المجلس العسكري المؤقت في سوريا.. النشأة والأهداف والمهام

مشاهدات




عبدالعزيز مطر


في ظلّ النكبات المتعاقبة التي يعاني منها الشعب السوري لا بد عند الحديث عن هذا الموضوع، الذي بدأ مؤخراً تتردّد أصداءه الإيجابيّة، على الصعيد الشعبي، والتعاطي الإيجابي لكثير من النخب المجتمعية مع هذا الطرح القديم الجديد، الإشارة إلى مفاصل هامة جعلت من هذا الطرح ضرورة ملحة في هذا الوقت العصيب الذي تمر به سوريا والمنطقة. المجلس العسكري


لم يكن هذا الطرح وليد هذه اللحظة أو الأشهر الماضية، وإنّما كمان نتيجة جهود استمرّت لأعوام منذ بداية المأساة السورية، حيث طرح كحلّ للأزمة السورية وطريق يلتقي عليه جميع السوريين تحت سقف الوطن.


منذ بداية الثورة السورية والاحتجاجات السلميّة والتعاطي الإجرامي لسلطة الاستبداد مع مطالب الشعب السوري المحقّة في الحرية والكرامة، الذي كان سبباً أساسياً ودافعاً كبيراً لدى كثير من الشخصيات الوطنية في الانتصار لهذا الشعب والوقوف والاصطفاف لجانبه وإعلامهم، بشكل لا لبس فيه، أنّهم لجانب هذا الشعب في محنته وضد منظومة الاستبداد التي أوغلت في دم السوريين. هذه الشخصيات التي فضلت أن تغادر مواقعها ومكاسبها والانحياز لطرف الشعب السوري، وكان الاصطفاف الوطني لشخصيات رفيعة في الجيش العربي السوري لصالح ثورة الشعب السوري، أبرز الأحداث التي شهدتها الساحة السورية، في ذلك الوقت، وفي ظلّ العجز الوطني لكتلة المعارضة السورية السياسية وارتهان قرارها للأجندات الدولية والإقليمية، بما لا يتوافق مع المصالح الوطنية للشعب السوري.


وفي ظل انعدام أيّ مشروع وطني حقيقي يجمع السوريين تحت سقف الوطنية والمواطنة، ووفق ركائز العيش المشترك، أتى طرح المجلس العسكري المؤقت في سوريا مبكراً من قبل شخصية وطنية آثرت أن تكون حماية ما تبقى من سوريا وشعبها وإعادة بناء نسيجها الاجتماعي، من أوليات أهدافها، وسعت لتشكيل مؤسسة وطنية تضم كل أطياف الشعب السوري وتضع نصب أعينها إيقاف شلالات الدم في سوريا، وإعادة ترميم النسيج الاجتماعي في سوريا ليكون الأساس لإعادة بناء سوريا المستقبل، الدولة المدنية والديمقراطية.


إنّ التنوّع الإثني والعرقي في سوريا شكّل لوحة جميلة لحضارة تمتدّ آلاف السنين في سوريا، عاش فيها الجميع جنباً لجنب في وطن، بدون تفريق أو تمييز، حتى وصول منظومة الاستبداد للحكم في سوريا التي حكمت الشعب السوري وفق آليات الرعب والخوف من الآخر، حيث عملت المنظومه الأمنيّة في سوريا على تعميق هذا الشرخ لتفتيت النسيج الاجتماعي منعاً لظهور أية حالة وطنية تشكل خطراً حقيقياً على هذه المنظومة.


ومما زاد الطين بلّة، انعدام الخطاب الوطني لكتلة المعارضة السورية، وسياسة الإقصاء التي مارستها بحق باقي مكونات الشعب السوري، التي تتوق للحرية، وعدم تقديم الخطاب الوطني. وجميع هذه الأمور، مع تعقيدات وتشابك المصالح الدولية في سوريا، وعدم وجود كيان حقيقي متماسك، أثّر كثيراً في سعي المجتمع الدولي الجاد لإيجاد حلّ حقيقي يقول للقتلة والمجرمين “كفى”.


هذا جميعه فرض على النخب الوطنيّة التمحور والالتفاف حول شخصيّة وطنية، من أجل تشكّل المجلس العسكري المؤقت في سوريا، والذي يمكن أن يكون ويجسّد الحالة الوطنية المطلوبة التي تضم السوريين وتبدّد مخاوفهم من بعضهم وتعطي انطباعاً للمجتمع الدولي، أنّ هناك مؤسسة وطنية فعلية منظمة يستطيعون التعاون معها لإعادة الاستقرار لسوريا، دون الحاجه لإعادة إنتاج أو تدوير هذا النظام، وبنفس الوقت يعطي هذا المجلس ويفسح المجال لتعاون إقليمي مع أي متغيّر سوري، فشلت المعارضة السياسية التقليدية في تقديم رؤية واضحة عنه للإقليم يبدّد مخاوفه من أي حالة تغيير حقيقية في سوريا.


كما إنّ هذا المجلس وتفاصيل تكوينه الدقيقة القائمة على عدة مبادئ، أهمها الوطنية وعدم الإقصاء لأي مكوّن يبدّد مخاوف أي سوري من القادم، واستطاع رسم الخطوط الدقيقة والتفاصيل المهمة لهذا المجلس تحويله وتقديمه لجميع السوريين، كحل وليس كطرف، مع هذا أو ذاك، وفق معايير وطنية تقتضي تقديم مصلحة الشعب السوري على أيّ مصالح ضيقة لمكون أو حزب أو انتماء أو عرق أو لون.


منذ بداية هذه الجهود، واجهت هذه الخطوة الكثير من الصعوبات والتحديات من قبل طرفي الصراع في سوريا وأدواتهما ومشغلاتهما، الإقليمية والدولية، كون نجاح هذه الحالة منذ البدايات في سوريا سيكون حاجزاً وسداً قوياً أمام ما حدث لاحقاً، من ضياع القرار الوطني وارتهان معظم المكونات السياسية والعسكرية في طرفي النزاع لجهات خارجية وغياب المصلحة والرؤية الوطنية للطرفين، حتى يكاد التمييز بينهما وبين أسلوبهما في التعاطي مع الشعب السوري متشابهاً لدرجة كبيرة.


هذا جميعه سعى بالسوريين للوصول إلى قناعة مفادها، أنّه لا لحل حقيقي لهذا العجز والانسداد في الحالة السورية، إلا بمجلس عسكري يضم شخصيات وطنية، يكون الضامن لمنع انهيار كامل للدولة السورية ويؤمن انتقالاً سياسياً للسلطة، وفق معايير ديمقراطية، ويؤمن أبسط متطلبات الشعب السوري في دولة الحرية والكرامة، ويكون اللبنة الأساسيّة لإعادة إعمار وبناء ما دمرته سنوات الحرب، على صعيد الوطن والإنسان، بيد أبناء سوريا.. يداً بيدٍ من أجل سوريا.

إرسال تعليق

0 تعليقات