قراءة هادئة في إحاطة ساخنة

مشاهدات

 


 

عبد الجبار الجبوري

أحدثتْ إحاطة ممثلة الامم المتحدة في العراق، جينين بلاسخارت، هِزّة وضجّة إعلامية ، وفضيحة سياسية، للعملية السياسية في العراق، وإنتزعت شرعيتها الدستورية والدولية ،جاء ذلك في جلسة خاصة ،لمناقشة الأوضاع العراقية في مجلس الامن الدولي،وشخصّت السيدة بلاسخارت بدقة ووضوح ،ألأخطاء السياسية الكارثة، التي وقعت فيها العملية السياسية ورموزها في العراق،مستندة على الذرائعية للانسداد السياسي، التي تعيشها الحكومة وكتلها السياسية،في تأخير تشكيل حكومة غير تحاصصية ولاتوافقية ، هدفها تقسيم كعكة السلطة ومغانمها،والذي يقابلها غضب شعبي عارم، يمكنه التفجر بأية لحظة بوجه الحكومة، والنزول الى الشارع ، وكنس الطبقة السياسية الفاسدة والفاشلة ، وهذا لم تعّر له اي اهتمام الكتل التي تريد تشكيل حكومة بأي طريقة، لتجهز على السلطة، متجاهلة (حِلْم وغضب الشعب)، والذي حذرت منه بشدة بلاسخارت،في ظل غياب تام عن تقديم تنازلات حقيقية ، في الحوارات واللقاءات التي جرت بين الكتل جميعها من جهة، والتيار الصدري من جهة أخرى، دون التوصّل الى تفاهمات منطقية، للخروج من الأزمة الخانقة، التي أوقعهم فيها الاطار التنسيقي في (ثلثه المعطل)،منوهة الى حلول واقعية في إنتشال العراق من مستنقع الفساد والمحاصصة الطائفية ،التي أحرقت الأخضر واليابس في العراق،ومن هذه الحلول التي وضعت بها إصبعها على جرح العراق،الذهاب الى حكومة إنقاذ وطني،بإشراف الامم المتحدة ومجلس الأمن الدولي،ووضع حداً للفساد المستشري بشكل مخيف ،في مفاصل الدولة كلها،بنظام حكم يضمن الخروج من الازمة لمسارات جديدة ،بدلاً من الأزمات المتكررة ،التي أنهكت الحكومات وأجلستها على حديدة الفشل،ولم تنس بلاسخارت خطر السلاح المنفّلت، الذي حوّل الدولة الى لادولة،ونشر الخوف والقتل في عموم البلاد،بعد أن ضمن الإفلات من العقاب،في إنتقاد مباشر للفصائل الولائية التابعة لإيران، وتعمل تحت إمرة الحشد الشعبي،التي تقصف السفارات والقواعد الامريكية ، وأربيل وزيليكان في بعشيقة وغيرها،كل هذا يجري في ظل غياب تام للتفاهمات السياسية، وفقدان الثقة بين جميع الاطراف، إذ لايثق أحدٌ بأحد على الاطلاق، وروح الثأر مازال شاخصاً، في التعامل بين الأطراف، والمواجهات الأخيرة  بين الإطار والتيارفي المنطقة الخضراء، من جهة ، وبين الديمقراطي الكردستاني بقصف اربيل ومقر الحزب ببغداد من جهة أخرى،أو قصف مقر وبيت الكاظمي والحلبوسي ، إذن أنّ تسليط الضوء على الوضع السياسي بين الاقليم وبغداد، هو الحدث الأبرز، لأنه يفضي الى تقريب وجهات النظر، بين الأطراف الأخرى، ولاسيما في موضوع مصيري وحساس بالنسبة للاقليم ،وهو نظام قانون النفط والغاز، الذي أدانته وأبطلته المحكمة الاتحادية جملة وتفصيلاً، وهذا لم يلقَ تجاوباً من بقية الكتل، مما أحدث شرخاً طولياً في العلاقة بين أربيل وبغداد، رغم جميع المحاولات التي قام بها زعماء الاطار التنسيقي الى أربيل، لرأب الصدع بينهما ،ولكن دون جدوى تذكر، بسبب تعنّت كل من الاتحاد الوطني( حليف للإطار) وااديمقراطي( حليف للتيار)،حول الذهاب بمرشّح واحد لرئاسة الجمهورية، وظلّت العلاقات متوترة بين الإطار والديمقراطي للآن، وهو أحد أسباب الإنسداد المزّمن، في عملية تشكيل الحكومة ،وإستقرارها،وذهبت بلاسخارت الى أبعد من ذلك،معزيّة سبب قيام الحرس الثوري الايراني ،بقصف الحدود العراقية للإقليم، هو التباعد الجيوسياسي بين الإقليم وبغداد ،مما خلق تبريرات إيرانية وتركية، للتدخل والإعتداء على أراضي العراق، بحجة ملاحقة الأكراد المعارضين للنظامين ،منتقدة بشدة هذين النظامين ، وتسببهما بقتل العراقيين الأبرياء،ومنددّة أيضاً بقيام الفصائل الولائية الايرانية ،بقصف أربيل وزيلكان (بصواريخ دبلوماسية)، لايمكن القبول بها، وترك الحوار الدبلوماسي جانباً ومغيباً،في وقت تظهر حكومة الكاظمي ضعفها وعجزها، عن لَجم هذه الفصائل وإيقافها عند حدّها ،و(تاكيد سلطة الدولة)،وسيادة القانون ، وهذا ما لم نلمسه من الكاظمي وحكومته، ولم يقم زعماء الكتل والأحزاب التابعة لإيران، بالتدخل لحماية سلطة وهيبة الدولة ،ولم تتوقف بلاسخارت عند هذا الحدّ ،من تشخيص الأوضاع المزرية، التي يعاني منها البلد، فقد دخلت الى حقول الغام أكثر خطورة، وهو ملف سنجار الإنساني، مشددّة على ضرورة معالجته ،وإنهاء معاناة أهل سنجار، الذين عانوا الأمرّين من بطش ووحشية تنظيم داعش،ومازالوا يعيشون المحنة المروّعة ذاتها، في النزوح والإهمال الحكومية،لأوضاعهم المزرية، وتقاعس حكومة عادل عبد المهدي والكاظمي من إنهاء ملف سنجار، بالرغم من توقيع بغداد ( إتفاقية سنجار) التي لم تر النور ، بسبب تدخل إيران وفصائلها في الملف بشكل مباشروذلك بدعمهم حزب العمال الكردستاني، وإنشاء ميليشيات إيزيدية تتبّع الحشد الشعبي عسكرياً ، وهواها ونشاطها يخضع لميول حزب العمال الكردستاني التركي بشكل مباشر، والأحداث التي واجهها الجيش العراقي، وإستشهاد جنود عراقيين داخل سنجار دليل على ذلك،ولكن إصرار الجهات على إستمرار أزمة سنجار أفشل الإتفاق التاريخي، وأجّلَ عودة أهلها وإعادة إعمارها،لذلك ترى بلاسخارت، أن قضية سنجار معقدة بسبب التشرذم والإنقسام المجتمعي المحلي، وعجز حكومة بغداد والإقليم عن تنفيذ الإتفاق،وفرض الأمن والإستقرار فيها،ونوهّت أن أزمة وعقدة سنجار هي سياسية، أكثر مما هي مجتمعية،وبإمكان حكومة بغداد وأربيل، التوصّل الى حلول منطقية لتنفيذ بنود الإتفاق بسلاسة وهدوء، ولكن يبدو لنا أن ملف سنجار، سيظل عائقاً وعالقاً حلّه، طالما الإنسداد السياسي يفعل فعله، في عملية تشكيل حكومة ،بيدها القرار السياسي وليس خاضع لدول إقليمية ودولية،تاركين سنجارتنهشها الصراعات السياسية، وتحويلها الى ساحة للفاسدين والخارجين عن القانون ،وطريقاً دولياً لتهريب السلاح والصواريخ، والمخدرات والبنزين وغيره،إن إيلاء بلاسخارت لملف سنجار كل هذا الاهتمام، يظهر مدى جديتها في ترميم العلاقات الاجتماعية، وغلق ملفات النازحين الانساني، وعدم السماح لإستخدامه ، من قبل الأحزاب والكتل السياسية، كورقة يستخدمونها حسب الطلب، متناسين ومتجاهلين واقعهم الانساني المزري،نعم إحاطات بلاسخارت ،كان فرصة لإنتزاع الشرعية من حكومات الاحتلال، ووضع العراق في سياقه التاريخي، وكان أبرز تأكيداتها الإحاطية هو إعلانها ظاهرة الفساد بشقيه السياسي والمالي،في جميع مفاصل الحكومة التي تقودها الأحزاب، ولم تستثن أحد ،وقالت (إن الفساد يشمل الجميع)،ومشددة أيضا أن تجاهل إحتياجات الشعب، وبقاء الفساد سيولد (ثورة شعبية)، بعد أن فقد الشعب ثقته بكل الاحزاب والحكومات والكتل السياسية،وهذا ماجعل السيد مقتدى الصدر،يرحب بكلمة بلاسخارت ،ويؤيدها، والعودة الى العمل السياسي، بتشخيصها ظاهرة الفساد، والتي سبق للسيد مقتدى بتشخصيها، والخروج بتظاهرات تياره المليونية من أجل الاصلاح، والقضاء على الفساد، وأكد برسالة شكر لممثلة الامين العام بلاسخارت ،أنّ الحل لايمكن تنفيذه ،إلاّ عن طريق إستبعاد جميع هذه الاحزاب والكتل الفاسدة ،عن المشهد السياسي ،مؤكداً أيضا رؤية بلاسخارت في موضوعة الانتخابات المبكرة، التي يجب ان لايشترك فيها الفاسدون من الاحزاب، والكتل والوجوه والشخصيات الولائية والفاسدة، وقالت قبله بلاسخارت (أن الانتخابات المبكرة غير مجدية ،إذا إشترك فيها الفاسدون وأحزابهم وتدوير نفس الوجوه) ولهذا قالت المحكمة الاتحادية ،وحسمت الأمر( عدم شرعية الهيئة المستقلة للانتخابات)،وهكذا كانت إحاطة بلاسخارت قُنبلة سياسية، فجرتّها تحت قبة مجلس الأمن الدولي ،ووضعت الكرة في ملعبه ، فهل نشهد تغييرات سياسية على الارض ....؟؟

إرسال تعليق

0 تعليقات