الأسئلة غير النمطية في رواية الوداع الفاخر للكاتبة مروة جعفر

مشاهدات


 

إبراهيم رسول

تثيرُ الكاتبة في هذه الرواية التي هي أوّلُ روايةٍ لها أسئلة غير تقليدية، وتسلك مسلكًا ناقدًا في كثيرٍ من القضايا الحياتية والهموم اليوميّ، فالأسئلةُ لا تبحثُ عن إجاباتٍ مقولبةٍ جاهزةٍ بقدر ما تحتاجُ إلى تأملٍ طويلٍ، فمن هذا التأملُ تخرج الأجوبة الذكية التي تحاول أن تُجيب على أسئلةٍ وجوديةٍ، الأسئلةُ الباحثةُ عن تأملٍ خيرٌ من الأسئلة التي تبحث في النمطي المكرر الذي استُهلك في مرّاتٍ كثيرة ولم يعد البحث فيه مجديًا أو نافعًا في أسئلةِ الحياة المعقدة والكثيرة. الروايةُ تتحدثُ عن شابةٍ عراقيةٍ لها شخصية مميزة، فهي الأنثى الطموحة لغدٍ يكون مناسبًا يليقُ بها وبشخصيتها المميزة بحسب ما ترى نفسها فيه! الروايةُ لا تعتمد على لغة التخييل فقط، بل هي تلجأ أن تكون لغتها لغة يفهمها ويقترب منها كلّ القرّاء على اختلاف أذواقهم، لأنّها لغةُ اليوميّ المعاش أو لغةُ الواقع الحقيقي في مكانٍ وزمان الأحداث التي حُدِدت فيها الرواية، فأنت تلمحُ أنّها تثيرُ أسئلة هي أكبر من حجم الشخصية الساردة في الرواية (شمس)، لعلَّ شمسَ واحدةٌ من الشخصيّات التي لا تنفك تحاولُ أن تكون الأثيرة في كلِ شيءِ وفي كلّ وقت، هي تغار من أختها الأصغر بسبب اهتمام أمها بها! هذه الغيرة أو اللعنة التي جعلت (شمس) تعقد المقارنات بين شخصيتها وشخصية أختها الأصغر (لجين). هذه الغيرة ليست بتلك الغيرة التي يمكن ألا تترك خلفها سلوكيات ودلالات تؤثر عليها, بل هي غيرة قد تكون مرضية في أحايين كثيرة وفي ظروفٍ كثيرة, لكن طريقة شمس قد تكون غير طريقة غيرها .رواية الوداع الفاخر الصادر عن دار أفكار للطباعة والنشر والتوزيع في النجف بطبعتها الأولى سنة 2021, تشتغلُ على إثارة الأسئلة غير التقليدية , وتقنية الإثارة والتأمل تعطي وظيفة للمتلقي أن يُسهمَ مع المبدعة في عملية التبادل الثقافي والمعرفي, وكأنّ الأسلوبَ عند الكاتبة مروة جعفر يعتمد على قطبين اثنين مشاركين في العمل, فهي لا تغفل دور المتلقي من عملها, وتعمد إلى مدِ جسورٍ من التواصل بينها وبين الآخر, هذه التقنية هي تقنية جديدة في العمل الأدبي الروائي على وجهِ الخصوص, كون الرواية بناء معماري, يتألف من عدة أبنية ولكلِّ بناءٍ هيكل , فالهيكلُ يمثل الجزء من الكل وهو البناية في هيئتها العامة, وما تطلقهُ الكاتبة في روايتها هذه, هي سرد حكايات جزئية لكنها تصبُ في صالح البناء المعماري ككل, أيّ أنّ الأجزاء التي تسردها عبر حكاياتها التي كثيرًا ما تتم عبر تقنية الفلاش باك, هي حكاياتٌ تكون القصة الكبيرة, الحكاياتُ الصغيرةُ هي جزءٌ من الحكاية الأصل _ الأم, والتي نستطيع أن نوجزها بالعنوان ( التأملاتُ غير التقليدية في الحياة للأنثى) هذه التأملاتُ لم تكن محظ أسئلة أنطولوجية فحسب, بل هي تعني في ضمن ما تعنيه, أنّ مسألة الحضور الوجودي للمرأة في مجتمع الرواية, ما يزال يكتنفهُ قصور النظرة الشاملة التي تجعل للأنثى الحضور الفاعل والمؤثر في الحياة العامة, ولعلَّ رأيّ أهلها في اختيارها لدراسةِ قسّمِ الإعلام , يعد النموذج لما يُمكن أن يعطي الصورة التي تحاول أن ترسمها في مخيلة المتلقي, وأنّ حجة الأهل في رفض الإعلام ( بحسب شمس بطلة الرواية) أنّ مهنةَ الإعلام تستدعي الظهور وتعني الجرأة التي قد يخشاها الأهل! إلا أنّ البطلة (شمس) تُحاول أن تُثبتَ العكس وتصرّ على أنّ المرأة بإمكانها أن تعملَ أيّ عملٍ ما دامت تستطيع أن تحفظ كيانها من أيِّ تشويهٍ أو حطٍّ لشخصيتها. العتباتُ النصّيةُ لها من الأهمية ما جعلها تقترب من أن تكون علمًا قائمًا بحد ذاته، وهذا العلمُ يتعمد على منهجيةٍ تدرس دلالات هذه العتبات، ولعلَّ عتبة الإهداءَ فيما تمثلهُ من حضورٍ فاعلٍ مؤثرٍ في النصّ العام، في عتبة الإهداء تلمح الكاتبة إلى طبيعةِ خطابها العام أو المجمل في عملها الإبداعي، إذ تقول في الإداء: إلى أخطائي التي صنعتني. هذه الجملةُ بما تحمل من دلالات تعطي إشارة إلى فهم تجربة حياتية, هذا القولُ ليسَ قولًا اعتباطيًا, فهو ينمُ عن خوض تجارب حياتية كثيرة, وإلا فكيف تتم المعرفة ما لم تسبقها تجربة أو تجارب, وهذه التجارب كانت أخطاءً, لكنها صححت وصنعت الكيان المستقبلي لشخصية ( شمس), هذه الأخطاء هي الدروس التي يتلقها الإنسان ويتعلم منها, وإقرار الكاتبة بأنّ هذه الأخطاء هي التي صنعتها إشارة إلى أنّها قد تعلمت من هذه الأخطاء وخرجت منتصرة كونها صنعتها مستقبلًا, وهذا الصنعُ الجديد يعطي إيجابية عالية في المسار الصحيح, لأنّ الإقرار بالخطأ أوّل مراحل الإصلاح وهذا ما أشارت إليه الكاتبة في عتبة الإهداء.
قامَ البناءَ الفنّي في الرواية على بثِ أسئلةٍ ذكية وهذه الأسئلة تأتي عبر إطلاقها أثناء السرد في تقنية الفلاش باك, والمميزُ الجميلُ في هذه الرواية, أنّها اعتمدت على تقنية الفلاش باك, ولأنّ ذاكرة الخطأ وإثارة الأسئلة المهمة والكبيرة, كان موفقًا للغاية, كأنّ النصّ يريد أن يكون من خلال الخطأ يأتي السؤال التأملي الذكي, وهذا أسلوبٌ غلبَ على طبيعة الرواية, فأنت واجدٌ الرجوع إلى الوراء وإطلاق السؤال الذي يحتاج أن تتأملهُ, التداخلُ الثقافي في مخيلة المبدعة جعلها تميلُ إلى الفلسفة الحديثة في أسئلتها الأنطولوجية, وهذه الأسئلة غير النمطية سنأخذ مثالاً واحداً للإشارة إلى عنوان المقالة:
السّؤال الأوّل: الذي تمثل في رؤيتها إلى الحياة وجدواها، فهي ترى أن الحياة عبثيةٌ ولا منطقية فيها لأنّك تأتي إليها لتشقى ومصيرك الفناء والخروج منها دون أن تأخذ منها الشيء البسيط حتى، إذ تقول في الصفحة 6: أرى حياتي التي قطعتها كنفقٍ مظلمٍ تلمع في آخرهِ الأضواء، أحاولُ الجريَ إليها هربًا من ظلامي، إلا أنني وفي كل مرّة لا ألقى سوى العدم فلا أحصّل على شيء مما كنت أجري نحوه. مسألة عدمية الحياة ولا جدواها، هي صراعٌ أزليٌ فلسفيٌ دينيٌ، والخوضُ فيه لم يُحسم بالصورةِ النهائية، لكن الأسئلة الذكية تحتاج إلى أجوبةٍ ذكية، وإلا فالكاتبة لا تطلق الأقوال جزافًا في عملية الحشو الكلامي الذي لا طائل منه، بل أنّها تضمن كلامها دلالات ومعانٍ كثيرة، وقد تجلّت اللاجدوى من الحياة في أسئلتها حينما سمعت نبأ وفاة (جدها)، هذه الأسئلة هي ليست للإجابة الجاهزة، فهي أسئلة لأشياء غيرها تخصّ الحياة برمتها ووجود الإنسان فيها.
روايةُ الوداع الفاخر، أطلقت العديد من الأسئلة، وأثارتها دون أن تعطي أجوبةً، لأنّها لا تريد الإجابة الجاهزة المعلّبة، فهي تريد التأملات الكثيرة في العالم الذي يعيش فيه الإنسان، لعلَّ سؤالها في كيفية وجود الإنسان (عبر عملية التواصل الجنسي)، أثار فيها أشياءً كثيرة حتّى أنّها كانت منذهلة من الطريقة التي يتواصل بها الرجل مع المرأة ليأتي الإنسان الجديد. الأسئلة الأنطولوجية التي وردت في الرواية، تعني حالة الاضطراب الشخصي الذي تعيشه شخصية (شمس)، وهي تشعر بأنّها المميزةُ الأفضل الذي ينبغي لها أنّ تكون على الدوام في المقدمة أو الصدارة، وإلا فهذه الأسئلة هي دلالاتٌ كثيرة، وكون النص الأدبيّ، هو نصٌّ يقبل أوجه كثيرة من القراءات، لأنّ سمة الأدبية في النصّ تجعله مرنًا وحمّال صورٍ دلالية عديدة.

إرسال تعليق

0 تعليقات