عندما تكثر الجباية (الرسوم والضرائب)!

مشاهدات

 






موفق الخطاب

يتقبل المواطن وفي أي دولة في العالم ألنظام الضريبي والرسوم عندما يكون ذلك مقترنا بما يحصل عليه من خدمات ملموسة خاصة عندما يطبق هذا النظام على الجميع دون تمييز ولا إستثناء مع تيقن المواطن أن تلك المبالغ الباهضة حصيلة الضرائب والرسوم  تصب في ميزانية الدولة لا في الجيوب والحسابات الخاصة ويتم التصرف فيها بأمانة في تقديم الخدمات  ، أما أن  يجبر المواطن على دفعها بموجب قوانين مكيفة ليستولي عليها حيتان الفساد او لمعالجة الوضع الاقتصادي المترنح للدولة بسبب سوء التخطيط لعقود والديون والفوائد المتعاظمة دون أن يتحسس المواطن أي رقي ورفاهية وخدمات في حياته ، ودون النظر للتضخم ولمعاناته في لقمة عيشه والبطالة المستشرية وهو يشاهد تضخم ثروات الطبقة الحاكمة وبطانتهم  على حساب تعاسته وجمود دخله السنوي  فهنا يبدأ التصدع والتخلخل في العلاقة بين المواطن و نظام الحكم وقد يتطور الى صراع خفي وتمرد قد يتطور الى ما لايحمد عقباه.
وخير من شخص هذه الحالة وغيرها من الامراض التي تصيب المجتمع وتمزقه  هو  ابن خلدون رائد علم الاجتماع العربي، حيث أنه كتب في مقدمته الشهيرة (مقدمة ابن خلدون)  في القرن الرابع عشر الميلادي متطرقا الى العديد من تلك الآفات وهي بالضبط تشبه الى حد كبير ما تعانيه العديد من الشعوب المغلوبة على أمرها  هذا اليوم قائلا :

 - عنـدمــا تـكثــر الجبــايـة تشرف الدولة على
  النهـايــة!

- وعندما تنهار الدول يكثر المنجمون والمتسولون .. والمنافقون والمدّعون.. والكتبة والقوّالون.. والمغنون النشاز والشعراء النظّامون.. والمتصعلكون وضاربوا المندل..

وقارعوا الطبول والمتفيهقون ( أدعياء المعرفة ) .. وقارئوا الكفّ والطالع والنازل والمنجمون..
والمتسيّسون والمدّاحون والهجّاءون وعابروا السبيل والانتهازيون..
عندها تتكشف الأقنعة ويختلط ما لا يختلط..
ويضيع التقدير ويسوء التدبير.. وتختلط المعاني والكلام..
ويختلط الصدق بالكذب والجهاد بالقتل..

عندما تنهار الدول يسود الرعب .. ويلوذ الناس بالطوائف..
وتظهر العجائب وتعم الإشاعة..
ويتحول الصديق إلى عدو  والعدو إلى صديق..
ويعلو صوت الباطل.. ويخفق صوت الحق..
وتظهر على السطح وجوه مريبة.. وتختفي وجوه مؤنسة..
وتشح الأحلام ويموت الأمل..
وتزداد غربة العاقل وتضيع ملامح الوجوه..
ويصبح الانتماء إلى القبيلة أشد التصاقا..
وإلى الأوطان ضربا من ضروب الهذيان..
يضيع صوت الحكماء في ضجيج الخطباء..
والمزايدات على الانتماء.
ومفهوم القومية والوطنية والعقيدة وأصول الدين..
ويتقاذف أهل البيت الواحد التهم بالعمالة والخيانة..
وتسري الشائعات عن هروب كبير..
وتحاك الدسائس والمؤامرات..
وتكثر النصائح من القاصي والداني.. هذا مقتطف من رؤية إبن خلدون في إختلال العلاقة بين الأنظمة والشعوب بسبب جشع الحكام وفساد البطانة واغلب تلك الانظمة انهارت بسبب ذلك الفساد وقلما نجى حاكم من السحل أو القتل أو الهروب متنكرا .
الا ترون سادتي الأفاضل أن كل ذلك يحدث اليوم في العديد من الشعوب المنهكة  بيننا وحولنا ؟
يبدو أن فساد الانظمة والحكام وبطانتهم حالة مرضية قديمة متأصلة في الأمة يتوارثها طبقة الحكام الا من رحم ربي  !
              لله درك ورحمك الله يا ابن خلدون..

فمن الحكمة  اليوم أن يتم مراجعة السياسة المالية دوريا و مع كل تقلب في الوضع الإقتصادي العالمي والاقليمي والداخلي وهذا ما يجب العمل عليه في اي نظام لديمومة بقاءه في السلطة قبل ان تنقلب الموازين ويصبح عاليها سافلها بالطمع  وسوء التقدير..

إرسال تعليق

0 تعليقات