هل تعتذر أميركا للشعب العراقي؟

مشاهدات

 




سمير داود حنوش


دائماً ما كُنتُ أبحث عن تفسير لِحكمة تقول “لا يوجد أبلغ من العاهرة حين تتحدث عن الشرف” لأجد هذه الحقيقة المؤسفة واقعاً نتعايش معه في أيامنا وزمكاناتنا.

بعد ما يُقارب العقدين من الفوضى والانحلال والفساد وخراب البلد وضياع السيادة وتناثر الجُثث على أرصفة الشوارع وفقدان بلد بِفعلٍ فاسق جاءهم بنبأ كاذب عن امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل لم يتبيّنوا حقيقة هذا النبأ فاستباحوا غدراً البلاد والعباد، وها هو العُهر السياسي يفضح نفسه بعبارات البراءة والتنصّل من الذنب والحسرات، فماذا نقول لكم؟

بعد عقدين يعترف غُزاة العراق أنهم كانوا مُخطئين، لكن اعترافهم بالذنب جاء مُتأخراً، فوقاحة اعترافهم تكمن في تبريرات وذرف دموع التماسيح على الحال الذي أوصلوا إليه العراق. مجلة “إيكونوميست” البريطانية تختتم تحليلا لها بالقول “لقد سَئمتْ أميركا من مُجالسة الأطفال في بلاد كلّفتها أكثر من أربعة آلاف جندي ومئات المليارات من الدولارات”.

أما وقاحة صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية وصلت إلى درجة اعتبار العراق دولة فاشلة داخلياً وخارجياً وعلى جميع المستويات السياسية والأمنية، مُتّهمة بِمن جلبتهم من أرصفة الشوارع وأزقّة التسوّل بأنهم السبب في ذلك الفساد الرهيب الذي يُعاني منه البلد، فأيُّ وقاحة بعد ذلك يوصفون بها؟

الصحيفتان الأميركية والبريطانية ربما لم تتجرّءا حتى للسؤال عَمّن جاء بهؤلاء السُلطويين ومكنهم من حُكم العراق ومَن المسؤول الذي أوصل هذا البلد إلى حضيض الانهيار، في حين كان الأجدر بهم أن يوجهوا ذلك السؤال إلى جورج بوش الابن وتوني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق اللذين جَيّشا أكثر من ثلاثين جيشاً لدول مُتعددة من أجل غزو العراق وشعبه.

الغريب أنه بالرغم من كُل هذا الدمار والتخريب لم يعترف “الشيطان الأكبر” بِمسؤوليته عن الضرر وأخطائه التي استباحتْ العراق، لكنه يُبرّر تلك الأفعال بأنه كان يُريد إقامة دولة ديمقراطية، في حين أن العالم الذي يَدّعي السلام ومُناهضة العُنف لو كان يحتكم على القليل من مبادئ الشرف والحكمة لفرض على نفسه إقامة مُحاكمة عادلة بِتُهمة جرائم الإبادة الجماعية والتطهير لِكُل من بوش وبلير عن أفعالهم النكراء في العراق. ثُم أين دور المُنظمة الأممية وأمينها العام في ذلك الوقت كوفي عنان من كُل ما كان يحدث، وكيف ارتضتْ لِنفسها السكوت أو حتى التواطؤ مع إرادات الغُزاة؟

ها هو العراق الذي سَمّوه البوابة الشرقية للأمة العربية يوماً ما يتهاوى وتسقط معه كُل أعمدة المعبد، فَمن المسؤول عن ذلك؟ أميركا أم الذين جلبتهم معها أم ذلك الشعب الذي ذاق ويلات الحروب والحِصار لِيختم أيامه بالفساد واللصوصية؟ من المسؤول عن ذلك يا راعية الديمقراطية؟ ها هم بيادق الاحتلال يعيثون فساداً في الوطن فهل نبتسم أو نستبشر خيراً لِمن يقول أن العراق أصبح فاشلاً؟ هل يستطيع هذا الإعلام الغربي الذي أعلن براءة أولئك الغُزاة أن يسألهم من المُتسبب في كل ذلك الخراب؟ هل كان صدام حسين فعلاً يمتلك أسلحة دمار شامل؟ وهل يكفي أسف توني بلير للوضع المأساوي في العراق واعتذاره مُبرراً ذلك بِحُسن النيّة كما يدّعي؟ ربما كان العراقيون سيجدون بعض العُذر في ذلك الوقت لِمن انتهك بَلدهم ودمّر شعبهم لإقناعهم بحجة الخلاص من الدكتاتور، لكن بعد مرور أكثر من 19 عاماً من زمن الخراب بات لا يشفع لهم حتى ولو كان بِحُسن نِيّة وسواء اعترف إعلامهم بخطاياهم أم لم يعترف فشواهد الجريمة في تدمير هذا البلد لن تمحوها تبريرات أو دموع لأن العراقيين يعلمون جيداً أنها دموع التماسيح.





إرسال تعليق

0 تعليقات