الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وعودة دولة الملالي؟

مشاهدات




بقلم: الكاتب والباحث السياسي

الدكتور: أنمار نزار الدروبي


بادئ ذي بدء أوكد على إيماني المطلق بأن كل جماعات الإسلام السياسي (السُنية والشيعية) وأذرعها المسلحة المتشددة، سواء ما يسمى (الفصائل الجهادية السُنية، أو الجماعات المسلحة التابعة لإيران) التي تدخل في سياق التطرف والتكفير ليست سوى ميليشيات إرهابية مؤدلجة، تم تأسيسها ودعمها من قبل الدوائر الغربية، وتحديدا المخابرات البريطانية والأمريكية وماتزال تقدم لهم الدعم من خلال أيديولوجيات هذه الجماعات المتأسلمة التي تتخذ من الأسطورة والخرافة وفعلها في تكوين ثقافة خارج دائرة الإسلام، ثقافة شكلت نسقا فكريا خطرا على الإسلام عبر صراعها السياسي الدائر على الساحة العربية والإسلامية.

كانت مسألة الدفاع عن الحقوق الدينيّة ودعم الجماعات المتطرفة في الأمة العربيّة والعالم الإسلاميّ إحدى أولويات المساعدات التي تقدمها السياسة الخارجيّة الأمريكيّة، بل إنها باتت تتقدم على سياسة العقوبات الاقتصاديّة التي كانت الإدارة الأمريكيّة قد دأبت على فرضها بالقوة خلال العقود الماضية، وهو ما يُفسر مساندة الولايات المتحدة للإسلام المتشدد والجماعات المتطرفة، مثل جماعة طالبان، وبن لادن في أفغانستان. بيد أن هذا الدعم الأمريكيّ للحركات والجماعات الأصولية جاء خلال الفترة التي انخرط فيها المجاهدون في التحصينات المسلحة لحساب الولايات المتحدة في البلقان والاتحاد السوفييتيّ سابقا. وبلا شك فإن طالبان والقاعدة وجهان لعملة واحدة.

أما لماذا احتلت الولايات المتحدة الأمريكية أفغانستان وقاتلت حركة طالبان منذ عشرين عاما وأنفقت مليارات الدولارات، ولماذا الآن عقد اتفاقية مع طالبان وانسحبت من أفغانستان؟ هذا يمكن أجماله بالآتي:

بعد أن أدركت الولايات المتحدة الأمريكية أن حروب الوكالة لن تصل إلى نهايتها، والسبب لأن الأمريكان لم يتعاملوا مع عوامل إعاقتها بصورة صحيحة، بل الأمريكان هم من سعوا إلى تطويل أمد الحرب بين أذرع الإسلام السياسي (الفصائل السُنية والشيعية). من هنا فقد أجبر الوضع السياسي والأمني الراهن وتصاعد مستويات العنف في المنطقة العربية، مع اتساع نفوذ الميليشيات والفصائل المسلحة التابعة لإيران في بعض الدول العربية، أدرك جميع أطراف النزاع السياسي وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية، أن حرب الميليشيات السُنية-الشيعية لن تنتهي ولا يمكن كسبها عبر الاشتباك المسلح. وعليه تسعى أمريكا لإطلاق يد حركة طالبان باعتبارها إحدى أكبر وأخطر الحركات السُنية المتشددة والمتطرفة في العالم، وذلك لخلق بعض التوازنات اتجاه الميليشيات الشيعية في المنطقة. بالرغم من هناك تناقض جيوسياسي بين طالبان والفصائل التابعة لإيران، لكن القادم من الأيام سيثبت كيف ستتمدد طالبان أو أذرعها إلى المنطقة.

قضت الولايات المتحدة الأمريكيّة عقوداً من الزمن في دعم جماعات الإسلام الراديكاليّ، والتلاعب بهم وخداعهم واستغلالهم ،لأن عملية دعم التطرف الإسلاميّ كانت تُمثل للولايات المتحدة الأمريكيّة استراتيجة مهمة لزيادة نفوذها وهيمنتها في الشرق الأوسط، ذلك المشروع الذي كان يقوم على، حماية مصادر الطاقة، ضمان الأسواق العربيّة، حفظ أمن إسرائيل، مساعدة الأنظمة الحاكمة الصديقة لضمان الاستقرار الإقليميّ، تأمين الوجود العسكريّ الأمريكيّ في الخليج العربيّ بما يضمن التدخل الفوري في حالة تعرض مصالح الولايات المتحدة لأي خطر. ومن هذا المنطلق فإن الولايات المتحدة الأمريكيّة كانت تنظر إلى الملا عمر زعيم حركة طالبان وأسامة بن لادن والحركة الإسلاميّة في أفغانستان على أنهما حلفاء وأصدقاء في الصراع الدائر لاحتواء الحكم الشيوعيّ وتقويضه، حيث لم يكن ينظر إلى الإسلام في تلك الفترة على أنه عدو يُمثل خطراً على المصالح الغربيّة، لكن المفارقة أن الولايات المتحدة ساندت الملا عمر وأسامة بن لادن سرًّا، ووضعتهما في الوقت نفسه على قائمة الأشخاص المطلوبين.

المعروف أن بن لادن هو من أسس تنظيم القاعدة وعقد تحالفه مع الملا عمر، وهذا غير صحيح، لأن المُنظر الأول لتنظيم القاعدة ومؤسسها هو الفلسطيني (عبد الله عزام) والذي شكل القاعدة عام 1988 من قدامى المحاربين في الحرب الأفغانيّة السوفيتيّة بهدف تصدير النصر الذي حقّقه الإسلاميّون على الشيوعيّين إلى مسارح أخرى للصراع في أنحاء العالم، وبعد مقتل عزام عام 1989م تولى بن لادن القيادة الكاملة للتنظيم، وبين عامي 1991م-1996م اتخذت القاعدة مقرًّا لها في السودان حيث كانت تتمتع بعلاقات ودية مع الجبهة القوميّة الإسلاميّة الحاكمة، ومن ثم انتقلت إلى أفغانستان في عام 1996، وبطلب من الملا عمر حيث تحالفت القاعدة مع طالبان. في السياق ذاته، عملت وكالة المخابرات المركزية الأمريكيّة، وبالتعاون مع المخابرات الباكستانية على تجنيد ربع مليون مقاتل من جنسيات مختلفة للحرب في أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتيّ، ووفرت لهم التمويل لكن بعد انتهاء الحرب الأفغانيّة تحول هؤلاء المقاتلون من الجبهة الأفغانيّة إلى جبهات أخرى.

 ووَفقاً للأحداث والوقائع، فإن الملا عمر زعيم حركة طالبان وأسامة بن لادن لا يمثلان سوى أسطورة اصطنعتها المخابرات الأمريكيّة، ومن ثم استغلت الولايات المتحدة الأمريكيّة عداءها المزعوم ضد الملا عمر وبن لادن لكي تستطيع إلصاق كل التهم بتنظيم القاعدة وطالبان. مع العرض أن أمريكا استخدمت حركة طالبان وجماعة القاعدة عام 1999 لمساندة المتمردين في إقليم الكوسوفار الألبانيّ، وكانت تعمل أيضاً في الشيشان حتى نوفمبر من عام 2001.

وتأسيسا لما تقدم، فقد عمدت الولايات المتحدة الأمريكيّة على احتضان بعض عناصر المعارضة الإسلاميّة الذين ينتمون لهذا الفكر التكفيري المتطرف، لتستغلهم لتحقيق مصالحها عندما تستدعي الحاجة لتحقيق ثلاثة أهداف، وهي، تخويف النظم والحكومات في الأمة العربيّة والعالم الإسلاميّ من إمكانية وصول هذه العناصر إلى السلطة، واستغلال تلك العناصر وتجنيدها لتكون عيناً وأذناً لأمريكا في بلدانهم. وعندما يصل أحد أفراد المعارضة أو المجموعات الأصولية في بلد ما إلى السلطة، يكون صديقاً لأمريكا وأداة طيعة في يدها. وستصل طالبان عاجلا أم آجلا لكي تكون رقما صعبا في حكم أفغانستان.

 لكن الولايات المتحدة اكتشفت بعد ذلك أنها زرعت قوة متشددة انقلبت عليها، ومارست الانتقام منها، ليس ضد الولايات المتحدة وحدها، بل ضد حرية الفكر وضد القوميّة واليسار، وحقوق المرأة. ذلك التشدد الذي يُمثل أيديولوجية الجماعات الأصولية التي شجعتها الولايات المتحدة، ونظمتها، ودعمتها، وأسست لها، مثل تنظيم الإخوان المسلمين، وإيران في عهد الخمينيّ، والمجاهدين الأفغان، وأسامة بن لادن الذي يرتبط بعلاقة وثيقة مع الملا عمر زعيم حركة طالبان، لأن بن لادن يعني الملا عمر والعكس صحيح، وكما ذكرنا آنفا أن طالبان والقاعدة وجهان لعملة واحدة.

 


إرسال تعليق

0 تعليقات