إشراف سياسي وانجاز خدمي

مشاهدات




وسام رشيد


يعدُّ عام 2008 بداية إطلاق الميزانيات الضخمة التي عُرفت بـ "الانفجارية" والتي وصلت لأكثر من مئة مليار دولار بعد سنوات عِجاف طويلة مرت بالبلاد، واستمر تخصيص هذا الحجم من الموازنات الاعتيادية السنوية والتكميلية التي وصل فيها الانفاق الى 130 مليار دولار ، ثم جائت الازمة الاقتصادية العالمية التي أثرت على مبيعات النفط وانخفاض الصادرات مع السعر تبعه إنهيار الوضع الأمني في العراق عام 2014، فولى زمن الانفجاريات وحل محله التقشف وايقاف سريع لجملة من المشاريع الاستراتيجية والخدمية بالعراق، بعضها دخل مرحلة الاندثار والبعض الآخر دخل مع الدولة في صراع لاستكمال التمويل، وغالبية تلك المشروعات التي مُولت من ميزانيات استثمارية بشكل مباشر استوفت كامل مستحقاتها المالية لكن تنفيذها لم يكن ضمن المواصفات المعتمدة دولياً، او يجري عليها الفحص الخاص بمعايير الجودة، فكانت كفائتها محدودة على الرغم من ان اسعار تنفيذها هي الاغلى وفق مقاييس السوق في العراق أو المنطقة لا سيما بالمقارنة مع دول الخليج العربية المجاورة.

ومن امثلة تلك المشروعات الممولة من الميزانيات الضخمة قطاع المجاري والصرف الصحي وشبكات مياه الامطار والتخزين التي صُرف عليها مبالغ - بحسب مختصين - ما يعادل انشائها لاكثر من مرة في دول مجاورة، ولي مناطق كثيرة في محافظات العراق كالسماوة مثلاً أو النجف أو ميسان، لكنها لم تقاوم أول موسم خجول لتساقط الامطار في عام 2013 مثلاً وما يعرف -بالسنة الرطبة - فضاعت الميزانيات المصروفة بجيوب المقاولين والشركات دون أن يستفيد منها المواطن سوى مجموعة اخبار لمحافظين ومدراء دوائر وهم يلبسون خوذ الانقاذ المدني ويعالجون الانسدادات والتخسفات الناتجة عن عدم قدرة شبكات مياه الصرف لاستيعاب كميات الامطار النازلة، ويتكرر المشهد في كل عام بحسرة إذ كان من الممكن ان تغسل شوارع المحافظات بمياه نظيفة تتحول مباشرة الى خزانات تستخدم باوقات اخرى، ولا نرى مشاهد -التسيين- وغرق الشوارع في مجمل محافظات العراق ومنها بغداد على سبيل المثال ايضاً.

بغداد التي يمر في شوارعها سياسيون، وقادة، ورؤساء كتل، وزعماء احزاب، ينتمي لهم مسؤولي البلدة المحليين ومدراء الاجهزة الخدمية، ولعشر سنين او اكثر كانت بائسة كئيبة غارقة في الوحل والمياه الآسنة والملوثة، تشكو الاهمال بل التعنت بالاهمال وعدم القدرة على تقديم اي شئ لأبناء هذه العاصمة وكذلك باقي مدن العراق.

أما الانبار، ولنقل الصورة بواقعية وموضوعية، فان الصور التي انتشرت يوم امس الجمعة واليوم السبت في بعض شوارع الرمادي والفلوجة فانها اظهرت شكلاً آخر يدعوا الغبطة، اذ تداول بعض الناشطون والمدونون بهذه المناطق منشورات على صفحات التواصل الاجتماعي تظهر فيها الشوارع والارصفة وشبكات الصرف بحالة مغايرة تماماً عما هو عليه في بغداد والبصرة والناصرية، رغم انها خرجت للتو من معارك طاحنة وشلل في اجهزة الدولة الخدمية والصحية والتعليمية وغيرها، وتجريف لمعالم المدينة والبنى التحتية حتى تحريرها بشكل كامل عام 2017.

من الانصاف القول ان الاشراف السياسي على البرامج الخدمية ينبغي ان يتعدى المسؤولية الدستورية والقانونية لأي شخص سياسي يحتل موقعاً متقدماً في الدولة، بل هي مسؤولية اخلاقية وادبية تجاه بيئة ذلك السياسي، فضلاً عن توسيع الرصيد الشعبي والقاعدة الاجتماعية التي ستكون ادواته في تنفيذ اي برنامج سياسي مستقبلاً، واشير الى مشاهد متعددة لرئيس مجلس النواب في عدة مدن واحياء وشوارع في محافظة الانبار مع مدراء نواحي وبلديات بل وحتى رؤساء اقسام بسيطة تابعة الى دوائر الانارة وهندسة المرور رغم انه رئيس المؤسسة التشريعية الاولى في البلاد.

الدفع المعنوي والدور الرقابي الاضافي الذي يمثله اي تدخل لمسؤول من الطبقة السياسية العليا، يعطي نتائج ايجابية للمواطن البسيط بغض النظر عن كل الاعتبارات السياسية والتوازنات والاعراف والبروتوكولات والنظرة الى السياسي بمنظار عدائي أو من منطلق محبة وولاء، فالذي أفهمه من وجود السياسي في مرحلة عصيبة بعد عشرات الاعوام من التنظير للدولة العراقية انه يعمل لتوفير مستلزمات الحياة الكريمة للشعب، وهذا يكفي الان.

إرسال تعليق

0 تعليقات