جبران علي
إذا كانت الصحافة في العالم تسمى مهنة المتاعب، فهي في العراق، وكما يقول صحفيون "مهنة الرعب"، والتي تجعل صاحبها يمشي على أرض رخوة لا يعلم متى تنخسف به، أو تتركه وحيدًا في مواجهة "سلاح الكاتم"، فأكثر ما يثير الرعب لدى رجال السلطة وما يتصل بها في العراق هو الكاميرا والقلم فبواسطتهما تحنط الجرائم في متحف التاريخ ويصبحوا لعنة تتجدد على افواه الناس، لذلك ففي أي نشاط احتجاجي تعمد السلطات في العراق على محاربة الصحفيين البارزين وتهديدهم وابتزازهم حتى لا يكونوا جسرًا يؤدي الى العالم الخارجي ينقل استبداد السلطة وفسادها وانهار الدم التي خلفتها اتجاه شباب يطالبون بوطن.
وإذا كانت الصحافة تسمى السلطة الرابعة في البلدان المتحضرة فهي في العراق مهنة تضع صاحبها في قوائم الموت المؤجل، وهذا ما حصل مع صحفيين كثيرين ومنهم الناشط المدني البارز والصحفي المترجم فاضل البغدادي الذي كان له الدور الكبير في تظاهرات 2019، تشرين/ أكتوبر، حتى انه أصيب في بداية التظاهرات لكنه لم يتراجع بل استمر في تأدية واجبه الوطني.
لا تكمن خطورة البغدادي في انه تناخى لوطن مزقتهُ أحزاب الفساد والمحاصصة المقيتة ، بل أنه خضع لتوقيع تعهدات عديدة فقط من أجل أن لا يلتحق بركب الاحتجاج التشريني ، الذي اعتاد الالتحاق بأيَ حراك تظاهري وطني يهدف الى إستعادة وبناء وطنٌ يعيش فيه العراقيون بكرامة ، حتى أنتهت حلمه الوطني باختفاء قسري عن أرضٍ لطالما عشقها ، وطنٌ يجد نفسه فيه .
لذلك لم يكن غريبًا في بيئة لا توفر الحماية للصحفيين ان يتعرض البغدادي الى تهديدات بالقتل والتصفية الجسدية من قبل جهات ميليشاوية يخشى حتى البوح باسمها فقرر إيقاف نشاطه وان يعيش في عزلة تامة لان جميع الجهات التي تدعي حمايتها للصحفيين جمدت نشاطها خلال الاحتجاجات.
وبحسب مرصد الحريات الصحفية، فإن "العراق يعد أكثر بلدان العالم خطورة بالنسبة للصحفيين".
ومع انطلاق تظاهرات تشرين الأول/أكتوبر في العام الماضي، أصيب البغدادي بإحدى ساقيه نُقل على أثرها ألى أحدى المشافي الحكومية في بغداد فيما تعرض الكثير من الإعلاميين والصحفيين والناشطين إلى التصفية الجسدية، وكان آخرهم الناشطة رهام يعقوب والتي أسكت صوتها بواسطة سلاح كاتم، بعدد مرور أسبوع على مقتل الناشط تحسين أسامة بعد حملات التحريض التي تتهمهم بالعمالة لواشنطن والتعامل مع القنصلية الأمريكية.
0 تعليقات