زَبَّبْتَ وأنتَ حِصْرمٌ

مشاهدات



الأستاذ المساعد الدكتور مهند مجيد برع العبيدي 


شاع في أيامنا وذاع المتسلقون الصاعدون إلى القمة بسرعة البرق من دون أية مؤهلات أو إمكانيات الشامخون بما وصلوا إليه بغطرسة وتكبر قل نظيرهما ، إذ من المعروف منطقياً التدرج والتسلسل في كل شيء وهذا التدرج مطلوب ولا بُدَّ منه فلا يجوز القفز إلى القمة في خطوة أو خطوتين ولكن في أيامنا التي غابت عن المنطق بدأنا نرى الأهوال والعجائب وبشكل غير مسبوق في جميع الصعد وعلى المستويات كلها، وكأنَّ هؤلاء غاب عنهم أن الصعود السريع المفاجئ من دون المرور بالتدرج والتسلسل الطبيعيين يؤدي إلى السقوط السريع والمفاجئ أيضاً وقد ذكرتني هذه الأحوال بمثل من روائع الأمثال العربية هو: زَبَّبْتَ وأنتَ حِصْرمٌ ، يُضرب هذا المثل للرَّجل الذي يتعاطى رتبةً قبل أن يصل إليها، كمَن يَقْعد للتدريس ولمَّا يستكمِلْ آلَتَه، وكمَن يقعد للفتوى ولمَّا يأخُذْ عُدَّته، ونحو ذلك ومعنى زبَّبْتَ؛ أي: جَعَلتَ من نفسك زبيبًا، والحِصْرِم: أوَّل العِنَب، فإذا كان أخضر سمِّي حِصْرِمًا، ولا يُسمَّى اليابس إلاَّ زبيبًا. وأصل المثل أن أبا الفتح عثمانَ بنَ جني الموصلي، النحْوِيَّ المشهور، قعَدَ للإقراء وتعليم الناس النحْوَ في الموصل، وما زال شابًّا. ومرَّت الأيام، فمرَّ به أبو علي الفارسي، وهو يدرِّس الناس في حلقته، فسأله أبو علي عن مسألةٍ في التصريف، فقَصَر فيها. فقال له أبو علي: "زَبَّبْتَ وأنتَ حِصْرمٌ". فانتبه ابن جني لقصد الشيخ، فترك التدريس، ولازم أبا علي الفارسي أربعين سنةً حتى مَهَر في العربية، وحَذَق فيها عنه، وأتقن الصَّرف، فما أحَدٌ أعْلَم به منه. ولما مات أبو علي الفارسي، تصدَّر بَعْدَه تلميذه أبو الفتح ابن جني في مجلسه ببغداد، وقعد لتعليم الناس، فكم لدينا من متصدرٍ وخاصة في سلك التعليم يظن أنه بلغ الغاية المقصودة وهو واهم أشد الوهم لأنه لم يمتلك بعد مؤهلات التعليم المطلوبة التي جمعها قديماً  الإمام الشافعي- رحمه الله- حين قال:

أَخِي لَنْ تَنَالَ العِلْمَ إِلاَّ بِسِتَّةٍ * سَأُنْبِيكَ عَنْ تَفْصِيلِهَا بِبَيَانِ

 ذَكِاءٍ وَحِرْصٍ وَاجْتِهَادٍ وَبُلْغَةٍ * وَصُحْبَةِ أُسْتَاذٍ وَطُولِ زَمَانِ 

نسأل الله العفو والعافية من كل متصدرٍ قبل أونه ، ذاهب برجليه إلى هوانه

إرسال تعليق

0 تعليقات