عمر سعد سلمان
مرت عقود من الزمان والمنتقدون يراهنون على زوال الولايات المتحدة. سخروا من فراسة بوش العسكرية ووصفوه بأنه ليس أكثر من مساح ارض عادي. وفيما لينكولن على وشك ان يصبح رئيساً، دعته افتتاحية احدى الصحف بـ (بابون) الذي سيدمر البلاد، واراد اليابانيون في سنة 1980 ان يتفوقوا على الولايات المتحدة انتاجاً وتجارة الى ان تصبح في طي النسيان، لكن ما من أحد يستطيع اخذ المستقبل من الولايات المتحدة بسهولة، الا في حال تنازلها عنه. وقد اشتهر عن تشرتشل قوله قبل وقت ليس بالطويل على انخراط الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية (ان أمريكا تقوم دوماً بالأمر الصائب بعد ان تستهلك كل البدائل).
ان البلدان الأكثر نجاحاً هي التي تمتلك معاً اقتصاد سوق قوي ونشط وحكومة فاعلة يعملان معاً لتحقيق الأهداف المشتركة. ولا يوجد هناك أي دليل على امكان نجاح الولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين من خلال استراتيجية معارضة للتدخل الحكومي. وعلينا لتحقيق المزيد من النمو الاقتصادي الذي يتشارك فيه الجميع على نطاق واسع، ان نتبع استراتيجية تعمل.
ولا يتوجب ان يتميز الامر بهذا القدر من الصعوبة. فأمريكا هي في النهاية التي طورته. فقد ساعدت الحكومة الامريكية في عهد روزفلت ولغاية عهد فرانكلين ديلانو في إزالة شوائب الثورة الصناعية، وترسيخ النظام المالي، ومساندة الأمريكيين الأكبر سناً، وإقامة بنى تحتية كبرى، وايصال الكهرباء والخدمة الهاتفية الى الريف الأمريكي، والتعبئة لمحاربة الكساد وكسب الحرب العالمية الثانية. واستمر الاقتصاد في النمو. وساعدتنا سياسات الحكومة بعد الحرب العالمية الثانية ولغاية 1981 في بناء الطبقة المتوسطة الأكبر في العالم وفي خفض التمييز بحسب العرق والجنس، وفي خفض معدلات الفقر وتشريع الأبواب امام الدخول الى المعاهد، وزيادة الوصول الى العناية الصحية، وفي تنظيف البيئة بطريقة عززت النمو الاقتصادي وبالتالي تعزز الاقتصاد الأمريكي وقدراته التنافسية والتي ولدت المزيد من الثروة والوظائف وزادت من المداخيل التي رفعت من مرتبة الطبقة الوسطى وخفضت الفقر.
وفي عام 2010 صعدت نوعية أكثر راديكالية وليست محافظة الى الكونغرس، من الناشطين المعارضين للتدخل الحكومي. حيث ان الناخبين الامريكيين آنذاك لم يقصدوا اتخاذ مثل هذا المنعطف الحاد وظنوا انهم سيحصلون على تدخل حكومي اكثر مما يجب من الديمقراطيين وارادوا المزيد من التوازن.
ويحتاج الاقتصاد الأمريكي ليبقى رائداً في هذا القرن الى التركيز على القطاعات التي يرجح اكثر ان تنتج وظائف جديدة لها تأثيرات إيجابية متنامية، ووظائف في انشاء البنى التحتية الحديثة والصناعة المتطورة جداً والتكنولوجيا الخضراء والبضائع والخدمات المصدرة، والقيام حرفياً بعشرات الأمور الأخرى التي يمكنها عند اتحادها ان تحدث وقعاً حقيقياً راهناً وتزيد ايضاً في نمو الاقتصاد الأمريكي على المدى الطويل الأمد.
كما تبرز الحاجة الى تحريك الأموال. فغالباً ما تستغرق السيطرة على الركود الناتج عن الانهيارات المالية وقتاً أطول من ذلك الذي يتطلبه ركود الدورة التجارية، لان البنوك تحجم عن التسليف، والاعمال تمتنع عن الاقتراض، وتتردد الشركات في التوظيف، ولا يرغب المستهلكون في الانفاق. اما الخبر السار هو ان المال متوفر في الولايات المتحدة بشكل كبير. فالمصارف تمتلك ما يزيد عن تريليوني دولار من الاحتياطي النقدي غير المخصص للقروض. وتمتلك الاعمال من كل الاحجام، حجماً موازياً غير مخصص للاستثمار. وتمتلك الشركات العشرون الكبرى نحو 350 مليار دولار أبرزها (جنرال الكتريك) و (مايكروسوفت) و(ابل) و(كوكا كولا) و(جونسون اند جونسون). وبما انه يمكن للبنوك ان تقرض بتحفظ 10 دولارات عن كل دولار في الاحتياط، فان للمصارف الامريكية القدرة نظرياً على انهاء الانكماش الاقتصادي العالمي برمته.
تستطيع الشركات استثمار أموالها النقدية في منتجات جديدة تزيد من التوظيف اليوم او في البحث والتطوير اللذين من شأنهما زيادة التوظيف ايضاً بل وحتى المزيد منه في المستقبل. ومن سوء حظ البنوك انها تحجم عن الإقراض، كما ان الطلب على القروض ضعيف، اما بالنسبة للشركات الكبرى فقد قرر رؤسائها التنفيذيون عدم الاستثمار في النمو المستقبلي والاكتفاء بإعادة شراء اسمهم لزيادة توزيعات الأرباح السهم.
ومن الضروري وضع حد لفوضى الرهن العقاري أسرع ما يمكن، لان الإخفاقات المستمرة تتخم السوق العقارية بالمنازل الفارغة التي تقيد الاقتصاد والأسر الامريكية التي تعاني من ظاهرة 25% من منازلها اقل من رهوناتها.
ويبقى تحدي تراكم ديون الانهيارات المالية السبب الرئيس الذي يجعلها تتطلب 5 سنوات او اكثر للتخلص منها بدلاً من فترة الانتعاش من الانكماش النموذجي التي تتطلب سنة او اقل، ويشكل الدين الكبير العالق السبب الرئيسي الذي يؤدي ببرنامج التحفيز الى معنا من السقوط في الكساد التام ولكنه لا يستطيع اخذنا الى الانتعاش التام.
0 تعليقات