رئيس فاشل خارج الزمن السوري

مشاهدات



فاروق يوسف


الأسد الشاب ذهب في اتجاه تزييني لم يمس صلاحيات الحزب وكان حافظ الأسد يحكم من قبره، وما كان بشار إلا واجهة تبين أن وجودها لم يكن كفيلا بضمان السلم الأهلي.

من الغريب فعلا أن يُسر بشار الأسد لكونه رئيسا للمرة الرابعة

حين تم تعيين بشار الأسد عام 2000 رئيسا لسوريا، خلفا لوالده، كان ذلك فرضا حزبيا شاركت فيه الأجهزة الأمنية بأنواعها. لم يكن رأي الشعب ليميل إلا إلى السلم الأهلي الذي راهن الحزب على أن الأسد الشاب هو ضمانته.

كان الحزب الحاكم مهتمّا في حقيقة الأمر بسلمه الداخلي. فكان الرهان على بشار لا ينطوي على مغامرة قد تدخل البلاد في متاهة خلافات داخل الحزب ستمتد بالضرورة إلى الأجهزة الأمنية التي ارتبطت سمعتها بالقمع المبالغ فيه فيما لو حل شخص آخر محله.

كان رضا الشعب من رضا الحزب بعد ثلاثين سنة من حكم حافظ الأسد الذي لا يمكن الوثوق بشعبيته حتى لو كان ملاكا. فالرئاسة وظيفة يمكن أن تستهلك عبر الزمن. لذلك فقد قام النظام الديمقراطي بوضع سقف لها لا يتجاوز الثماني سنوات. بعدها تحل السخرية المشبعة بالملل والضجر والشعور بأن شيئا من الرثاثة قد تسلل إلى مفاصل الدولة.

لذلك سعى الأسد الشاب إلى تجديد شباب الدولة. لكنه ذهب في اتجاه يمكن اعتباره تزيينيّاً ما دام لم يمس صلاحيات الحزب ولا يحد من تغوّل الأجهزة الأمنية. وهو ما جعل عهد الرئيس الجديد يبدو كما لو أنه امتداد لعهد الرئيس الذي سبقه. كان حافظ الأسد يحكم من قبره وما كان بشار إلا واجهة، تبين في ما بعد أن وجودها لم يكن كفيلا بضمان السلم الأهلي.

عام 2011 فشل الرجل في أول تجربة عنيفة يواجهها حين عجز عن احتواء الحراك الشعبي الذي أصرّ السوريون على سلميته عبر ستة أشهر من القتل والعنف الذي لم يكن استعماله مبررا.

كان السوريون يتطلعون إلى أن يكون الرئيس الشاب وسيطا بينهم وبين الدولة وليس خصما يواجههم بأسلحة دولة صارت ثقيلة بوجودها ورثة بسلوكها ومستهلكة بمعالجاتها. غير أنه خذلهم منذ الخطاب الأول في تعليقه على أحداث درعا وما تلاها حين تعامل معهم باعتبارهم شعبا غير ناضج ولم تعنه تجربته في الحياة على فهم التطورات التي شهدتها وتشهدها الحياة السياسية في سوريا.

صدم بشار الأسد الشعب بتعاليه وتثاقفه ونبرة السخرية في صوته. للأسف شخص من نوعه لن يكون غير قادر على تقدير المسؤولية التي يضطلع بها ولا الموقع الذي يخاطب الآخرين من خلاله وحسب بل هو غير قادر على أن يرى الشعب بعين الابن لا بمنظار الحاكم المستبد.

لم يكن الشعب الذي تربّى في دولة حافظ الأسد قد اتخذ حتى تلك اللحظة موقفا سلبيا من الرئيس غير أن الرئيس نفسه كان قد حسم خياراته فانحاز إلى جانب مؤسسته القمعية ولم يخيّب ظن الحزب به. كان أقل ما يوصف به أنه ارتضى لنفسه أن يكون دمية يحرّكها الحزب والأجهزة الأمنية من غير أن يكون لفلسفته القائمة على الحذلقة اللغوية الفارغة أي تأثير على الأحداث.

كان بشار رئيسا في نظام رئاسي مع وقف التنفيذ.

عام 2011 فشل الرجل في أول تجربة عنيفة يواجهها حين عجز عن احتواء الحراك الشعبي الذي أصرّ السوريون على سلميته عبر ستة أشهر من القتل والعنف الذي لم يكن استعماله مبررا

ذلك لا يعني أنه كان بريئا من القرارات التي تم اتخاذها في اللحظات الحرجة بقدر ما يعني أن امتناعه وعزوفه عن التعامل مع الشعب باعتباره رئيسا منتخبا قد أدى إلى أن تكون كل القرارات سيّئة بما يتماشى مع مصلحة الحزب والأجهزة الأمنية. كان دائما الوارث الذي تم تعيينه في منصب لم يكن له لولا حاجة الحزب والأجهزة الأمنية إلى ذلك.

للأسف لم تكن سوريا تستحق ذلك.

فبالرغم من أن العنف الذي مارسه حافظ الأسد وهو عنف ناعم ولم يكن صاخبا إلا في حالة حماة عام 1982 فإن المجتمع المدني في مختلف المدن السورية الكبرى كان متقدما على الدولة وسابقا لها وكان من الممكن للدولة أن تتحرّر من ثقلها ورثاثتها لو أنها قامت بتلبية حاجات ذلك المجتمع المعاصر والوطني في الوقت نفسه.

كانت سوريا المجتمع المدني تتوقع من الرئيس الشاب أن يصحّح مسار الدولة المرتكز خطاً على الحزب في علاقة غير صحيحة كانت الأجهزة الأمنية قد وفرت لها كل سبل الحماية. غير أنه لم يفعل ولن يفعل بالرغم من أن وجوده في الرئاسة لثلاث دورات قد وضعه في مختبر جحيم غير مسبوق انتهى إلى أن يُمحى الجزء الأعظم من سوريا تحت ركام من الخرائب فيما عشرة ملايين من السوريين تتوزع بين اللجوء والنزوح والتهجير الداخلي.

نتيجة سيئة لا يفخر بها أحد.

من الغريب فعلا أن يُسر بشار الأسد لكونه رئيسا للمرة الرابعة.

كان الأولى بالرئيس الأسد أن يرأف بنفسه ويكون صريحا معها ويتقاسم الفشل مع الشعب فيتخلى عن ذلك الوهم الذي اسمه الرئاسة.

كاتب عراقي

إرسال تعليق

0 تعليقات