أحمدي نجاد.. الفزاعة الإيرانية

مشاهدات



محمد خلفان الصوافي


لا شيء يدعو إلى الاهتمام الزائد وغير الطبيعي من قبل المراقبين للقاء الذي أجراه، مؤخرا، الرئيس الذي حكم إيران خلال الفترة من 2005 إلى 2013 أحمدي نجاد، غير أنه أتيحت له الفرصة بأن يظهر على وسيلة إعلامية عربية وسعودية تحديدا. لأن كل ما يصدر من إيران، وخاصة في ما يخص شخصيات معينة، ومنها نجاد إنما يتم وفق مباركة الرجل الأول هناك وهو المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي.

علينا ألا نصدق بسهولة بحصول شيء يخص السياسة الخارجية الإيرانية بأنه حدث بشكل منفرد من أي مسؤول إيراني، فكيف بشخص مثل نجاد ينتمي إلى تيار المتشددين في النظام؛ حيث شهدت المنطقة والعالم إحدى أكثر الفترات توترا وقلقا في العلاقات الدولية بسبب لغة التهديدات والتصعيد الإعلامي الذي اتسمت به فترته الرئاسية، مع أنه كان أول رئيس إيراني يزور دولا خليجية (دولة الإمارات وسلطنة عمان) وأول رئيس إيراني يحضر إحدى القمم الخليجية (قمة الدوحة).

وبالتالي فالأمر لا يتعدى أن يكون نوعا من سياسة توزيع الأدوار بين اللاعبين السياسيين وهو أسلوب يتقنه النظام الإيراني جيدا في السياسة الخارجية فمثلا الخطاب السياسي الموجه إلى الدول العربية يأتي بفكر الحرس الجمهوري في حين الخطاب الموجه للغرب تمثله السياسة الخارجية بقيادة جواد ظريف وبلغة ناعمة.

علينا ألا نقرأ تحركات نجاد تحديدا بعيدا عن التفاعلات الداخلية والخارجية التي تخص بلاده، فهو يمثل النظام الإيراني بشكل حقيقي حتى إن بدا أنه متمرد على المرشد لكن لا يمكن أن نعتقد أنه “كفر” بمبادئ الثورة والفكر المتشدد له وبالتالي وجب علينا أن نتعامل معه وفق منطقه الجديد. ولعل تهربه من الإجابة عن السؤال الذي وجهه مضيفه في قناة “الشرق بلومبيرغ” عطوان الأحمر حول الرسالة التي وجهها إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في ما يخص حرب اليمن وعدم إرسالها إلى المسؤولين في بلاده هو تأكيد على أنه أرسلها بمباركة من المرشد وليس لأنه يخالف سلوك بلاده في اليمن أو تجاه جواره الجغرافي. من هنا ينبغي ألا نفهم من الحوار أنه تراجع عن سياسة بلاده أو أنه يتحرك بعيدا عن المرشد وإلا نكون قد أخطأنا فهم إيران.

ظهور نجاد إعلاميا وربما في هذا التوقيت الذي يسبق الاستعدادات للانتخابات الرئاسية الإيرانية العام المقبل أمر مخطط له، فهو تمهيد للقادم الجديد إلى البيت الأبيض فإذا كان الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن قد أعلن عن ملامح سياسته الخارجية تجاه الملف النووي الإيراني وأنه لن يتساهل فيه ولن يقبل بعودة الاتفاق الموقع في 2015 وفق البنود نفسها، فإن نجاد سيكون رجل المرحلة كي يقابل الخطاب الأميركي المتشدد.

أما إذا اختارت الإدارة الأميركية الجديدة أن “تتفهم” الطموحات التخريبية الإيرانية فهناك ربما يظهر شخص بمواصفات وزير الخارجية الإيراني الحالي جواد ظريف الذي يبدو أنه معتدل وإصلاحي ولكنه في الحقيقة غير ذلك.

عودة نجاد إلى الساحة السياسية ما هي سوى مثل “البعبع” أو “الفزاعة” من أجل تخويف دول معينة لتعديل سلوكها مع النظام الإيراني الذي يعاني الآن من مآزق عدة بسبب سياساته، لهذا فقبل أن نحكم على المشاهد الإعلامية الإيرانية علينا أن نتذكر تاريخ العلاقات الخارجية وأن المحافظين أكثر تشددا من الإصلاحيين، ولكن الاثنين لا يختلفان في الأهداف النهائية، والدليل نحن نعيش فترة حكم الإصلاحيين الذين يفترضون نظريا أقل تشددا من المحافظين إلا أن الوقائع على الأرض العربية تبدو واضحة وخاصة العراق هذه الأيام.

الأسباب الحقيقية التي دفعت نجاد إلى الظهور الإعلامي غير واضحة، وما أعلنه نوايا في تبني أسلوب جديد في العلاقات الدولية ليست مقنعة بالقدر الكافي مقارنة بما تزخر به ذاكرة العالم أثناء فترة رئاسته ولكن يمكننا أن نجد لهذا الظهور مخرجا وحيدا أنه جاء ليلقي بالون اختبار إيراني لجس نبض المرحلة الجديدة في السياسة الدولية فالعالم كله يعيش لحظة ترقب حول ما سيفعله بايدن مع إيران الدولة الوحيدة التي ما تزال تثير مشاكل وأزمات في عدد من دول المنطقة والعالم.

إرسال تعليق

0 تعليقات