عذاب الركابي
الوطنُ كلمة ذات كبرياء .. !
والوطنُ وحدهُ غيرُ قابلٍ للتفاوض ، كما الحرية ، كما الحُلم ، ولا أحد يفاوض أو يساومُ على نبضِ قلبهِ ، كذلك الوطن ، طرفُ الرهانِ على المستقبل المضيء الآمن للمواطن ..!
وأبشعُ مايُقرأ في دفاتر الوطن ، وقد طالت أبجدية حروفها الرطوبة وغبار النسيان ، هو مايعانيه المرءُ في شعورهِ بأنهُ اسمٌ مهملٌ في الوطن – اللاوطن ، ورقمٌ مجهولٌ في الحياة الباحثة عن الحياة ،وعلى خريطة الوجود ، وعنوانه الدائمُ اللامكان ، وأمنياته وأحلامه وذكرياته كلّها في منطاد اللازمان ..!
.» أحِبُّ نسيمَ بلادي ،
لكنهُ لايُبادلني الحُبَّ» !
كلما احتجتُ – كمواطن- إلى إصغاءة – حتى لوْ سريعة – من الوطن إلى نداءاتِ أحلامي ، وانتفاضاتِ أمنياتي ، انتابني هذا الشعور المؤلمُ الحزين ، وهو بمثابةِ سرقة مبيّتة لسنوات وأيام العمر .. !
في قصائدنا المتمرّدة الصاخبة في رومانيستها نقولُ : مافائدة امرأةٍ لاتمنح عاشقها الدفءَ! وفي فقهِ وبلاغة نثر الواقع نقول : مافائدة وطنٍ لايصغي إلى أحلامك ! يبتعدُ عنك في الشبهِ والملامح ، ويمرّ من جنبك ، ولايوحعهُ أنينك ، وجمر حيرتك ، ويدّعي أنهُ لايراك ..!!
. أنا أحد المواطنين مجازاً ، المتورّطين بالوطن ، وعراقيتي هوية مفقودة ، خطى انتماء مضطربة ، أملٌ يُشبهُ اليأس ، حضور بطعم الغياب ، وحياة بطقوس موتٍ مداهم .. والوطن متورّط بي على طريقته ، لامبالاة مؤلمة ، وهو مخمور بنبيذِ ضياعهِ ، وغيابهِ في سطور كتاب الواقع ، الصادر عن دار نشر الانتظار !
العالمُ ماضٍ في الحياة إلى الأمام .. إلى المستقبل بلا معاناة .. وبلا تعب.. إلى حياة الحياة! في عصر المعلومات والتقنية والأنترنت والذكاء الصناعي ، وقدْ غدا العالم قرية صغيرة ، عصر السباق الحضاري وإثبات الوجود ، والإنسان – المواطن هو رأس المال الحقيقي لكلّ وطن .. والعراق الحبيب يخرج من خريطة العالم إلى صحراء الكون بلا انتهاء ، وهو صانع الحضارة ، وطن سومر وبابل وآشور ، مَن زلزلَ تربة الأرض ، وغيّرَ في سيرِ الكواكب ، يغدو عبر كاميرا الذات الحائرة – المواطن ، وطناَ ضبابياً ، كلّ مافيه من مظاهر التقدم هي إلى الوراء .. وطنٌ على ظهر سحابةٍ تمطرُ بعيداً ، والمواطن المجاز اسمهُ القهرُ و الضياع ..!
كلّ القوانين التي ابتدعتها الأنظمة والحكومات السابقة من فوق كراسيهم الصدئة هي امتهان وإذلال ، ولاعلاقة لها بأبجدية الإنسانية والحضارة والتقدم .. كلّ « شهادة ميلاد» و»شهادة جنسية» وبطاقة أحوال مدنية « شاحبة الحروف وهي نتاج القوانين العثمانية البالية وأضابير الروتين الحكومي المُمل بلا حدود ..!
المواطن العراقي في الداخل مطحون ، ورغيفه المُرّ الدائم الحيرة والضياع ، وهو رهين الامتهان والإذلال والانتظار حتى إشعارٍ آخرَ .. بلْ وحتى آخر رئيس وزراء قادم ، حين يسعى حتى اللهاث والتعب للحصول على أبسط حقوقه في الحياة .. ويصبح تعريفُ الوطن لديه ، ليسَ أكثر من كذبةٍ متداولةٍ مرعبةٍ ..!
أما المواطن العراقي خارج بلدهِ الذي يسعى لصنع مستقبلٍ آمنٍ لأسرتهِ وأولاده ، تلاحقه القوانين الجائرة ، التي لم تعُد «شتائم ملائكية» ، كما تصفها القصائد ، حين يضحي هدفها الأسمى ، وهي قوانين بالية لاتمت بصلة إلى الإنسانية والحضارة والتقدم ، ولاعلاقة لها بإيقاع الحياة والكون والعالم والإنسان الجديد الحالم .. سفرٌ مضنٍ إلى كوكب رعبٍ وقلقٍ وامتهان ..! كلّ مواثيق حقوق الإنسان تنصّ على أنَّ السفاراتِ والقنصلياتِ هي أوطان صغيرة ، بقوانينها ومسؤوليها وموظفيها ، وقد شيدت مبانيها لصالح المواطن ، ووسيلة حبٍّ وجذبٍ أكثر للوطن والحياة والمستقبل ، وليست مجردَ كياناتِ تمثيلٍ للوطن ! هذه المؤسسات الرسمية التي لها هيبتها لدى المواطن في كل مكان في العالم ، ترتفع فوقها الأعلامُ خفاقةً برياح الأمان ، ويراها المواطن درعَ حمايةٍ في غربتهِ .. المنتسبون والعاملون في السفارات والقنصليات العراقية ، وفي غرفها المكيّفة بروائح العملات الصعبة ، مكبلون بقوانين موروثة ، إرث حكوماتٍ مَدينةٍ لتبعيةِ قوى وأنظمة ظاهرة وخفية ، الهدف منها إرباك حياة المواطن خارج بلده ، وليست سنده وحمايته ، وكأنَّ اغترابه ، وبعده عن أرضه وأهله وذكرياته غير كافٍ لإنهاكه والعبث في حياته ..!!
. العالمُ يتقدمُ تقنياً ، ويتطور كلّ يوم بلْ كل ساعةٍ وثانية لاختصار الزمن على إنسانه الساعي للمشاركة في جمال الحياة وصنعها .. والعراق الحبيب مازال غارقاً في قوانين ومخلفات القرون الوسطى وهي خارج الزمن الماضي والآتي، وحكوماته غير عابئة يثورات التقنية للتواصل ، ولا بالزمن الذي لايتوقف ، بل ويصعب قهره وهزيمته – برؤى فلاسفة العصر ومفكريه ..!!
أمام هذه التقنية الضاجة الصاخبة وهي تزلزل كلّ الممالك والأمبراطوريات ، وهي تحكم بعنادٍ جميل ٍ.. لماذا لايكون سهلاً اتصال السفارات والقنصليات في الخارج بكل المؤسسات العراقية في الداخل مثل دوائر الأحوال المدنية ، والجنسية العامة ، والخارجية ، وقسم الجوازات والجنسية في وزارة الداخلية ، عبرَ منظومةٍ راقيةٍ في كلّ قنصليةٍ ، تتحدى الزمن ، تمنح الموظفين والمسؤولين العاملين في القنصليات الصلاحية والطرق السهلة المضيئة للاتصال بهذه المؤسسات ، وتمكن المواطن العراقي في بلد الإقامة من تجديد أو الحصول على «صورة قيد» أو « شهادة جنسية « أو» بطاقة أحوال مدنية» مستندات مهمة يتوقف عليها تجديد جواز سفره الذي هو صك حياتهِ ، مادام يمتلك أصل تلك المستندات التي أشرفت على انتهاء تاريخ صلاحيتها !؟ قولوا لي ماالصعوبة في ذلك ؟ هل « مضى عهد الرأفة» كما يقول المبدع الأفريقي تشينو أتشيبي !؟
ولكن دعونا نتفائلُ على إيقاع نداء الروح الظامئة ، وعطشها النهرُ ..!!
هل تمنح دولة رئيس الوزراء صلاحية كافية للمسؤولين والعاملين في القنصليات ، بدون استثناء ، تمكنهم من إنجاز عملٍ مثمرٍ جادٍ للمواطن ، يختصرُ عليه زمنه ، ويمنحهُ ليلة هانئة يحلم فيها بالعيش في وطن صباحي جميل ؟ عذراَ ! هو تفاؤل ميتافيزيقي على طريقة» فولتير» في روايته « كانديد»!
وهل يمكن إلغاء كلّ أبجديةٍ لنصائحِ القنصليات المرعبة :»عليك الذهاب إلى بغداد» !! «فهذا المستند يتطلب حضورك شخصيا « ! والله لأكثر من أربعين عاماً -سفراً وغربة- لم أسمع بهذا من أي مواطن عربي ولا أجنبي ! هل ينتهي فقه تلك القوانين التترية الجائرة ، وهي تميت النبض في قلب مواطن ساعٍ لأن يعيش بحق إنسانيته وآدميته وحياته .. وتحيل الوطن – الحُلم الجميل إلى سجن بأبواب صدئة !؟ نعم !! هو تفاؤل ميتافيزيقي يارئيس الوزراء
0 تعليقات