العراق وتغيير الحليف الاستراتيجي

مشاهدات

 





الاكاديمية والخبيرة القانونية
د. راقية الخزعلي



يتصور البعض ان العراق بعد مباحثات واشنطن، امام حليف استراتيجي جديد وهو الولايات المتحدة الامريكية!
في البداية لابد لنا من تعريف الحليف الاستراتيجي، فماذا نعني بالحليف الاستراتيجي؟
الحليف في معجم اللغة هو المتعاهد على التناصر والتعاضد ضد عدو مشترك، وتحالف القوم، أي تعاهدوا.. ونعني بكلمة (استراتيجي) هو علم التخطيط والاستراتيجية، وهو مصطلح عسكري يدل على تجهيز خطط الحرب وهي فن اذا استخدم في السياسة والاقتصاد وغيرهما.
ويرتبط معنى كلمة استراتيجي بالقدرة على وضع الأهداف والخطط المتوسطة الى طويلة الأمد والتي تعبر عن رؤية الحكومات وعادة ما تتراوح بين 3-5 سنوات، وقد تستمر لأطول من ذلك، اذ يرتبط هذا المفهوم بالتخطيط الاستراتيجي الذي يشمل تحديد التسلسل اللازم لتحقيق هذه الخطط والاهداف للوصول الى الرؤية المرغوبة والمعلنة.
بمعنى ، ان التحالف الاستراتيجي هو علاقة قوة او علاقة سلطة او علاقة تفاوض وهو يرتكز حول ثلاث محاور رئيسية وهي:
1.    المشروع. وهو عبارة عن رؤية عامة مشتركة للدول بوضع استراتيجية لتحقيق الهدف المقصود من وراء هذا التعاون وهو يتمثل بتحقيق المصالح المشتركة لتلك الدول المتحالفة.
2.    العلاقة. وهو ما يربط بين دولتين او اكثر وليس بالضرورة ان تكون تلك العلاقة مادية وانما قد تكون علاقة سياسية او إنسانية.
3.    العقد. وهو الشكل الذي تتخذه التحالفات بين الدول، وهو ما يتمثل بالجانب القانوني الذي يربط الدول المتحالفة بعضها بالبعض الاخر كالمعاهدة، الاتفاقية ووثيقة عهدا ...الخ
والسؤال هنا، هل العراق امام حليف جديد له وهو الولايات المتحدة الامريكية بعد الاتفاقات التي شهدتها واشنطن قبل بضعة أيام والبيان المشترك الذي صدر عن حكومة البلدين والمتمثل بتفعيل اتفاقية الإطار الاستراتيجي والتعاون في مجالات شتى، مالية، اقتصادية، بنى تحتية، طاقة، الكهرباء، الاستثمار، البيئة والمياه؟
نجيب على ذلك التساؤل بالقول، ان طبيعة العلاقة بين بلد مثل الولايات المتحدة الامريكية وبلد مثل العراق او أي دولة من الدول النامية، يعني ان هذه العلاقة هي علاقة غير متكافئة في مقاييس القوى التقليدية، وان كانت متكافئة في اطار القانون الدولي ومفاهيم سيادة الدولة، فالحديث عن تكافؤ في العلاقات بين بلدين مثل العراق والولايات المتحدة، سيفتقر الى الدقة والموضوعية، فقد اتسمت تلك العلاقات عبر التاريخ بالمد والجزر حسب مقتضيات ومصالح الولايات المتحدة بالدرجة الأساس التي تتعارض في احايين كثيرة مع مصالح العراق الوطنية، وحسب حاجة هذا الأخير الى الدعم الدولي.
بيد ان هنالك اغفال لعدم التكافؤ في العلاقات الدولية الذي يقود صناع القرار الى بناء سياسات قد تكون خاطئة في أحيان وصائبة في أحيان أخرى في التعامل مع القوى العظمى في العالم، وهنا لابد ان نؤكد ان ادراك عدم التكافؤ في العلاقات بين الدولة الصغيرة والكبيرة ينبغي الا يتجاهل أهمية التأكيد على المصالح الوطنية للدول الصغرى واستحصالها لكل ما اوتيت تلك الدول من قوة في اطار العلاقات الدولية، على ان الحصول على المصالح الوطنية يستلزم سياسات عالية المستوى تعتمد استراتيجيات تعظم إمكانات القوة للعراق مثل البناء الداخلي المتماسك، التحالفات والتجمعات والاتحادات الإقليمية وتوسيع شبكات المصالح المشتركة وجعل الدول العظمى كالولايات المتحدة الامريكية تدرك ان مصلحتها انما تكمن في بناء علاقات جيدة مع العراق وتغيير تحالفاتها الإقليمية المضادة.
ان العلاقة مع الولايات المتحدة الامريكية في واقع الامر يعني التعامل مع شبكة من اشكال التنافس والصراع بين قوى إقليمية ودولية متعددة، تتنافس جميعها وتتصارع من اجل الفوز بما يمكن الحصول عليه من موارد العراق وموقعه الجغرافي المميز، لذا فان مستقبل العلاقات بين العراق والولايات المتحدة الامريكية تتسم بعدم التكافؤ في المستقبل المنظور، فالولايات المتحدة الامريكية لم تحقق كل أهدافها في العراق والمنطقة بعد، وهي تسعى الى استكمال استحقاقاتها كقوة عظمى، وهذا يعني ان مجريات التنافس والصراع مستمرة في المنطقة.
يعتقد البعض ان العراق قد غير اتجاه تحالفاته من الشرق الى الغرب، بمعنى انه قد تراجع عن تحالفاته مع إيران بتجاه الولايات المتحدة الامريكية.
وحسب تصورنا ان هذا الاعتقاد غير صحيح، فالعراق وبعد تحرير ارضه من عصابات داعش الإرهابية بدأ ينسج سياساته الاقتصادية بالشكل الذي ينسجم مع مصلحة شعبه وتطلعاته. بمعنى ان بوصلة العراق تتحدد على وفق مصالحه الاقتصادية، فعندما تقتضي مصلحته التعاقد مع شركات المانية فانه يقدم على ابرام العقود معها، وعندما تستلزم مصلحته التعاقد مع شركات امريكية فانه يتعاقد معها.
وقد يلجا العراق أحيانا اسوة بالدول الأخرى الى شراء المواقف السياسية من خلال ابرام عقود اقتصادية مع بعض الدول بقصد دعمه سياسيا او امنيا كما يحدث مع الأردن من خلال مد ابنوب نفط العقبة.
فالعراق لا يزال بحاجة الى بناء دولته الوطنية القادرة على إقامة علاقات تتسم بقدر من التكافؤ مع الاخرين وصولا الى التكافؤ المطلوب مع القوى الإقليمية في الأقل، واحترام سيادته الوطنية.


 
 
 




















إرسال تعليق

0 تعليقات