المفكر العربي والحرية الفكرية

مشاهدات

 




 

 
 أ . د . سامي الزيدي


لا يخفى أن الإبداع الفكري لا يمكن أن يتم ما لم تتهيئ له الأرضية الخصبة والمناخ الفكري الملائم إذ بدون ذلك يظل البحث العلمي عملية اجترار وتكرار باهته . في بلادنا العربية بشكل عام والعراق بشكل خاص يعاني الباحث في مجالات الفكر من محددات كثيرة تجعله يخشى الخوض في مناطق ربما تشكل حقل ألغام مما قد يؤدي به إلى التضحية إذا فكر الدخول إلى تلك الألغام أو أن يبحث فيها .

فالمذاهب والعقائد خطوط حمراء لا يجوز الإقتراب منها وفض بكارتها بالنقد ، حتى وان كانت ذات انعكاسات خطيرة على البنية الثقافية للمجتمع ، وان عملت على استلاب واضح للذهن الإجتماعي فالإقتراب منها  يعد خرقا للمقدس وتجاوزا على الدين ، ممكن أن يعد صاحبه زنديقا .
كما أن العادات الاجتماعية خط احمر ومحدد لا يسمح لأحد أن يفككه أو يتجاوز حدوده بالنقد . لان اغلب العادات الاجتماعية فيها مسحة دينية أو قبلية ، والقبيلة في العرف الاجتماعي واحدة من المقدسات التي لا يسمح لأي كان نقدها أو الدعوة إلى تفكيكها وان شكلت معوقا من معوقات التقدم والتعايش الإيجابي ، أو كانت سببا في تفكيك المجتمع وزرع الفتن فيه وضياع هويته الجامعة .
فالمحددات الدينية والمذهبية وحتى السياسية التي لا تجيز انتقادها وإظهار عيوبها ، لكونها تسعى باستمرار إلى تغييب عقول اتباعها وجعلهم يؤمنون بها خارج نطاق العقل ، فأي محاولة لإيقاظ العقل أو تنبيه الإتباع إلى مناطق الخلل في الدين أو المذهب أو التشكيل السياسي ، هو محاولة لدخول حقل الالغام الذي قد لا تخرج منه حيا .
هذا الأمر يجعل الباحث يتجنب تلك المناطق والتي تشكل مرجعيات ثقافية ذات أثر في تشكيل العقل الإجتماعي. مما يجعل البحث بحثا اجتراريا منافقا باهتا بدون جدوى ، ويجعل الباحث العربي باحثا فقيرا عاجزا واهنا خائفا يترقب .
فيصعب والحال هذه انتاج مفكر عربي ممكن أن يضع لنا حلول واقعية لأزماتنا الفكرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية .
فمتى انتجنا قوانين تحمي المفكر وتحصنه من سطوات تلك القوى وجماعتها استطعنا أن ننتج بحثا فكريا علميا يحل ازماتنا .
الاشتغال في مواجهة الوعي العربي يحتاج إلى ماكنات حفر لما تعرض له العقل العربي من موجات تجميد وتسطيح لسنوات طويلة ، فتفكيك العقل العربي وإعادته إلى المرونة من جديد وبناء مرجعيات ثقافية تتناسب مع حجم النهضة العالمية ليجد موقعه من العالم بعيدا عن التغييب لابد له من انتاج جيل من المفكرين الاحرار لا يخضعون لسطوة الثقافة التقليدية وحراسها ، وهذا بدوره يحتاج إلى بسط مساحة من الحرية لاؤلئك المفكرين لأن يظهروا .

إرسال تعليق

0 تعليقات