الأخوة المتآمرون.....!!

مشاهدات



سعد الأوسي


رن جرس الهاتف المحمول طويلا قبل ان افكر بالرد عليه او حتى النظر الى شاشته لمعرفة هوية المتصل. كان الوقت مساءً في يوم معتدل الجو يتأرجح بين الربيع والصيف اواخر شهر مايس عام 2014، على عكس الاجواء السياسية التي كانت ملتهبة مفرطة بسخونتها.

كنت مشغولا بكتابة مقال (استقرائي استشرافي) احاول فيه اعادة تقييم الخارطة السياسية الجديدة التي افرزتها الانتخابات والتي تنذر بعواصف ورعود وبروق، على الرغم من ان النتائج المعلنة تشير بوضوح الى فوز كاسح لنوري المالكي رئيس الوزراء المنتهية ولايته الثانية والذي بات من المؤكد انه يتحضر لولاية ثالثة شبه مؤكدة بعد الارقام الباهرة التي حققها هو وكتلته في صناديق الاقتراع بحصوله شخصياً على 720 الف صوت ، بينما حصلت كتلته على مائة مقعد برلماني ، مما يعني فوزا كاسحاً مريحا وبفارق كبير عن اقرب منافسيه، ويجعل ولايته الثالثة امرا محتوماً غير قابل للنقاش او التفاوض والمساومة.

ظل رنين الهاتف المتكرر مصرّاً على دعوتي للاجابة، فخشيت ان يكون امرا طارئاً في البيت دعاهم الى مثل هذا الالحاح غير المعهود في الاتصال.لكنّ ذلك الهاجس العائلي سرعان ما تبدد حين تبينت اسم المتصل في شاشة الموبايل المضيئة وكان احد كبار المسؤولين المقربين من حزب الدعوة.

و شعرت ان وراء هذا الاتصال امر او سرّ هام دعا الرجل الى تكرار طلبي اكثر من مرة.

حين فتحت الخط بادرني على غير عادته في الحديث بعد سلام سريع، قائلاً : اذا كنت مشغولا بتحليل او استقراء ما سيحدث فاسمح لي ان اقول لك انك مخطئ حتى قبل ان اعرف ماذا يدور في ذهنك او ماذا كتبت !!!

ضحكت بصوت عال على هذه البداية المباغتة ، ثم قلت له : حجي شنو انت فتاح فال وتقرا اللي ببالي ؟؟؟؟

قال: سأعطيك خلاصة ماسيحدث، المالكي لن يكون رئيسا للوزراء لولاية ثالثة ابدا !!!!

اخذتني دهشة وصمت طويل مأخوذا بهذا القول المفاجأة والخبر شبه المستحيل الذي يسبح ضد تيار المنطق ويقلب مجرى الأحداث !!!

 وقبل ان استوعب قوله اردف :

ابو سعود لا تدوخ ولا تفكر ،لن يدعوا المالكي يأخذ ولاية ثالثة حتى وهي استحقاقه الانتخابي مهما كلف الامر !!!!

بل حتى لو حصل على 325 مقعدا برلمانيا وليس مائة فحسب فلن تكون هنالك ولاية ثالثة !!!!!

قلت: لماذا ؟ 

ومن يجرؤ على ذلك ؟ ، والمالكي رجل قوي يمسك زمام السلطة بيد من حديد، فكيف لا يستطيع ان يأخذ حتى استحقاقه الدستوري ؟؟؟

قال: اتفقت امريكا مع النجف ضده، وقضي الأمر. 

قلت: كيف كان ذلك، ومتى ولماذا ؟

قال: لا تتعب نفسك بهذه الاسئلة، الاتفاق تم والامر انتهى، وانا اخصّك بهذا السبق ، فاخرج وتحدث للاعلام حديث الموقن المتأكد، وتحدَّ جميع اهل السياسة والاعلام والتحليل بهذا الخبر ،  قل لهم بوضوح: اذا حصل المالكي على ولاية ثالثة  - وهو امر بات مستحيلا- فسأعتزل مهنة الاعلام كلها !!!

قلب الرجل بهذه المكالمة السريعة  جميع حساباتي وموازيني واستقراءاتي وادخلني في دوامة هواجس و تحليلات ونظريات مؤامرة محتملة وغير محتملة، ودارت برأسي عشرات الأسئلة المذهولة التي انفتحت على انفاق وكواليس وخبايا لايمكن ان اجد لها اجابة مهما حاولت.لكن السؤال الاهم الذي ظل في رأسي كان: كيف سيحجبون عن المالكي ولايته الثالثة وهو يمسك بزمام الدولة وامكانية اجباره او الضغط عليه تبدو في ذلك الوقت دعابةً سخيفة !!!!.

كنت اعلم ان الامريكان لا يحبون المالكي لانه رغم كل التعامل الدبلوماسي الظاهر بينهما لم يكن يستجيب لإملاءاتهم وأوامرهم خاصة في سعيهم لاطالة وجودهم كمحتلين مهيمنين متحكمين.

وكنت اعلم ايضا ان اذرعهم في الخليج امروا اتباعهم و صبيانهم بأشاعة فوضى مظاهرات واعتصامات في الشارع السني ضد المالكي كإشارة تحذير له تهدده بمصير سياسي عاصف في حال لم يستجب ولم يمتثل.

و الامر ذاته عند الكرد الذين يبدو انهم تلقوا ذات الايعاز من الامريكان لوضع العصي في دولاب المالكي من اجل اكمال عناصر المأزق السياسي الخارجي والداخلي الذي اريد للمالكي ان ينشغل فيه ويضيع في متاهاته للحد من حضوره وتأثيره الذي بدا يتضح ويزداد يوما بعد يوم.

لذا قررت التمهل والشحة والتقتير في الحديث او الكتابة عن ولاية المالكي الثالثة بعد تلك المكالمة وهذه المراجعات للموقف الامريكي ضده انتظارا لما سيحدث، وحتى لا ابدو مغفلا في رؤيتي وتحليلي لمعطيات الانتخابات التي تقودني حتماً للاقرار بولايته الثالثة حسب العقل والمنطق والحق والقانون والدستور.

لم يطل الامر كثيرا بعد تلك المكالمة حين بدات الدنيا تنهار حول المالكي والارض تخسف تحت اقدامه بلا سابق انذار.... !!!!

وبدا كأن يدا شيطانية عملاقة بدأت تتلاعب بما يجري من احداث وشخوص.

خمسة عشر يوما فقط ثم صحونا على خبر سقوط الموصل يوم 6/6/2014 وهروب قطعات الجيش المرابطة فيها دون قتال امام الدواعش الذين لم يكلفوا انفسهم عناء اطلاق رصاصة واحدة !!!؟؟؟

كيف ولماذا حدث ذلك ؟؟؟

تضاربت اقوال وتصريحات قادة تلك القطعات عن سبب هزيمتهم غير المنطقية، وضاع الحابل والنابل فلم تُعرفْ حقيقة ما جرى حتى الآن !!!؟؟كيف يهرب جيش نظامي مدرب متفوق عدة وعددا وعتاداً من معركة قبل ان تحدث ؟؟؟؟

لا اجابات واضحة من الجميع، وكان لا بد من تحميل المالكي وزر ذلك الحدث الكبير لتكتمل صورة المؤامرة !!!!.

وكأنها لم تكفِ على شدة هولها، فكانت الثانية، حيث لم تمر سوى ستة ايام فقط لتزلزل الاسماع والقلوب فاجعة سبايكر وشهداؤها ال 1700 شابا اعزلا بريئاً قتلوا غدرا لايدرون فيم قتلوا ولماذا ؟؟؟


لم تأت اخبار او معلومات واضحة ابدا عن مجزرة سبايكر ايضاً ، سوى اقوال متضاربة لاقيمة لها ابدا ؟

وكان لابد لعرّابي المؤامرة تحميل المالكي وزرها تأكيدا لعدم حصوله على الولاية الثالثة حتى وان كانت استحقاقا انتخابياً موجباُ.

قلبوا الطاولة وغيروا الوقائع،ليدفع المالكي وحده الفاتورة كلها، 

فاتورة الاتفاق الامريكي النجفي العجيب ا!!!!!!

واخفق طاقم مساعديه السياسيين والاعلاميين في التعامل مع تلك التداعيات لتبرئته من ذنب لم يرتكبه وجريرة لم يقترفها او يشارك فيها. 

كانت الموجة اعلى من قدراتهم ووسائلهم لذلك صمتوا ووقفوا يتفرجون بينما كان الرجل يغرق في بحر الشائعات والاكاذيب والفبركات والحملات الاعلامية مسبقة الدفع التي كانت ايذانا وتجهيزا لانطلاق الصفحة الثانية من المؤامرة، وهي الصفحة الاكثر قسوة وايلاما وجحوداً وخيانةً،  كونها غدر اصدقاء ورفاق درب طويل !!!

على حين فجأة تشكل فريق رباعي من اقطاب حزب الدعوة في شبه انشقاق ، جميعهم من المقربين جدا لنوري المالكي، وهم :

1- علي العلاق

2- طارق نجم

3- وليد الحلي

4-  حيدر العبادي


كانت مهمتهم وضع اللمسات النهائية لخطة ابعاد المالكي وبالتنسيق مع سليم الجبوري وفؤاد معصوم اللذين كانا مستعدين للاتفاق مع الشيطان للحصول على منصبيهما رئيسا للبرلمان ورئيسا للجمهورية ...... !!!!

وكانت الاشارة التي ارادتها (مجموعة المؤامرة) من هذا الاتفاق تقول:

 ان السنة العرب والكرد يقفون ايضاً ضد حصول المالكي على ولاية ثالثة مهما كان استحقاقه وشرعيته وقوته وتأثيره  !!!!. 

والحقيقة ان الذي حدث كان انقلابا سياسيّاً كامل الأوصاف صريح الملامح، انقلاباً ابيض مصحوبا بصفحة عسكرية سوداء، نفّذ فيه الامريكان حصتهم من الاتفاق بتوجيه القادة العسكريين العراقيين المتمركزين في الموصل، بوجوب ترك مقراتهم العسكرية والهروب الى كردستان وبغداد لاشاعة فوضى انسحابات مخزية، مع ترك كامل عدتهم وعتادهم على الارض وفتح المجال كاملا امام الدواعش للدخول والسيطرة على المدينة.

وفي الوقت ذاته الامتناع عن تقديم اي عون للمالكي وتلبية حاجة الجيش العاجلة الى السلاح والعتاد لاعادة الصولة على الدواعش وتحرير الأرض من دنسهم. 

ولاحكام طوق المؤامرة وزيادة عيار تأثيرها صار الجيش الامريكي يلقي الاسلحة والاعتدة من الجو للدواعش ضماناً لتفوقهم على الجيش العراقي وغلقاً لجميع الابواب امام المالكي !!!!.

أما الصفحة السياسية من المؤامرة فقد تكفل بها جماعة النجف، توجيهاً و تشجيعا  ومساندة وحماية لمجموعة الاربعة المتآمرة من قيادات حزب الدعوة، للمضي بقرار استبعاد زميلهم ورفيق دربهم نوري المالكي عبر تكليف سريع لحيدر العبادي برئاسة الوزراء على الرغم من انه لم يكن وقتها في العير ولا النفير، لا حزبياً على مستوى التنظيم الداخلي ولا سياسياً على مستوى الحضور والتأثير في الحراك العام.

 لكن ساعة حظه كانت قد حضرت          وواتت و اتسقت مع الارادات الكبيرة.

هكذا سلّم المالكي كرسيّ الرئاسي الى ابعد الناس استحقاقاً ومنافسةً، وهو بين الذهول والمرارة والقبول بالامر الواقع، و هكذا حُمِّلَ وزر الموصل وسبايكر وقائمة طويلة من الاتهامات نسبت له كل ماحدث من الاخطاء ماضياً وحاضرا ومستقبلاً !!!!

وانتحى الرجل جانباً فرط حزنه وجرحه و ذهوله من رفاق الأمس و وضاعة المؤامرة التي استهدفته.

وكان ذلك بداية التداعيات والانهيارات والازمات الكثيرة التي عصفت بالبلد منذ 2014 حتى الآن.

انهار الاقتصاد تدريجيا حتى وصل الى عجز الدولة عن دفع رواتب موظفيها

وانهار الامن حتى وصلنا الى عودة استقواء بعض الميليشيات المسلحة وفرض سطوتها على الدولة كلها.

وانهارت اسس التفاهم السياسي ومنظومة التوازن الاثني فانقطعت اواصر التواصل الشيعي السني الكردي، بعد ان حافظ نوري المالكي على تقاربها واستحقاقات كلٍّ منها  بالرغم من كل الازمات والصراعات والاجندات الخارجية. وان اية مقارنة في هذا الصدد بين ماكانت عليه هذه العلاقة المميزة في زمنه وبين ما آلت اليه الآن ، لابد ان تعترف بالبون الشاسع بينهما  بدلالة الازمات الكثيرة التي تعصف بالعلاقة بين سلطة المركز والاقليم الكردي من جهة. هذا غير ما وصل اليه السنة العرب في العراق من التهميش والاحباط واليأس والشعور بالاقصاء الشديد.

والآتي اعظم واكثر مرارة وضياعاً وشعورا بالخيبة.

 زمن المالكي على الرغم من الانتقادات والملاحظات والاخطاء التي رافقته بتأثير كثير من العوامل الداخلية والخارجية، هو الزمن الاكثر نجاحا ورفاهية وأمناً واستقرارا ، شاء من شاء وابى من أبى، فالحقيقة اسطع من ان تحجب بغربال الحقد والمنافسة السياسية والطمع والعداء والاستهداف.

ولن تعود امور الدولة الى الانتظام والاستقرار كما لن تحل المعضلات الرئيسة التي تزعزع أركان الوطن والانسان واولها المعضلات الاقتصادية الا بان يوكل الامر من جديد الى يد قوية حازمة خبيرة لادارة البلاد مثل نوري المالكي.

ولماذا تراني أوارب وأكنّي وأشبّه وأشير من بعيد في هذا المفترق الصعب من تاريخ العراق ؟

سأقولها ملء الفم وبصريح العبارة وليشتمني المبغضون ويلعنني اللاعنون:

لن تعود الدولة الى نصابها واستقرارها اذا لم نوكل امرها الآن الى نوري المالكي لانه الاصلح لادارتها في هذه المرحلة من جميع الموجودين في المشهد السياسي .

واتحدى الجميع ان يقترحوا اسماً غيره بكفاءته وحضوره وقوته وقدرته.

اتحداهم لانني اعرف انهم سيعجزون.


تنويه

لا يعنيني من سيقول ان هذا المقال مديح للمالكي وتلميع لصورته، لانه ليس من مهمتي ولا شغلي ابدا مجادلة الاغبياء والادعياء والمتفيهقون واصحاب النفوس السوداء، فالحديث معهم عبث ومناكفتهم حماقة لن ارتكبها ابداً.

اما أهل العلم والمعرفة والوعي والعقول السليمة فلن اضطر ان اوضح وأقول لهم ان هذا المقال بعض من تاريخ او شهادة حق للتاريخ، الذي نريد ان نفهمه ونستوعبه ونرويه بلا كذب وتدليس وتزوير.

فهم يعرفون ذلك بالتأكيد والعارف لا يُعرّف.

إرسال تعليق

0 تعليقات