إعترافٌ مِن وَالِد

مشاهدات



علي الجنابي- بغداد 


(خاص بالآباء).                                                                          

تَعُجُّ وسائلُ الإعلامِ ببواحٍ لَجٍّ مُعتَمَد، وتَثُجُّ صفحاتُ التواصلِ الإجتماعي بنواحٍ مَجٍّ مُحتَشَد، عن (دورِ العجزةِ) وما حوَتَ من عقوقٍ لوالدةٍ وأبٍ مُضطَهَد. 

لَعمري إنّ هذا لهوَ هراءٌ مبينٌ مُضطَرِبٌ مُضطَرَد!

 أما وقد رحلت رُوحُ وَالدي باكراً الى حيث مستودعٍ ومُلتحَد، فَلربما روحي قد جهلت عوالمَ بِرِّهِ، وأنا عن أغلالِ البرِّ مُبتَعَد.                                        

 أَفَأرَانِي تَحَرَّرتُ من قُيودِ البِرِّ، أم أرَانِي تَبَرَّرتُ بوهنٍ وخُسرانٍ في المُعتَقَد؟ 

فذي شَراسَتي اليوم مُتَشَعِّبَةٌ وحاضرةٌ في عُمُرِ ستينيٍّ ممدودٍ مُتَّقَد, وَذِي فراستي مُتَشَبِّعَةٌ وناظرةٌ لبِرٍّ مُوعودٍ مِن وَلَدِي، وكما العُرفُ وَعَد. بِرٌّ مُنتَظَرٌ موعُودٌ !

 أنَا لن أنتَظرَ - بفمٍ فاغرٍ – بِرّاً ، ولبئسَ ذاك الوعَد ! ولقَد سبكتُ فؤادَاً فولاذاً لا تخترقهُ رأفةٌ من أحد،  ولاطبطبةَ ولا مَدَد. فؤادٌ يَنهجُ بأنَّ ..

(ما من نَفسٍ إلّا وكانت في لحظةٍ هي الوَلَد، ثمَّ  في لمضةٍ بانَت والِداً إلّا آدَمَ, كان والِداً وماهو بولد). فؤادٌ فولاذٌ يَلهَجُ..

 (أَنَّ رَحمةَ الوَالِدِ وبِرَّ الوَلَدِ هُما صِنوانٌ غيرُ مُعتَضْطَدَ)؟

فرَحمةُ الوَالِدِ للوَلَدِ, هي ولايةٌ مَقضِيّةٌ مِن الإلهِ الحكيمِ عَلى الوَالِدِ وأمرٌ مُنعَقَد، وحَقِيقٌ عَلى الوَالِدِ ألّا يَمُّنَ بها على الوَلَدِ, وألّا يَشُنَّ هجوماً للإيفاءِ بالعهد، فالشرعُ ما سَنَّ في بنودِه مثلَ ذا عهد، بلِ إنَّ الوَالِدَ سيقفُ مسؤولاً عن"التَربِيةِ" فيمّا رُزِقَ من نِعمةِ الوَلَدِ ، إستِناداً لبَندِ في نهجٍ خالدٍ أبد ؛ 

{ كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} لا (كما رَحِمَاني صَغِيرًا).

فَإن تَكُ تربيةً صَالحةً، نَجَا ونَجَا الوَلَدِ, وإن تَكُ غَير ذلكَ هَلَكَ وهَلَكَ الوَلَدُ. وهيّا إلى (دارِ العجزةِ) الوالدُ يتبعُهُ بعد حينٍ الولد.

وأمَّا بِرُّ الوَلَدِ للوَالِدِ، فهو وصايةٌ مَرضِيّةٌ مِن الإلهِ الرّحيم على الوَلَدِ، وبلا برقٍ وبلا رَعد. وقِمنٌ للوَلَدِ ألّا يَضُنَّ على الوَالِدِ بإحسانٍ وجهد,  وَجزاؤها للوَلَدِ جَنَّاتٌ على مَا صَدَقَ في إحسَانِهِ للوَالِدِ , وإستِناداً لبَندِ في ذاتِ نهجٍ خالدٍ أبد: {كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} لا (كما رَحِمَاني صَغِيرًا). 

فإعلم يا ذا شيبةٍ أنَّ:

رَحمَةَ الوَالِدِ فِطرَةٌ  بلا مِنّةٍ منكَ وأسمَاها الشَّارعُ (حَناناً).

بِرَّ الوَلَدِ تَكلِيفٌ  بلا تزييفٍ منه وأسمَاه الشَّارعُ (إحساناً). 

 وشَتّانَ بين الحنانِ والإحسان.

و إعلم يا ذا ولد أنَّ:

جُرعَةَ رَحَمَاتِ الوَلَدَ إذ هو يُمسي والِداً أُحصِرَت لِما وَلَد, ومَا أُحضِرَت لكَ, وَكَمَا ذَهَبَت رَحَمَاتُكَ إليِهِ  مِن قَبلُ إذ أنتَ وَلَد. 

هوَ مَجرى نَهرِ الرَحَمَاتِ هكذا برغد وبسعد.

دعِ الوَلَدَ يُكافِحُ تحتَ النَائِبات في البلد، لِيَضُخَّ رَحَمَاتِ فُؤادِهِ لِما وَلَد، مَا عِندَهُ منها مَزيد ولا رفد ، فرَحَمَاتُهُ يَبَسٌ وبِالكادِ تَسُدُّ رَمَقَ ما وَلَد. أَفَعَدلاً منكَ أن تُلافِحَ - وبِتَغَنُجٍ- نبضاتِ الوَلَدَ، وتناكفَهُ على حَظٍّ مِنها بكبد ؟ تَعِسَ ذاكَ البِرٍّ! وبئسَ العدلُ عدلكَ، بل هو نظرةٌ بعينٍ ضريرٍ أو ذي رمد. رفقَاً بالوَلَدِ، وَخَفِّف من تَغَنُجِكَ، ودَعِ المِنَّةَ والمُلافَحةَ ونبشَ (العهد), و تَكفيكَ مِنهُ في فَجرٍ نَظرةَ أمَلٍ، وخِفضَ جَناحٍ ومُصافَحةً ورشد.

لا مُلافَحةَ يا أيُّها الذي وَلَدَ والدَ الولد، ولامُناطحةَ قد تَضطَرُّ الوَلَدَ لأن يُقلِّدَكَ وِسامَ بِرٍّ زائِفٍ ومُنتَقَد، وإياكَ أن تتقلّدَهُ ، لأنّهُ  زائفٌ من مسد ، بل صَيِّر العُمُرَ نَضَّاخاً برحماتِكَ لِلوَلَدِ،  وذرِ الترقُبَ لخطاهُ  وذرِ الرصد، وزدْ من رَصيدِ رَحَمَاتِه ليَضُخَها هوَ لِما وَلَد ، فَيَرتَويَا الوَلَدُ ومَا وَلَدَ.

 إنَّ رَحَمَاتِ الرَّحمنِ - يا ذا شيبةٍ - هي أصفى وأوفى لكَ من رحمةِ الوَلَدِ وَما وَلَدَ. وتكفِيكَ مُتعَةِ النَّظرِ مِن عُلُوٍّ  لِلوَلَدِ ومَا وَلَدَ, وسيدعوانِ  لكَ الوَلَدُ وما ولد بدُعاءِ:{ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا} ليُصَدِّقَا بَنداً في نهجٍ خالدٍ أبد : {كَمَا رَبَّيَانِي} لا (كَمَا رَحِمَاني صَغِيرًا

فأكرِمْ بِظِلٍّ حَميمٍ خَفيفٍ من واَلَدٍ للوَلد..

وأنعِمْ بِقَولٍ كَريمٍ عَفيفٍ من وَلَدٍ للوَالد.

وآنَئذٍ سيَسعَدُ كُلُّ وَالَدٍ، وكُلُّ وَلَدٍ وَمَا وَلَدَ.


alialjnabe62@gmail.com‏

إرسال تعليق

0 تعليقات