هل نعيش في زمن الفوضى اللغوية

مشاهدات



بقلم: الدكتور مهند مجيد برع العبيدي 


لا يختلف اثنان على أننا نعيش واقعاً لغوياً سيئاً ويمكن بسهولة أن نطلق على هذا الزمن ( زمن الفوضى اللغوية ) فالأخطاء من كل نوع منتشرة بشكل كبير جداً في المجالات كافة ، أينما تذهب تجد الأخطاء اللغوية والإملائية والنحوية والصرفية ، فالأخطاء تجدها في الصحف والمجلات والكتب والخطب والبيانات والإعلانات وأسماء الشركات والمحلات ، بل أن قسماً من الوثائق الرسمية مع الأسف الشديد تسللت إليها هذه الأخطاء ولم يسلم من هذه الأخطاء حتى المتخصصون باللغة وان كانت على نطاق ضيق لديهم .ومن مظاهر هذه الفوضى اللغوية ما نراه من تسيد اللهجات العامية على اللغة العربية الفصحى في وسائل الإعلام المختلفة، فالإذاعات والأفلام والمسلسلات التي كان عددٌ كبير منها يستعمل اللغة العربية الفصحى نُحْيَّتِ اليوم جانباً واستعمل بدلاً منها اللهجات العامية، ولذلك إذا أراد أحد أن ينمي ذخيرته اللغوية فإن البيئة اللغوية الموجودة لا تسعفه أبداً، لأن البيئة اللغوية الموجودة بيئة لغوية سيئة للغاية تعيش في فوضى عارمة. 

وللخروج من هذه الفوضى اللغوية لا بُدَّ من بذل جهود جبارة من جميع الأطراف وعلى جميع المستويات، فالنهوض بالاستعمال اللغوي السليم مسؤولية الجميع ونحن في العراق لدينا الكثير من القوانين وعلى رأسها قانون سلامة اللغة العربية وهو قانون محكم البناء ، هذا القانون كفيل بحل الكثير من المشاكل التي تعترض سبل النهوض باللغة العربية الفصحى ولا بُدَّ من تفعيل نصوص هذا القانون وإلزام وسائل الإعلام باستعمال اللغة العربية الفصحى فيما تنشره وتذيعه وتكتبه، وإلزام شركات الدعاية والإعلان باستعمال اللغة العربية في إعلاناتها وتحريم استعمال اللهجات العامية في حقلي الدعاية والإعلان، وإلزام مؤسسات الدولة كافة باحترام قواعد اللغة العربية في ما تصدره من قوانين وقرارات ووثائق وشهادات ، وتفعيل القوانين الخاصة الملزمة للدوائر البلدية في المحافظات بتطبيق قانون سلامة اللغة العربية في ما يخص أسماء الشركات والمحلات والمطاعم وما يندرج تحتها من أمور أخرى ، إذ على الدوائر البلدية اخذ دورها وإلزام أصحاب هذه الشركات والمحلات والمطاعم باستعمال أسماء عربية خالصة بدلاً من الأسماء الغربية الشائعة في هذه الأيام  والتي لا تمت إلى  لغتنا ولا إلى تاريخنا وتراثنا بأية صلة وكأننا نعيش في بلد غربي !

ولا ضير أن تكون هناك لجنة في البلدية تقترح على هؤلاء أسماءً من التراث اللغوي العربي ، وفيما يتعلق بالأخطاء في الوثائق الرسمية هناك خطأ بين جلي في البطاقة الموحدة التي استعملت في العراق مؤخراً وهو استعمال كلمة ( النفاذ) بالذال وهو خطأ شنيع ،إذ المراد هو استعمال كلمة ( نفاد ) بالدال ومعناه تاريخ الانتهاء ، واستعمال كلمة لقب ، واللقب في العربية ما دلَّ على مدحٍ أو ذمٍ ، وقد قصدوا استعمال كلمة ( النسبة ) أي إلى أي شيء نُسِبَ الشخص ، والنسبةُ في العربية لا تدل على مدح أو ذم ، إذن هذا الاستعمال غير صحيح وكان الأولى استعمال لفظ ( النسبة ) بدلاً من ( اللقب)  .

كيف نعزز الذخيرة اللغوية ابتداءً من المراحل العمرية الأولى للخروج من هذه الفوضى اللغوية؟ يكون ذلك بالمواظبة على قراءة القرآن الكريم وحفظه وترتيله على يد مقرئ متخصص بالقراءات القرآنية وحفظ ما يستطيع حفظه من صحيح حديث النبي الأكرمصلى الله عليه وسلموحفظ عيون الشعر العربي القديم والمأثور من كلام الفصحاء والبلغاء والخطباء والحكم والأمثال والنوادر والأخبار. ويكون هذا الأمر بالتدريج لتعزيز القدرات اللغوية للشخص ابتداءً من المراحل العمرية المبكرة ثم تزداد كمية هذه المحفوظات مع تقدم الشخص بالعمر مع المواظبة المستمرة على هذه الأشياء ، كل هذه الأمور التي ذكرتها إذا طبقت بشكل صحيح ستكون كفيلة بالخروج من الفوضى اللغوية التي نعيشها اليوم .

إرسال تعليق

0 تعليقات