشتراكي المساند لحركات التحرر والحليف لعبدالناصر وبين الغرب الراسمالي المساند لاسرائيل .فكان لسياسة العراق الخاطئة هذه والتي قادها نوري السعيد اثرها الكبير في العزلة الداخلية والعربية التي كان يغذيها الاعلام المصري.

4- شهد العراق بعد الحرب العالمية الثانية انفتاحا على الاحزاب الوطنية واجيزت صحافتها ،لكن حدود الحرية والديمقراطية التي منحت كانت نسبية ،لان الحرس القديم وفي مقدمتهم نوري السعيد لم يتحملوا سلوك الجيل الجديد من السياسيين الشباب في مجابهتهم والتصدي لسياساتهم ،فواجهوا وثبة الشعب وقواه الوطنية في كانون الثاني 1948 ضد معاهدة بورتسموث مع بريطانيا ،وانتفاضة عام 1952 ،وانتفاضة 1956 ، بالقمع والقوة المسلحة ، فسقط الشهداء والجرحى وامتلات السجون بالمعتقلات من قادة الاحزاب والسياسيين ،مما كان له اثره في رفع شعار اسقاط النظام الملكي الذي لم ينادى به من قبل . وقد ادت هذه التطورات الخطيرة الى قيام جبهة الاتحاد الوطني عام 1957 التي إئتلفت فيها احزاب الاستقلال والوطني الديمقراطي والشيوعيين والبعثيين والقوميين ،وبدأوا بالتنسيق مع تنظيم الضباط الاحرار لقلب نظام الحكم .

اسباب متراكمة

وبفعل هذه العوامل والاسباب المتركمة على مدى 17 عاما ، اصبح الرأي العام العراقي مهيئا لاي تغييرقد يحدث ضد نظام الحكم ،ولهذا لم تقع اي حركة شعبية او عسكرية معارضة لاسقاط النظام الملكي ، سوى معارضة عمرعلي قائد الفرقة الاولى في الديوانية صبيحة يوم الثورة والتي لم تؤثر ولم تستمر،مثلما حدث لقائد الفرقة الثانية في كركوك نتيجة لتحرك الضباط الاحرار في الفرقتين ،كما ان الموقف العربي الذي كان يقوده جمال عبدالناصروالذي اعلن ان اي عدوان على العراق هو عدوان على الجمهورية العربية المتحدة، وموقف الاتحاد السوفيتي الذي اعلن تاييده للثورة، لم يشجع على التدخل البريطاني الفعلي لحماية النظام الملكي رغم انزال قوات بريطانية في الاردن وامريكية في لبنان .

اختم بالقول ان الشعب العراقي وقواه السياسية لم يكن ضد النظام الملكي في فترة حكم الملك فيصل الاول والملك غازي ، ولا يوجد لدينا في المصادر والوثائق ما يؤشر ذلك بل على العكس ، وكان الملك فيصل الثاني محبوبا ومحترما مثل احترام جده ووالده ، ولكن السياسة الخاطئة التي اتبعها نوري السعيد في ادارة الحكومة داخليا وخارجيا ، واصرارالامير عبد الاله على اعدام الضباط بعد عودته مع القوات البريطانية الغازية التي احتلت العراق حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، وسيطرته المفرطة على امورالبلاط الملكي وصيا ووليا للعهد ، كانت من العوامل الرئيسة في اسقاط ذلك النظام.

إرسال تعليق

0 تعليقات