أين نحن من التجار واللصوص لضمان مستقبل أبنائنا في التربية والتعليم؟

مشاهدات

 





د. هيثم جبار طه
الخبير الدولي في جودة التعليم والاعتماد الاكاديمي


أنتجت الرأسمالية العديد من المنتجات والخدمات فائقة الجودة، فمن الهواتف الذكية إلى وسائل المواصلات ذات السرعة العالية ووسائل الترفيه الجذابة، ولكن يبدو أن دافع الربح, وهو دافع ضروري في العديد من المجالات, كان مخيبا للآمال في قطاع حيوي، وهو التعليم.
ففي الولايات المتحدة، بلغ معدل نسبة الخريجين في ست سنوات 22%، أي أقل كثيرا من النسبة التي تم تحقيقها من قبل المؤسسات التعليمية غير الربحية وهي 60%، فالأولى تصرف 23% من إيراداتها على محاولة العثور على طلاب جدد مقارنة بما نسبته 1% فقط للمؤسسات التعليمية غير الربحية، وفي المستويات الإعدادية والثانوية فإن المدارس المستقلة التي تمولها الدولة وتديرها شركات ربحية هي أقل احتمالا من المؤسسات التعليمية غير الربحية لأن تلبي معايير الكفاءة، علما بأن بعضا من أضعف النتائج تأتي من أكبر المؤسسات التعلمية الربحية, وحتى الشركات التي توفر الكتب الدراسية وبرامج الحاسوب التعليمية وأنظمة الإدارة والقروض الطلابية قد فشلت في تحقيق مستوى التميز الذي حققته القطاعات الأخرى.
إن التعليم الربحي ليس ظاهرة في الولايات المتحدة الأميركية فقط، بل هو جزء من توجه عالمي, فالجامعات والمدارس الربحية الجديدة تظهر في أي مكان يوجد فيه طلب قوي على التربية والتعليم العالي, وخاصة بعد أن عاش جميع العالم في ظروف غير أعتيادية بعد جائحة كورونا وما سببته من أثار على جميع المستويات وبالاخص مستوى التعليم, وجميعنا يتحدث عن نوعية التعليم وجودته, ولكون أغلب أولياء الأمور, همهم الان منصب في كيفية أختيار التعليم المناسب لمستقبل أبنائهم.
بما أن النجاح في مهمة التربية والتعليم صعبة لا يدركها الا أصحابها (ليس تجارها), فالوصول للقمة وذروة النجاح في التربية والتعليم وسط كم من المنافسة والظروف والصعوبات المختلفة والتحديات ليس بالأمر الهين بالطبع, ولكن في النهاية النجاح له طعمه الخاص.
أن من يمتلك العقلية المنظمة والاستراتيجية الواضحة للمؤسسة التعليمية (نقصد المدارس والجامعات الخاصة) سيرى أهدافه بسهولة ويصل إليها بقوة واقتدار وتمكّن, وأن الوصول للمستوى الاعلى في النجاح ليس بالامر الصعب, ولكن الاصعب منه هو المحافظة على هذا النجاح والاستمرار به في التطوير حتى يستمر زهو النجاح.
أن التربية والتعليم في بعض الدول (بالأخص بعض دولنا العربية ومنطقة الشرق الأوسط) كان يشار اليها بالجودة على مستوى العالم, ولكن للأسف الشديد ما نلاحظه الأن من تدني لمستوى التعليم بسبب دكاكين التعليم الخاص والتي أنتشرت بشكل كبير في مناطقنا بسبب بعض التجار المتخلفين على مستوى التربية والتعليم, ولهذا نرى أن مسؤولية الادارات التعليمية في وزارات التربية والتعليم هي الحرص والمحافظة على مستوى جودة التربية والتعليم الذي كان يشار لها بالبنان على مستوى العالم, ونحن نعلم بانها مسؤولية أخرى تضاف على عاتقهم لضمان جودة التربية والتعليم في هذه البلدان. ولأن التربية والتعليم هي مستقبل وزهو أجيالنا القادمة وبلداننا, حيث بناء الفرد السليم في التربية والتعليم هو بناء للمجتمع وبالتالي بناء لأوطاننا التي نطمح لها بالتقدم والأزدهار.
التعليم جزء غير قابل للقسمة والانقسام نتمنى من المسؤولين المعنيين في وزارة التربية والتعليم في هذه الدول وهي الجهة المسؤولة على الإشراف العام على التعليم بشقيه العام والخاص والمخولة بسن التشريعات والأوامر لحماية أبنائنا الطلبة وصيانة التعليم وتطويره فإن من المهم الالتفات إلى ما يحدث في البعض من مدارس وجامعات التعليم الخاص والاستماع إلى مشاكل العاملين والطلاب والضغوطات التي يتعرضون لها ووجهات نظرهم لكل ما يجري بين جدرانها مما ينعكس سلباً على الطلبة وجودة التعليم ومخرجات, بسبب بعض التجار الفاسدين واللصوص ممن يملكون بعض المؤسسات التعليمية الخاصة والذين تاجروا وسرقوا مستقبل أبنائنا في التربية والتعليم.
حيث أن بعض أصحاب هذه المدارس والجامعات من يرى أن المدرسة والجامعة هي شركة يروم من خلالها الربح التجاري ليحقق أرقامًا في الأرباح والمداخيل ولايريد أن يقدم الجودة في التربية والتعليم, ويعتبرالكادر الاداري والتدريسي والأكاديمي في المدرسة أو الجامعة  ليسوا سوى موظفين لا رأي لهم غير تنفيذ الأوامر والتصرف بما هوموجود, وليس هناك أي اعتبار للمسألة التربوية والتعليمية, من خلال قيام بعض أصحاب المدارس والجامعات (من التجار واللصوص) بجلب أقل الناس أجورا كمعلمين ومدرسين وأساتذة, ويتقاعسوا في تطوير وصيانة وتقدم وجودة مدارسهم وجامعاتهم من ناحية التربية والتعليم الحديث, وهذه الاشياء على عكس ما يجب أن يقوم به بعض أصحاب المدارس والجامعات هذه من التركيز على الجودة في التربية والتعليم والتحصيل ومصداقية هذا التعليم في التكوين والتأهيل وبناء شخصية أبنائنا الطلبة، التي تعتبر النواة الحقيقية للمناهج التعليمية وتربية الطالب على القيم الصحيحة والسامية.
ومن خلال التجارب نلاحظ بعض المدراء والمستشارين, يستسلمون لإغراء تفضيل الأولويات المالية على الأكاديمية، وهذا أمر غير مفاجئ، فالنتائج التعليمية تحتاج لسنوات حتى يتم قياسها، ولكن الأرباح والمكافآت للمسؤولين التنفيذيين يتم حسابها سنويا.
وأن الميل  للاعتقاد أنه ليس هناك تناقض بين الأداء المالي القوي والتميز التعليمي، فالمؤسسات الربحية يمكن أن توظف موظفين متميزين وأن تتعامل باحترافية مع الظروف المتغيرة، وأن تجمع رؤوس الأموال المطلوبة للزيادة بسرعة.
الآراء حول التعليم الخاص متباينة، اذ يرى كثيرون ان التعليم العام سواء الأساسي أو الجامعي لا يلبي متطلبات سوق العمل ولا يتماشى مع العصر وجودته متدنية مما يجبر الطلبة على التوجه إلى التعليم الخاص.
لكن هناك من يرى أن التعليم لا يجب أن يترك بيد القطاع الخاص لأن همه سيكون الربح وليس جودة التعليم، وسيحرم أبناء الطبقات الفقيرة من فرص التعليم لأنهم غير قادرين على تحمل نفقات التعليم الخاصة الباهظة، وأن على الدولة التركيز على الاستثمار في قطاع التعليم وربطه بالتنمية.
من لايملك علمه لا يملك مستقبله, ومن امتلك علمه امتلك عمله واكتمل وعيه, وإذا كان الهم الأساسى لبعض الدول الآن الخروج من نفق الاقتصاد المعتم، فإن التعليم يجب أن يكون مشروعاً قومياً أول موازياً للاقتصاد, وإلى أن تتجه إرادة الدولة إلى التنوير وإضاءة مصابيح المعرفة، فلا بد أن يكون للتعليم نصيب فى الاقتصاد من خلال الاستثمار فى التعليم.
المؤكد أن الدولة تملك يقين أن التعليم هو أصل الابتلاءات المدمرة والمتعددة من تطرف وفساد مبدع ومتجدد وبطالة وانعدام كفاءة، والمطلوب أن تترجم الدولة هذا اليقين إلى رؤية سياسية ثورية ومتقدمة ومخططة بشكل جيد، فالتعليم ليس مجرد خدمة تقدمها الدولة على حسابها ويعقبها فشل، إلا أنها لا تملك المال ولا تملك رؤية، وبالتالى فهى منزوعة القدرة والمقدرة، والنتيجة تعليم حكومي بمواصفات رديئة، أو تعليم خاص أغلبه تجارة، فأغلبية المستثمرين فى التعليم من أصحاب مشروعات المدارس والجامعات الخاصة تجار تعليم وليسوا مستثمرين, لأن أغلى وأفضل أستثمار هو التربية والتعليم لأن بناء الأنسان لا يعلو عليه شئ أخر, والأستثمار في التربية والتعليم نهر دائم.
ولهذا يجب على الدول المعنية  أن تشجع إقامة مؤسسات تعليمية هادفة بشروط ومواصفات قياسية صعبة، مروراً بالأبنية التعليمية التى لا بد أن تتوافر فيها الأنشطة مروراً بالمناهج ومستوى المدرسين ووجود المواد التى لم يعد لها مكان ولا مساحة لخلق الموهوبين والمميزين والعباقرة وإنتاج العقلية السوية والثقافة العميقة المتسامحة.
ولا بد أن نمتلك جرأة الاعتراف بأن التعليم الحكومي في بعض البلدان لم يعد صالحاً فى ظل المنظومة الحالية, والتعليم الخاص أغلبه لا تضاف إليه التربية والتنوير ولا يهدف سوى لتحقيق أعلى عائد من الربح, ما لم نمتلك رؤى وحلولاً إبداعية وخطوات مدروسة وسريعة لمشكلات التعليم، فسيكون نصيب دولنا من عناصر الرقي والتقدم (صفر), وسوف نبقى ندور، ثم نعود لنفس الحلقة المفرغة مكبلين وموصومين بكل الأمراض الاجتماعية المرعبة, نتعاطى الجهل بكافة أشكاله ونرفع الوهم فوق المعرفة، ونرتكب نفس الخطايا، ولن نكون في (موقع للمستقبل).
وفي الختام ليكن شعارنا (التربية ثم التربية ثم التربية ثم التعليم), لأن التربية هي أساس التعليم.
















إرسال تعليق

0 تعليقات